تحذيرات من شتاء ساخن.. هل تصمد حكومة تونس أمام تصاعد الاحتجاجات؟

المشيشي وحكومته يواجهون عدة تحديات (الجزيرة)

مع اتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات التي طالت قطاعات شتى، تزداد مهمة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي صعوبة، حسب خبراء.

يأتي ذلك في وقت ترزح فيه البلاد تحت أزمة اقتصادية وسياسية لم تعرفها منذ الاستقلال، وعمقت آثارها جائحة فيروس كورونا المستجد.

وأعلنت عدة نقابات وتنسيقيات عمالية جهوية شن سلسلة من الإضرابات؛ تنديدا بالأوضاع الاجتماعية والمهنية المزرية، وسياسة "المماطلة" التي تنتهجها حكومة المشيشي.

شلل وتصعيد

ويعيش مرفق القضاء شللا تاما منذ نحو أسبوع بسبب الإضراب العام المفتوح الذي أقرته كل من نقابة وجمعية القضاة التونسيين، تنديدا بتجاهل الحكومة مطالبهم الاجتماعية والمهنية، وظروف العمل "الكارثية" داخل المحاكم.

وأعلن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة -في بيان- مواصلة الإضراب الذي انطلق منذ 16 من الشهر الجاري، في حين أكدت رئيسة الجمعية أميرة العمري للجزيرة نت أن القضاة سيتخذون أشكالا أخرى من التصعيد في حال لم تستجب الحكومة لمطالبهم المشروعة، وفق وصفها.

وأشارت إلى أن قضاة قضوا نحبهم بسبب إصابتهم بعدوى فيروس كورونا نتيجة ظروف العمل المزرية داخل المحاكم التونسية، وعجز بعضهم عن العلاج داخل المصحات الخاصة.

من جهتها، قررت نقابة الصحفيين الدخول في سلسلة من التحركات الاحتجاجية بداية من اليوم، تنديدا بما وصفته بسياسة المماطلة التي تمارسها الحكومة في تفعيل الاتفاقات المشتركة، بهدف تحسين وضعية الصحفيين.

عدوى الكامور

وتمتد رقعة الاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من ولاية (محافظة) تونسية، لا سيما المتعلقة بقطاع الطاقة والمحروقات.

ويرى مراقبون أن نجاح "اعتصام الكامور" بولاية تطاوين -الذي انتهى بتنفيذ الحكومة مطالب الشباب المحتج منذ أشهر- فتح الباب على مصراعيه لتنسيقيات عمالية أخرى لانتزاع مطالبها عبر التهديد بغلق حقول الإنتاج.

وسبق أن أشاد هشام المشيشي بوصول حكومته إلى حل ينهي أزمة اعتصام الكامور، بعيدا عن المقاربات الأمنية، لافتا إلى أن الحل نفسه القائم على المفاوضات الاجتماعية سيتم اعتماده في حل مشاكل باقي المناطق المطالبة بالتنمية والتشغيل.

وفي ولاية قابس (جنوبا)، أدى تواصل اعتصام شباب المنطقة المطالبين بالتنمية والتشغيل إلى حدوث شلل تام في عمل "المجمع الكيميائي" وتوقف الإنتاج؛ مما أثر سلبا على إنتاج الغاز، وتسبب في اضطراب على مستوى التوزيع في ولايات الجنوب الشرقي.

وفي ولاية القيروان، التي تعد من أكثر المناطق فقرا وتهميشا؛ أعلن الاتحاد الجهوي للشغل تنفيذ إضراب عام مع بداية الشهر القادم، كشكل من أشكال الاحتجاج ضد تواصل سياسة التهميش وغياب التنمية العادلة.

أما في ولاية باجة (في الشمال الغربي) فقد أعلن الاتحاد الجهوي للشغل عن شن إضراب عام الأربعاء القادم، من أجل حق الجهة في التنمية والتشغيل والصحة.

