لماذا يرفض إسلاميو الجزائر الدستور المعدل وما تأثيرهم على الاستفتاء؟

النظام الجزائري نجح بمرور الوقت في إحتواء الحراك وتضييق مساحات التأثير أمامه بحسب مراقبين (الجزيرة)
الإسلاميون الذين يتمتعون بتأثير واسع في الشارع الجزائري يُجمِعون على رفض مشروع الدستور المعدل، فهل ينجحون في إسقاطه؟ (الجزيرة)

قبل 3 أسابيع من موعد الاستفتاء الشعبي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تُجمع أغلب الأحزاب الإسلامية الفاعلة في الجزائر على رفضها جملة وتفصيلاً لدستور الرئيس عبد المجيد تبون، لأسباب فكرية وسياسية.

وأعلنت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة الجزائرية، التصويت بـ"لا"، مبررة قرارها بـ"رفض محتوى الوثيقة الدستورية والتيار العلماني الذي يضغط لتمريرها بقوة"، ودعت الجزائريين، على لسان رئيسها عبد الرزاق مقري، إلى تحمل مسؤولياتهم والتوجه لصناديق الاقتراع لإسقاطها.

من جهتها، أكدت جبهة العدالة والتنمية التي يترأسها الشيخ عبد الله جاب الله، عن رفضها رفضا قاطعا لمشروع تعديل الدستور، وهاجم جاب الله مسوّدة الدستور، معتبرا أن "التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع".

كما قررت حركة النهضة هي الأخرى التصويت ضد المشروع، عقب اجتماع مجلسها الشوريّ نهاية الأسبوع في دورة استثنائية، معتبرة إياه تكريسا لخيار الأقلية، والتمييز بين الجزائريين والنظام الرئاسي بصلاحيات واسعة في غياب أي آلية قانونية للمساءلة، بينما تتبنّى الأحزاب الإسلامية النظام البرلماني.

عبد الرزاق مقري يدعو الجزائريين إلى تحمل مسؤولياتهم في إسقاط الدستور عبر صناديق الاقتراع (الجزيرة)
عبد الرزاق مقري يدعو الجزائريين إلى تحمل مسؤولياتهم في إسقاط الدستور المعدل عبر صناديق الاقتراع (الجزيرة)

غياب التوافق
أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي الهيئة المرجعية الرمزية في الجزائر لمكانتها التاريخية منذ عهد الإمام عبد الحميد بن باديس، فقد قالت إنها "فُوجئت كما فوجئ كل الطيبين بنسخة الدستور المعدل في صيغته النهائية، فلم تجد أثرا لأي مقترح من مقترحاتها كجمعية للعلماء". وانتقد رئيسها الدكتور عبد الرزاق قسوم الوثيقة في مقال له بعنوان "كشـــف الـمستـــور عن خفـــايا الدستـــور"، قبل دعوتها رسميّا إلى "تعديل المواد الملغمة من قبل لجنة جديدة وتأجيل الاستفتاء".

وبحسب بياناتها الرسمية، فإنّ المكونات الإسلامية تتحفظ على "المساس بالعقيدة من باب الحريات الدينية"، كما تتوجّس من "تحييد المدرسة كمدخل للعلمانية"، وتعترض على "الصلاحيات المطلقة للمحكمة الدستورية مقابل التراجع الكبير في صلاحيات السلطة المستقلة للانتخابات".

وبالمحصلة، فهي تعتبر الوثيقة غير توافقية ولا ترتقي لسقف المطالب التي رفعها الحراك في هبته الشعبية السلمية والحضارية، بل هي في تقديرها محاولة لتغييب الأحزاب لصالح مؤسسات المجتمع المدني الأخرى بغية خلق بيئة سياسية جديدة.

تجدر الإشارة إلى أنّ فضاءات الحراك الشبابية المحسوبة على التيار الإسلامي فكريا، على غرار حركة "عزم"، و"المسار"، و"التيار الأصيل"، قد أعلنت في وقت مبكر رفضها القاطع لمشروع الدستور.

عبد الرزاق قسوم جمعية العلماء فوجئت بعدم الأخذ بكافة مقترحاتها في الصيغة النهائية لمشروع الدستور (الجزيرة)
عبد الرزاق قسوم: جمعية العلماء فوجئت بعدم الأخذ بكافة مقترحاتها في الصيغة النهائية لمشروع الدستور (الجزيرة)

ردّ فعل طبيعي
في قراءته لموقف الإسلاميين ومدى تأثيرهم على توجهات الرأي العام، يقول بوبكر جيملي -أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة- إنّ إجماعهم على التصويت بورقة "لا" لم يكن نتيجة "تكتل" ترتب عن تنسيق وتشاور، ولكنه جاء كرد فعل على تركيبة لجنة تعديل الدستور وعلى مخرجاتها.

