في ظلّ الجدل المتصاعد حوله.. الجزيرة نت تحاور ساعي بريد أميركيا بشأن التصويت البريدي وانتقاداته وإمكانية تزويره

جاري هاريسون ساعي بريد يعمل بلا توقف منذ 32 عاما
غاري هاريسون ساعي بريد يعمل منذ 32 عاما (الجزيرة)

تشكّل قضية التصويت عبر البريد في الانتخابات الرئاسية القادمة واحدة من أكثر القضايا جدلا في الولايات المتحدة، وقد أصبحت هيئة البريد الأميركية ودورها السياسي محور نقاشات ترتبط بجوهر الانتخابات التي يراها العديد من الخبراء الأكثر أهمية وإثارة في التاريخ الحديث.

يقصد بالتصويت البريدي أن يتاح للناخب التصويت دون أن يغادر منزله، بإرسال بطاقة الاقتراع للجنة المشرفة على الانتخابات في ولايته عن طريق خدمة البريد الفدرالية، وذلك بسبب مخاوف من انتشار عدوى فيروس كورونا عند التصويت الشخصي.

لكن فكرة التصويت بالبريد تقابَل برفض من الرئيس دونالد ترامب، والتحذير من نتائج كارثية حال تطبيقها على نطاق واسع.

واعتبر وزير العدل الأميركي وليام بار أن التصويت بالبريد يفتح المجال أمام التزوير وإجبار الناخبين على الاقتراع، واعتبره أمرا خطيرا ولعبا بالنار.

صتاديق البريد تنتشر في مختلف المناطق والشوارع الرئيسية في الولايات المتحدة
صناديق البريد تنتشر في مختلف المناطق والشوارع الرئيسية في الولايات المتحدة (الجزيرة)

وعدّلت 46 ولاية من ولايات أميركا الـ50 قواعد التصويت، وغيّرت الكثير من القواعد واللوائح الداخلية لتسمح بتصويت أكبر عدد ممكن من الناخبين عن طريق البريد.

ويقدّر خبراء الانتخابات أن يصوّت 70% من الأميركيين عن طريق البريد، ويمثل ذلك قفزة كبيرة من نسبة 40% التي شهدتها انتخابات 2016، والتي تساوي حوالي 57.2 مليون ناخب.

وحققت هيئة البريد العام الماضي عوائد مقدراها 71 مليار دولار، في مقابل مصروفات بلغت 80 مليار دولار، أي أن هناك عجزا بلغ 9 مليارات دولار.

وفي ضوء التوقعات بارتفاع نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات، وتوقع تصويت عشرات الملايين عن طريق البريد، تحدثت الجزيرة نت إلى غاري هاريس ساعي البريد في شمال غرب العاصمة الأميركية (64 عاما) عن التصويت بالبريد، وتحديات التعامل مع الكميات الكبيرة المتوقعة من بطاقات الاقتراع.

وهذا نص الحوار:

  • هل هيئة البريد الأميركية مستعدة للتعامل مع بطاقات اقتراع ملايين الناخبين؟

الإجابة باختصار هي "نعم"، نعم تستطيع الهيئة التعامل مع التصويت عبر البريد. لقد قمنا بذلك في جميع الانتخابات السابقة، سواء الرئاسية منها أو انتخابات الكونغرس.

الأعداد بالطبع كانت أقل مما هي عليه الآن وما نتوقعه بسبب تبعات فيروس كورونا، لكننا تعاملنا مع ملايين بطاقات الاقتراع في انتخابات عام 2016، ويمكن بلا شك التعامل مع ملايين إضافية في هذه الانتخابات.

نحن نعرف جيدا التصويت الغيابي، حيث يسمح فيه للناخبين الذين لا تتيح لهم ظروفهم الحضور والتصويت في مقر الدائرة الانتخابية التابعين لها، أن يصوتوا عن طريق البريد، وينطبق هذا الأسلوب على العسكريين والدبلوماسيين ورجال الأعمال والطلاب، ممن يوجدون خارج الولايات المتحدة أو خارج ولاياتهم في وقت الانتخابات.

