مع فتور بايدن المتوقع.. هل يناور السيسي شرقا أو ستكون التكلفة باهظة؟

epa02625241 U.S. Vice President Joe Biden (L) speaks with Russian Prime Minister Vladimir Putin (R) during their meeting in Moscow, Russia 10 March 2011. Joe Biden is on a three-day visit in Russia. EPA/MAXIM SHIPENKOV
الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن (يسار) في حديث سابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الأوروبية)

ربما تشي التصريحات السابقة للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ضد النظام المصري الحالي بمسار تصادمي غير مسبوق ينتظر القاهرة، وقد يدفعها إلى التسلح والمناورة بالمعسكر الشرقي وتحديدا روسيا والصين أمام فتور العلاقات المحتمل من الجانب الأميركي.

ووفق مؤشرات عدة، يعيش نظام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي حالة من الارتباك حيال علاقته المستقبلية مع إدارة بايدن، عززها توقيعه عقدا مع شركة جديدة للعلاقات العامة في الولايات المتحدة بهدف تحسين صورته.

وعادة ما توصف العلاقات المصرية الأميركية بالإستراتيجية خصوصا على المستوى العسكري، حيث تقدم واشنطن للقاهرة نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

إشارات إستراتيجية

لعبت التضييقات التي مارسها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على النظام المصري عام 2013، احتجاجا على الانقلاب العسكري آنذاك حين كان السيسي وزيرا للدفاع، دورا كبيرا في انتهاج القاهرة لاحقا مبدأ تنويع الحلفاء الدوليين المنافسين لواشنطن، وهو ما يمكن تلمسه في صفقات التسليح مع الجانب الروسي، والاتفاقيات التجارية الكبيرة مع الصين.

وفي هذا الصدد، اتفق محللون سياسيون في تصريحات منفصلة للجزيرة نت، على أن القاهرة ربما ستلوح بورقة روسيا والصين، دون الوصول إلى حد تهديد تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن لأن ذلك قد يعرضها للخطر.

وفيما خرجت تطمينات أميركية من شخصيات بارزة لمصر بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع بايدن، وجهت القاهرة رسالة بدت مرتبة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر الدبلوماسي المصري البارز عمرو موسى، بأن مصر يمكنها تعويض الفتور الأميركي بالتوجه شرقا عبر علاقات متوازنة مع روسيا والصين.

المناورة المصرية باستخدام الورقة الروسية، ليست جديدة وتسبب توجسا لدى الروس، وذلك بحسب علاء الحديدي السفير المصري الأسبق في روسيا.

ففي مقال نشره عام 2017 تحت عنوان "لماذا تراجعت العلاقات المصرية الروسية؟" قال السفير المصري إن لدى الروس ما يمكن أن نطلق عليه "عقدة السادات" وهي ترتبط بقرار السادات طرد الخبراء الروس من مصر في عام 1972، مشيرا إلى أن هناك دائما توجسا روسيًّا في صدق النوايا المصرية، والتخوف من أن يكون أي تقارب مع روسيا ما هو إلا لهدف تكتيكي فقط، ألا وهو تعزيز المركز التفاوضي لمصر مع الجانب الأميركي.

تداعيات خطرة

الأكاديمي المصري حسام الشاذلي، أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبريدج البريطانية، أكد أن الالتزامات الدولية طويلة المدى بين القاهرة وواشنطن "لا يمكن الخروج عليها ببساطة في ظل أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية الخطرة".

وشددّ الشاذلي على أن "النظام المصري لن يجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوات، التي ستعرضه لغضب أكبر من إدارة أميركية جديدة غير راضية عنه منذ البداية، وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذها خطوات كثيرة ترهقه وتحرجه داخليا وخارجيا".

وتوقع أن "يسعى النظام المصري إلى التقرب بكل الوسائل إلى إدارة بايدن، وأن يقدم قرابين الولاء والطاعة لكي يحصل على مكانة أفضل لديه"، مستبعدا أية "محاولات متطرفة للتوجه إلى المعسكر الشرقي، إلا في حالة طرد السيسي ونظامه بصورة واضحة من مظلة النظام الأميركي مما سيكون له أسوأ الأثر عليه".

وأشار الشاذلي إلى أن احتمالات توجه الجانب المصري للمعسكر الشرقي موجودة، غير أنه شكك في نجاحها في منح الغطاء السياسي والاقتصادي المطلوب لنظام السيسي. وعزا المحاولات المصرية المستمرة للتقرب من روسيا، إلى "تشابه مفهوم الحكم الاستخباراتي بين البلدين مع الاختلاف في الحجم والتأثير الدولي".

تكلفة الاستبدال

وعلى الجانب العسكري، أشار إلى أن سياسات الصين لا تسمح بالتعاون العسكري القوي مع مصر، فيما لا تزال روسيا تمثل الترسانة القديمة للعالم، في حين أن الهيكل العسكري والتسليحي المصري قد تم تأسيسه على تكنولوجيا غربية مختلفة تماما، ولذلك تكلفة الاستبدال لدولة مثل مصر لا تعرف إلا القروض، ستكون باهظة جدا.