ويوضح للجزيرة نت أنهم احتجوا منذ البداية على عدم توازن تركيبة اللجنة، وعدم تمثيل الاتجاه الإسلامي واستبعاده من عضويتها، في الوقت الذي شهدت سيطرة للاتجاه العلماني، فوردت مخرجاتها لتعكس تركيبتها، وجاءت التعديلات مطابقة لما تنص عليه برامج الأحزاب التغريبية، في اتجاه تشديد الرقابة على المسجد وعلى المدرسة، بدلا من تبني مطالب الحراك.

ويؤكد جيملي أن اصطفاف الإسلاميين سيكون له تأثير سلبي على نتائج التصويت، ويزداد قوة إذا نشّطت هذه الأحزاب حملة مضادة، من خلال برنامج ميداني مشترك.

ويعتقد المتحدث أنّ التيار الإسلامي متجذر في المجتمع الجزائري، وبرغم تراجع فعاليته نتيجة الانقسامات، فإنّ توحيد الموقف من الدستور سيعيد له المصداقية، بما يمكّنه من صناعة رأي عام واسع رافض للتعديلات.

لكن النظام السياسي لن يقف مكتوف الأيدي، يضيف جيملي، بل سيعمل على تقسيم صف الإسلاميين، لعلمه أنّ الدستور باعتباره عقدا اجتماعيا يجب أن تجد جميع التيارات نفسها فيه، ولذلك سيجتهد في استكمال مشهد المساندين، ولو بتمثيل إسلامي رمزي لسد الفجوة. وكل ذلك سيمس بقيمة التعديلات حتى لو نجحت في اجتياز اختبار الاستفتاء بالنزاهة أو بالغش، وفق تعبيره.

ويشدّد جيملي على أن "خطأ السلطة هو في هروبها للأمام وسدّ آذانها بعدم الاستماع للأصوات العاقلة، وأكثر من ذلك تعويلها على الانتهازيين والوصوليين".

عبد الله جاب الله التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع (الجزيرة)
عبد الله جاب الله: التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع (الجزيرة)

مناورة مُغامِرة
من جهة أخرى، يقول إسماعيل دبّش، المستشار السابق برئاسة الجمهورية، "لا أتصور أن موقف الإسلاميين يتماشى مع حقيقة البعد الإسلامي وإرادة المجتمع الجزائري المكرسة في محتوى الدستور، سواء باعتباره دينا للدولة أو من خلال بيان نوفمبر والنسق العام للأمة".

ويعتقد دبّش أنّ خيار الأحزاب الإسلامية بشأن الدستور هو عمل سياسي أكثر مما هو موقف قيمي مبدئي، فهي "تريد تحقيق مكاسب باسم المعارضة".

ويوضح للجزيرة نت أنّ هذه الأحزاب تعيش تدافع أجنحة بين خياري المقاطعة الكاملة للاستحقاق أو التصويت ضد الدستور، والفريق الثاني يرغب في إبراز قدرته على التأثير الشعبي وتجاوز الشعور بالضعف لتحقيق مكاسب سياسية، لكنها مغامرة كبيرة سيدفعون ثمنها انتخابيا، وفق قوله.

ويبدي دبّش -أستاذ العلوم السياسية حاليا بجامعة الجزائر- ثقته الكاملة في تصويت الأغلبية الساحقة لصالح الدستور، لأنّ "الشعب الجزائري الآن يفكر في ضوء الواقع، مثلما عشناه في الحراك، حيث ذابت الفواصل الأيديولوجية، وثبت أنّ كل الجزائريين مسلمون بغض النظر عن ارتباطاتهم الحزبية من عدمها".

ويضيف المتحدث أن الكثير من المناضلين الواعين بالتشكيلات الإسلامية سيصوتون لصالح الدستور، لأنها -بتقديره- تعاني فجوة فكرية مع قواعدها، وهو ما عكسته الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث ظهر غياب الانسجام والعجز عن تطبيق الخيارات التي جنحوا إليها.

ويذهب دبّش إلى أنّ الأحزاب الإسلامية في عمومها لم يعد لها توافق مع الطرح الوطني البنّاء، ونتيجة الضعف التنظيمي والقيادي والاجتماعي لم تعد تملك أوراقا أخرى للمناورة والتعبئة في الشارع غير مخالفة السلطة.

وعليه، يرى أنّ محطة الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني ستكشف الوزن الحقيقي لهؤلاء الرافضين من التيار الإسلامي وسط الجزائريين، ويتوجب عليهم بعدها مراجعة رهاناتهم وتركيبتهم وخطابهم وحساباتهم الخاطئة، على حدّ تعبيره.

المصدر : الجزيرة