وخطابات بطاقة الاقتراع البريدي مميزة جدا، لذا يسهل تجميعها بسهولة وإدخالها آلة المسح الضوئية تمهيدا لإرسالها إلى سلطات الولاية المسؤولة عن عمليات عد الأصوات وحسابها.

  • هل لديكم ما يكفي من العاملين والأدوات والأجهزة اللازمة للتعامل مع الأعداد الكبيرة من الناخبين المتوقع تصويتهم بالبريد؟

يتوقف الأمر على كل ولاية على حدة، لدينا ما يكفي هنا في واشنطن للتعامل مع مئات الآلاف من بطاقات الاقتراع، لكن لكل ولاية نظما مختلفة لإجراء التصويت بالبريد، وتختلف الولايات في توقيت إرسال بطاقات الاقتراع للناخبين، وتختلف كذلك في تحديد تاريخ محدد لإرجاعها، وبعضها يخصص أماكن معينة لإرجاع البطاقات، وبعضها يحدد موعدا آخرا لبدء فرزها وعدّها. وتختلف الولايات كذلك فيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن نتائج التصويت النهائية، نحن أمام نظام معقد ومتشابك وغير مركزي.

دور هيئة البريد الأميركية يقتصر على إرسال واستلام بطاقات الاقتراع، وفرزها كي يتم عدها وحسابها من قبل مسؤولي كل مقاطعة وكل ولاية على حدة. نحن لا نقوم بالعد، وهذا العمل يرجع في مسؤولياته إلى وزير خارجية كل ولاية.

  • البعض يرى أن الانتخابات التمهيدية خلال الأشهر الماضية أفضت إلى كوارث تصويتية في بعض المناطق، ومنها مدينة نيويورك، فما تعليقك؟

التأخير جاء لارتفاع نسب المصوتين بالبريد وعدم استعداد المكاتب المحلية للتعامل مع الوضع الطارئ وزيادة ضغط العمل.

وخلال فصل الصيف، يأخذ الكثير من العمال الحكوميين عطلتهم السنوية، حيث يكون عادة من أقل شهور السنة من حيث توزيع البريد، لكن الانتخابات التمهيدية جاءت في الصيف وفي ظل جائحة، وضاعف ذلك من الوقت المطلوب لاستكمال عد وفرز كل الأصوات

  • وما رأيك في انتقادات الرئيس ترامب المتكررة لأداء هيئة البريد وخسائرها المالية السنوية؟

نحن لسنا شركة استثمارية تهدف للربح، نحن نقدم خدمة قومية بدأت حتى يستطيع الجنود في ميادين القتال التواصل مع عائلاتهم. نحن لا نحقق أرباحا لأن الكونغرس قرر أن نموّل صندوق التقاعد من أرباح الهيئة وليس من الميزانية الفدرالية، كما هو الحال مع بقية الجهات الحكومية. لقد سقط المئات من سعاة البريد موتى بسبب الإصابة بكوفيد-19 أثناء العمل، وأصيب آلاف آخرون.

ومؤخرا دعمنا الكونغرس، وتمت الموافقة على منح الهيئة معونة فدرالية مقدراها 25 مليار دولار، للاستعداد للانتخابات الرئاسية.

كما أصدرت عدة محاكم فدرالية أحكاما تحظر القيام بأي تعديلات في طريقة عمل هيئة البريد، إلا بعد انقضاء الانتخابات الرئاسية، وذلك على عكس رغبة المسؤول الجديد عن هيئة البريد الأميركية لويس ديجوي الذي عينه ترامب في نهاية الصيف الماضي.