واقتصاديا، أوضح الشاذلي أن الوضع الاقتصادي للمعسكر الشرقي، لا يسمح أبدا بإحلاله محل المعسكر الغربي والذي ترتبط التزامات الولايات المتحدة به بالتزامات أوروبا كلها، مشيرا إلى أن المعسكر الشرقي -وخاصة روسيا- لديه من المشاكل الاقتصادية ما يلزمه أن يكون دائما المستفيد الأكبر عند التعامل مع مصر.

أما عن الصين، فلفت الأكاديمي المصري إلى أن حجم التبادل التجاري معها كبير جدا (يتخطى 13 مليار دولار وفق تقديرات رسمية)، وكذلك كَمّ المشروعات المتعلقة بالبنية التحتية ومنها العاصمة الإدارية وغيرها.

مناورة مصرية

بدوره، استبعد الباحث المغربي في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الصيني، عثمان أمكور، أن تكون الصين وجهة إستراتيجية لمصر في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن روسيا من الممكن أن تلعب هذا الدور بحكم طموحاتها السياسية في المنطقة والتي تظهر في الملف الليبي، لكن دورها لن يقدم للنظام المصري خيارات عديدة.

وأوضح أمكور أن عقيدة الصين في سياستها الخارجية، تنحو لمزيد من التوغل التجاري في الشرق الأوسط بدلا من التوغل السياسي.

وفيما يتعلق بمصر، قال أمكور إن "مصر بالنسبة للصين دولة مهمة في مسارها الاستثماري المتمثل في طريق الحرير الجديد، ولكن بكين في المرحلة الراهنة تشهد حربا تجارية وتحديات إقليمية، مثل مشاكلها في بحر الصين الجنوبي وفي هونغ كونغ وتايوان وغيرها".

وبجانب هذه التحديات الصينية، وفق أمكور، يعتبر الشرق الأوسط منطقة نفوذ أميركية، وبالتالي لن يمكن لبكين أن تكون غطاء سياسيا لمصر حاليا.

واعتبر أن القاهرة تناور بورقة الصين وروسيا أمام الإدارة الأميركية الجديدة، موضحا أن النظام المصري فقد حليفا مهما له في البيت الأبيض وهو ترامب، والذي على خلاف إدارة بايدن التي ستميل أكثر لدعم الحريات والديمقراطية، وهو ما يمكن أن يحرج نظام السيسي دوليا.

أما عن السيناريوهات المستقبلية حال حوّلت القاهرة دفتها إلى بكين وموسكو بدلا من التزامها بموقعها في السياسة الأميركية عموما، قال أمكور إنه في العموم من الجيد لأية دولة تنويع حلفائها خارجيا حتى لا تظل رهينة لسياسة دولة واحدة.

وأضاف أنه في الحالة المصرية، الرهان على الصين قد يكون جيدا تجاريا، والرهان على روسيا قد يكون جيدا عسكريا وأمنيا أكثر، لكن تحالف مصر مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات يحول دون تحالف مستقبلي بين مصر وروسيا.

مربع التوازن

ومن جانبه، توقع محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية (غير حكومي/ مقره القاهرة)، أن تعود السياسة الخارجية المصرية إلى مربع التوازن وعدم الارتماء في الإدارة الأميركية، إذا شعرت أنها تحمل العداء والكراهية لها، وتلفظ سياساتها الداخلية والخارجية.

وقال حامد إن مصر ستغير من وجهتها ومن إستراتيجيتها في مواجهة إدارة بايدن، التي تبدو أنها لا تحمل الود للقاهرة وهو ما تدركه الإدارة المصرية، وسيكون حائط الصد والحماية لها روسيا والصين.

وعن علاقة بلاده بروسيا، أوضح حامد أن السيسي هو من بنى هذه العلاقات حين كان وزيرا للدفاع، ويرى أن هذه العلاقات قوية وضرورية لمقارعة الولايات المتحدة في ملفات عدة، على حد قوله.

كما أشار إلى أن الرئيس المصري استطاع تمرير صفقة الطائرات الروسية من طراز سوخوي 35 التي رفضتها إدارة ترامب، في دلالة كبرى لمحاولة نزع استقلالية معينة في مواجهة الولايات المتحدة، ولو على الأقل هامشية وضعيفة، وفق قوله.

وشرعت القاهرة في اتفاق وقعته مع موسكو عام 2018، لتوريد صفقة مقاتلات من طراز سوخوي 35، رغم تهديدات أميركية بأن الصفقة قد تعرضها لعقوبات وستعقد بصورة كبيرة اتفاقات الدفاع بين البلدين.

وفي هذا الصدد، أوضح حامد أن إدارة بايدن من الممكن أن تتهور وتطبق قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال قانون العقوبات (كاتسا)، وتفعيله ضد القاهرة.

أما عن العلاقات المصرية الصينية، أشار حامد إلى أن القاهرة ربطت ونسجت علاقات اقتصادية قوية بشكل كبير مع الصين، خاصة أن بكين تستثمر بكل ثقلها في العاصمة الإدارية الجديدة مما يؤدي إلى ترابط العلاقات بين البلدين اقتصاديا، لافتا إلى أن بلاده ستكون في حرج إذا أتت إدارة أميركية عدوة للصين وطالبت حلفاءها باستعدائها.

المصدر : الجزيرة