هزة اجتماعية عنيفة

وأكدت إحصائية حديثة صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن نسق الاحتجاجات الاجتماعية شهد ارتفاعا بنسبة 16% خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وحذّر المنتدى من أن 86% من هذه الاحتجاجات تمت بشكل عشوائي، وتنزع نحو العنف، مما یضاعف حدة المخاوف بخصوص مدى قدرة الحكومة على تطویق الاحتقان الاجتماعي.

ويقول الناطق باسم المنتدى رمضان بن عمر للجزيرة نت إن نسق التحركات الاحتجاجية شهد تصاعدا، ليبلغ أكثر من 6500 تحرك احتجاجي منذ بداية السنة حتى نهاية الشهر الماضي.

وشدد على أن توقيع حكومة المشيشي "اتفاق الكامور" مع الشباب المحتج فتح الباب لتنسيقيات عمالية أخرى للاحتجاج، في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية التي عمقتها أزمة كورونا.

وأكد رمضان بن عمر أن الفعل الاحتجاجي في تونس لم يعد حكرا على الفئات والجهات المحرومة، بل دخل فاعلون جدد على خط الاحتجاج، لا سيما الذين تضرروا من جائحة كورونا؛ كالفنانين والحرفيين وأصحاب المقاهي والمزارعين وغيرهم.

وحذر المتحدث ذاته من عجز الطبقة الحاكمة عن إيجاد حلول جذرية لطالبي الشغل والمحتجين على تحسين ظروفهم الاجتماعية والمهنية، مؤكدا أن الأيام المقبلة قد تشهد هزة اجتماعية عنيفة، مما ينبئ بشتاء ساخن.

تونس تمر بوضعية مالية صعبة بسبب تفاقم المديونية وارتفاع عجز الموازنة/شارع الحبيب بورقيبة/العاصمة تونس/أكتوبر/تشرين الأول 2020 (صورة خاصة)
تونس تمر بوضعية مالية صعبة (الجزيرة)

حلول وتعاون

ووسط دوامة الاحتقان الاجتماعي وتصاعد المطالب القطاعية، بدأت جهات حزبية ومنظمات وطنية طرح حلول وبرامج بهدف الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد على كل المستويات.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد -خلال لقائه أمين عام اتحاد الشغل الخميس الماضي- ضرورة التعاون بين مختلف الأطراف؛ بهدف الخروج من الوضع الصعب الذي تمر به البلاد بعيدا عن المناكفات.

وطرح اتحاد الشغل مبادرة "إنقاذ اجتماعية وسياسية واقتصادية"، تحت رعاية رئيس الجمهورية، بهدف إخراج البلاد من الوضع الاقتصادي والسياسي المحتقن والمتأزم.

من جانبه، أعلن حزب التيار الديمقراطي مبادرة وطنية، ودعا لحوار اقتصادي واجتماعي يؤسس لخطة تنمية جديدة تحقق الثروة وتقدم حلولا للمشاكل التي تعيشها البلاد تحت إشراف رئيس الجمهورية.

Tunisia's new government swearing-in ceremony at the Carthage Palace outside the capital Tunis
الرئيس سعيد دعا إلى ضرورة التعاون بين مختلف الأطراف للخروج من الأزمة (رويترز)

ويرى القيادي في حزب "قلب تونس" محمد الصادق جبنون -الذي يعد ضمن الحزام الحزبي الداعم للحكومة- أن المشيشي يدفع اليوم ثمن إخفاقات الخيارات الاقتصادية الفاشلة للحكومات السابقة، والتلاعب في مؤشرات التنمية.

وأشار -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية يعد نتيجة طبيعية لأزمة سياسية واحتقان اجتماعي طال أمده، واكتفت الحكومات المتعاقبة بعلاجه عبر حلول ظرفية وشراء السلم الاجتماعي بالتداين من الخارج.

وحول الدعوات التي أطلقتها أحزاب سياسية ومنظمات وطنية لحوار اقتصادي واجتماعي، يشرف عليه رئيس الجمهورية، اعتبر القيادي في "قلب تونس" أن مثل هذه المبادرات لا بد أن تكون خالية من أي أهداف سياسية، حتى لا يكون مصيرها الفشل.

المصدر : الجزيرة