هل التطبيع سيقنع الكونغرس بمحوه من القائمة السوداء؟.. اقتصاد السودان في خضم "قبلة حياة" بعد تغريدة ترامب

طوابير على الخبز والوقود بالسودان ومساع حكومية لحلها
الشارع السوداني المثقل بالأزمات ينتظر تحسن وضعه المعيشي بعد استكمال رفع السودان من قائمة الإرهاب (الجزيرة)

منحت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومة الانتقالية السودانية المحاطة بجملة من الأزمات "قبلة حياة"، لأن إزالة السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب ربما تنقذ اقتصاده من الانهيار حال الإيفاء بمطالب الانفتاح على العالم.

وعبّر مسؤول دبلوماسي سابق عن هذه الحالة بقوله "إن الاقتراب من المرمى لا يعني إحراز هدف، وعلى السودان الآن أن يحرز هذا الهدف".

وقال ترامب أمس الاثنين، إنه يعتزم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حال أودعت الحكومة الانتقالية في السودان مبلغ 335 مليون دولار تعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين وعائلاتهم.

ويقول مكي المغربي المسؤول الإعلامي السابق في السفارة السودانية بواشنطن، إن وعد ترامب خطوة للأمام ولكنها ليست نهاية الطريق، ويجب المسارعة إلى إعلان انتصار حتى لا يحدث إحباط كما حدث عندما رفع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما العقوبات عام 2017.

تصنيف المؤسسات
وحسب المغربي للجزيرة نت، فإن الخطوة تحدث بداية انفراج في تعامل السودان مع المؤسسات المالية، ويمكن تصنيف ذلك وفق 3 مستويات.

الأول، ويتمثل في المؤسسات التي تريد أصلا التعامل مع السودان، وكانت متضررة من معاقبته وستسارع إلى التعاون. وتتمثل في الوكالات التي تجري تحويلات مالية شخصية سقفها لا يتجاوز 10 ألاف دولار، وتستفيد من نسب مقابل التحويلات.

والثاني، حسب المغربي هو مؤسسات التحويلات التجارية التي تقدم خدمات للشركات، وهي لن تقدم الآن على التعامل مع السودان لكنها ستدخل طور التسخين، وتنتظر تعامل بنك أميركي يعلن نشوء علاقة بنكية بين الخرطوم وواشنطن، مما يثبت جدية أميركا وضمان تجنب أي عقوبات على هذه المؤسسات.

أما التصنيف الثالث فيتمثل في المؤسسات المالية الدولية، ويؤكد المغربي أن رحلتها أطول، لأنها تنتظر إنهاء عملية رفع العقوبات كلها بإلغاء قانون العقوبات في الكونغرس.

وبالنظر لقلة السوابق في خروج دول من قائمة الإرهاب يضيف المغربي، "أن ما جرى حتى الآن يشبه قطع الرأس، ولا بد من قطع القدمين أيضا لأنهما يمكن أن تتحركا".

بيد أن المغربي يرى أن هناك طريقا مختصرا فيما يلي المؤسسات الدولية عبر اختصار الطريق بعلاقات ثنائية مع أميركا، وهنا تبرز إمكانية اتخاذ خطوات سلام في الشرق الأوسط شبيهة بما حدث مع دول المنطقة.

حمدوك (يمين) لدى استقباله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الخرطوم 25 أغسطس/آب الماضي (الفرنسية)

نقطة تحول
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن السودان لم يستفد من قرار أوباما برفع العقوبات جزئيا في يناير/كانون الثاني 2017، أوكليا في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.

ويقول الناير للجزيرة نت، إن بقاء السودان في القائمة منع المصارف والشركات الغربية من التعامل معه، لكن خطوة ترامب الآن نقطة تحول كبيرة للاقتصاد السوداني.

كما يذكر أن البنوك السودانية ظلّت تتعامل مع مراسل واحد فقط من جملة مئات المنافذ، ويؤكد الناير أن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ستسهل تحويلات حصائل الصادرات وأموال الاستيراد فضلا عن أموال المغتربين والمرضى والطلاب.

وتتيح الخطوة وفقا للناير الاستفادة من مبادرة "الهيبك" الخاصة بالإعفاء من الديون، فقد بلغ الدين الخارجي للسودان 60 مليار دولار، وأصل الدين 17 مليارا، وكل ما تبقى هو جزاءات تأخير وفوائد، والآن يمكن إبراء السودان من ديونه جزئيا أو كليا.

