ذكرى إعلان وثيقة 1988.. فلسطين ما زالت بلا دولة ولا استقلال!

ميرفت صادق رام الله صورة خاصة .. مساحة دولة فلسطين تراجعت من وثيقة الاستقلال إلى اتفاق أوسلو ثم المفاوضات مع إسرائيل لاحقا
مساحة دولة فلسطين تراجعت من وثيقة الاستقلال إلى اتفاق أوسلو ثم المفاوضات مع إسرائيل لاحقا (الجزيرة)

32 عاما مرّت على اعتلاء الزعيم الراحل ياسر عرفات منصة اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ19 بالجزائر، وإعلانه بحماسة "وثيقة استقلال دولة فلسطين". ورغم اعتراف العشرات من دول العالم بحق الفلسطينيين في هذا الاستقلال، فإن تطبيقه على الأرض ما زال حلما.

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، أعلن عرفات "قيام دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس"، وهو الإعلان الثاني من نوعه، فقد أعلنت حكومة "عموم فلسطين" الوثيقة الأولى للاستقلال في أكتوبر/تشرين الأول 1948، وتشكّلت على إثرها حكومة في غزة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي.

لكن الفلسطينيين يحيون سنويا ذكرى إعلان وثيقة 1988 التي كتب نصها شاعرهم الراحل محمود درويش، والتي استندت -كما جاء في إعلانها- إلى "الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في وطنه، وقرارات القمم العربية، وقوة الشرعية الدولية، وممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه".

وجاء في الوثيقة: رغم التزييف التاريخي بمحاولة تعميم مقولة "إن فلسطين أرض بلا شعب"، فإن المجتمع الدولي في ميثاق عصبة الأمم لعام 1919، وفي معاهدة لوزان لعام 1923، اعترف بأن الشعب الفلسطيني -شأنه شأن الشعوب العربية التي انسلخت عن الدولة العثمانية- هو شعب حر مستقل.

واستندت الوثيقة إلى الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في الأراضي المحتلة قبل عام من هذا الإعلان، وقالت إن الفلسطينيين بهذا "التراكم الثوري النضالي" يؤكدون على حقوقهم الثابتة وممارستها فوق أرضهم.

لكن الرسالة السياسية التي أرادتها القيادة الفلسطينية حينها تتلخص في توجهها نصا إلى "الأمم المتحدة لتتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني"، وإلى دول العالم "أن تعينها في تحقيق أهدافها بوضع حد لمأساة الفلسطينيين وتوفير الأمن لهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم".

يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث إن إعلان الاستقلال الذي "قامت به الثورة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية خارج الوطن، كان فحواه التأكيد على حق الفلسطينيين في الاستقلال الكامل على أرضهم، كي يقيموا دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وإعادة الحق للاجئين بالعودة إلى بلادهم".

وكان شعث حاضرا مع قيادات الفصائل الفلسطينية عند إعلانه وثيقة الاستقلال في الجزائر، وعمل حينها مستشارا للرئيس عرفات للشؤون الخارجية إلى جانب عضويته في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

وقال للجزيرة نت إنها كانت محطة فارقة في توجه الفلسطينيين إلى العالم ليقف بجانبهم، بعد أن أصبحوا يمتلكون شروط إقامة دولة فلسطين المستقلة بوجود شعب يناضل على أرضه.

ميرفت صادق فلسطين صورة خاصة .. نبيل شعث إعلان الاستقلال محطة فارقة في توجه الفلسطينيين للعالم
شعث: موازين القوى العالمية ليست في صالح الفلسطينيين (الجزيرة)

من الاستقلال إلى أوسلو

ورغم تحديد الوثيقة أراضي الدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم "181" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ونص على أن تكون 42% منها للفلسطينيين، فإن منظمة التحرير وقعت بعد 5 أعوام اتفاق أوسلو (1993) واعترفت بموجبه بإسرائيل، وطالبت بدولة على حدود الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.

هل كان هذا نكوصا عن وثيقة الاستقلال؟ قال شعث "لم يكن تراجعا، فاتفاق أوسلو كان يتضمن مرحلة انتقالية تنسحب فيها إسرائيل من أراضي الضفة وغزة لتنشأ السلطة الفلسطينية عليها، تليها مفاوضات الحل النهائي التي تحدد شكل دولة فلسطين وحدودها وعاصمتها وحقوقها، وهو ما لم يصل إليه الفلسطينيون حتى الآن".

بعد فشل خيار المفاوضات باعتراف المفاوضين أنفسهم، حاولت السلطة تبني الخيار الدبلوماسي كإستراتيجية في عملها السياسي، وفي عام 2012 نجحت في الحصول على اعتراف أممي بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وفي عام 2015 حصلت على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، ثم رُفع العلم الفلسطيني بين الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، إلا أن هذا كله لم يسمح بتكريس الاستقلال على الأرض أيضا.

يقول شعث إن موازين القوى العالمية ليست في صالح الفلسطينيين، فالعالم لم يستطع فرض اعترافه بدولة فلسطين واقعا على الأرض، إلى جانب دعم الولايات المتحدة السياسي والعسكري لإسرائيل وسيطرتها على النفط، الشريان الرئيس لاقتصاد المنطقة العربية وأنظمتها، مما عرقل تطبيق الحلم الفلسطيني.

ويضيف شعث أن "إسرائيل استفادت من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن عمليات التطبيع العربية في تعزيز هيمنتها على الأرض الفلسطينية، لكن هذا لم يغير الإقرار العالمي بحق الفلسطينيين في دولة على حدود 1967 وعاصمتها شرقي القدس، رغم أنه زاد من صعوبة تطبيق هذه الحقوق على الأرض".

ميرفت صادق فلسطين رام الله 1 تموز 2020.. رغم صمودهم على أرضهم إلا أن الفلسطينيين لم ينجحوا في تكريس الاستقلال وإقامة الدولة
رغم صمودهم على أرضهم فإن الفلسطينيين لم ينجحوا في تكريس الاستقلال وإقامة الدولة (الجزيرة)

أسباب ذاتية

وفي توصيفه لأسباب فشل الفلسطينيين في الوصول إلى الاستقلال حقيقة، يعيد الكاتب والأكاديمي الفلسطيني وسام رفيدي ذلك إلى عوامل ذاتية قديمة بعُمر وثيقة الاستقلال.

يقول رفيدي "رأت القيادات الوطنية أن الغاية من الوثيقة وضع الاستقلال كهدف للانتفاضة الشعبية، وليس استثمار الانتفاضة من أجل تسوية سياسية كما فعلت قيادة منظمة التحرير لاحقا".

ويرى أن التراجع عما جاءت به وثيقة الاستقلال بدأ منذ المشاركة الفلسطينية في مفاوضات مدريد للسلام (1991)، ثم اعتراف قيادة منظمة التحرير بإسرائيل ونبذ ما أسمته "العنف والإرهاب"، في إشارة إلى "الانتفاضة".

لذلك يقول رفيدي "ولد اتفاق أوسلو على جثة وثيقة الاستقلال"، وهو الذي انتهى بالفلسطينيين إلى حكم ذاتي محدود يدعو إلى دولة على 22% من أراضيهم، بعد أن طالبت وثيقة الاستقلال بضِعفي هذه المساحة بحسب "قرار التقسيم".

ويقول إن القيادة الفلسطينية فقدت السند الداخلي "بالتنازل عن الانتفاضة الشعبية مقابل التسوية السياسية، وهو ما أضعف التضامن الدولي وشجع أنظمة عربية على التطبيع العلني مع إسرائيل".

لا إرادة دولية

من ناحية أخرى، يضيف الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين، أن الدول التي اعترفت بحق الفلسطينيين لم تتوفر لديها الإرادة السياسية لاتخاذ خطوات، كفرض العقوبات على إسرائيل لتدفيعها ثمن احتلالها وجرائمها.

لكن أهم أسباب "إفشال الاستقلال" -كما يعتقد- أن العامل العربي لم يعد مفككا وضعيفا في موقفه من الحق الفلسطيني فحسب، بل أصبح في جزء منه متآمرا على الحقوق الفلسطينية باتفاقات التطبيع، إلى جانب أن الاحتلال الإسرائيلي ليس كأي استعمار في العالم، موجود على قاعدة إنهاء الآخر ويحظى بدعم عسكري وقوة اقتصادية، مقابل تسلح الفلسطينيين بحقهم دون أدوات فعالة لحمايته.

المصدر : الجزيرة