وفضلا عن ذلك، ينوّه الخبير الاقتصادي إلى أنه يمكن للخرطوم الحصول على تمويل بشروط ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية.

في المقابل، ينصح الحكومة أن تكون مستعدة بتهيئة المصارف لأن ثمة بطئا في إعادة هيكلتها، ورفع رؤوس أموالها الضعيفة عندما تقوم بالدولار، أو دمج البنوك لتشكيل كيانات اقتصادية تستطيع التعامل مع بنوك العالم بمستوى ائتماني جيد.

ويحذّر الحكومة من مغبة إفساد فرحة السودانيين حال اتخاذها قرارا بتحرير الوقود وسعر الصرف، لأنها ستضع المواطن حينئذ تحت ضغوط هائلة.

عودة للعالم
ويرى بابكر فيصل رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي الباحث المختص بشؤون حل النزاعات، أن إزالة السودان من قائمة الإرهاب تمهد لعودته سياسيا واقتصاديا إلى المجتمع الدولي.

وعلى الرغم مما توفره الخطوة للسودان من اندماج في التجارة الدولية، وإعفاء من الديون، وإتاحة التعامل مع المصارف الخارجية ومع الاستثمارات الدولية المباشرة، فإن فيصل يرى ضرورة إنجاز عمل مؤسسي كبير للاستفادة من القرار سياسيا واقتصاديا.

وينبه إلى أن السودان ورث مؤسسات خرِبة وخدمة مدنية منهارة وهجرة للكفاءات، لكن هذا لم يمنع بدء خطوات التفاوض مع البنك الدولي.

ويفيد أن الاستثمار يحتاج لتهيئة البيئة الداخلية عبر سن التشريعات المحفزة، وتوحيد سعر الصرف فضلا عن إكمال عملية السلام.

وسياسيا يقول فيصل للجزيرة نت، إن السودان ارتبط نحو 27 سنة بدعم الإرهاب، مما حرمه المشاركات الدولية وهو ما انعكس سلبا على حركة وتنقل وسفر السودانيين للعلم والعمل.

المحلل الاقتصادي محمد الناير.... الجزيرة نت
محمد الناير: رفع السودان من قائمة الإرهاب يمنحه الاستفادة من المبادرة الخاصة بالإعفاء من الديون (الجزيرة نت)

فخ الكونغرس
وفي الوقت الذي أشاد فيه مكي المغربي بأداء الحكومة في العلاقات الدولية، وإمكانية الاستفادة من الخروج من القائمة السوداء سياسا واقتصاديا، عاد يحذر من بعض الفخاخ.

ويؤكد أن هناك عددا من المحاذير منها قانون أصدره الكونغرس في مارس/آذار الفائت خاص بدعم الحكم المدني في السودان.

ووفقا للمغربي، فإن القانون ينص على أن مدة الفترة الانتقالية بالسودان 3 سنوات، ويحوي فصلا بشأن قانون العقوبات رقم 12، كما ينص على تمديد الفترة الانتقالية 4 سنوات. ووفقا لاتفاق جوبا مع الحركات المسلحة الموقع هذا الشهر يصبح التمديد لا محل له من الإعراب في هذا القانون.

كما يحذر المغربي من أن مفاوضات جوبا لم تنجز عبر وسيط أميركي ولا مؤسسة دولية، وعليه يصبح السودان أمام خيارين إما أن يقطع مع أميركا شوطا أطول بتعديل هذا القانون، أو يجري الانتخابات في موعدها.

عقود الحرمان
وحرمت العقوبات الأميركية السودان نحو 3 عقود من التكنولوجيا، وقطع الغيار اللازمة لتطوير وتأهيل الخطوط الجوية والبحرية، وقطاع السكك الحديدية، كما أفاد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في خطابه عقب تغريدة ترامب.

وطبقا لمسؤول في الغرف الصناعية تحدّث للجزيرة نت، فإن العقوبات الأميركية تضع أكثر من 100 شركة سودانية في القائمة السوداء.

ويقول إن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة سينعش القطاع الصناعي، خاصة الصناعات الغذائية والكيميائية والدوائية والطباعة والاتصالات والنسيج الذي يملك طاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف طن، والغزل (59 ألف طن)، والجلود (15 مليون قطعة من جلود الضأن والماعز و3 ملايين قطعة من جلود البقر).

وأدرجت واشنطن السودان منذ العام 1993 ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب كما أخضعته لعقوبات اقتصادية شاملة منذ عام 1997.

المصدر : الجزيرة