  • متى تتوقع إعلان النتائج النهائية للانتخابات بعد فرز وعدّ كل بطاقات الاقتراع؟

في ضوء ما لمسته خلال الأيام الماضية، وفي ضوء الحديث مع العديد من الزملاء العاملين في هيئة البريد في ولايات مختلفة، أتوقع أن نعرف النتيجة النهائية قبل نهاية العام.

لا يمكن بأي حال من الأحوال إنهاء عدّ الأصوات ليلة الانتخابات أو في اليوم التالي، هذا مستحيل مع كل هذه الملايين من الناخبين الجدد الذين يستخدمون التصويت بالبريد للمرة الأولى في حياتهم بسبب فيروس كورونا.

وأقول إن إعلان النتائج النهائية سيتأخر لأسابيع، بسبب اتباع الولايات أنماطا مختلفة للتعامل مع بطاقات الاقتراع البريدية. هناك 8 ولايات تنتظر حتى يوم الانتخابات (3 نوفمبر/تشرين الثاني) لبدء عدّ بطاقات الاقتراع التي تصل بالبريد في الأيام والأسابيع السابقة ليوم الاقتراع.

وهناك ولايات تسمح بالعد المبكر دون أن تعلن عن الأرقام إلا بعد استكمال غلق صناديق الاقتراع، وهناك ولايات ستبدأ العد وفرز الأصوات فقط عقب انتهاء الاقتراع الشخصي يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، ومعنى ذلك أن بعض الولايات سنعرف نتائجها ليلة الانتخابات، وبعضها سيتأخر قليلا وبعضها سيتأخر كثيرا.

  • هل هناك مخاوف من حدوث عمليات تزوير في بطاقات الاقتراع البريدية؟

البعض يكرر ذلك القول، لكن أؤكد لك أن هذا شبه مستحيل أن يحدث من قبل أفراد خدمة البريد، نحن نعمل معا في مجموعات عمل ومن الصعب أن يعبث أحد ببطاقات اقتراع أمام الآخرين.

نعم هناك مخاوف من حدوث تزوير، لكن ذلك لن يكون من طرف هيئة البريد، نحن وسيط فقط نتلقى البطاقات ونوصلها للولايات. إذا حدثت مخالفات فستكون قليلة جدا هنا وهناك، لكن لن تؤثر على النتائج النهائية، وبصفة عامة الانتخابات آمنة جدا.

جاري هاريسون يعمل ساعي بريد منذ 32 عاما
هاريسون: هناك مخاوف من حدوث تزوير لكن ذلك لن يكون من طرف هيئة البريد (الجزيرة نت)
  • ما تقييمك للمدير الجديد لهيئة البريد الأميركية لويس ديجوي؟

هذه الرجل ليست له أي دراية أو خبرة بعمل هيئة البريد أو أهدافها. نحن جهة خدمية حكومية، ولسنا شركة خاصة تستهدف الربح. نحن نوفر خدمة للمواطن الأميركي بتكلفة أقل من مثيلتها في الشركات الخاصة التي أصبحت منافسا كبيرا لنا في ضوء الزيادة الكبيرة في حجم التسوق الإلكتروني في جميع المنتجات، خاصة منذ الغلق الواسع بسبب جائحة كورونا.

أتصور كذلك أن ترامب جاء به لمنصب الأعلى في هيئة البريد الأميركية كي ينفذ أجندته ويعرقل قدر المستطاع التصويت بالبريد.

  • ما الإصلاحات التي تحدث عنها ديجوي ودعمها الرئيس ترامب؟

يحاول ديجوي فرض تغييرات جديدة لخفض التكاليف، وعدم تعيين عمال جدد، ووقف ساعات العمل الإضافية، وكل ذلك بهدف خفض الانفاق، لكنه كذلك يسعى لتقليص أسطول نقل البريد، وهو ما يؤدي إلى تأخير تسليم البريد، ويؤيد ترامب ذلك من منطلق حسابات الربح والخسارة المادية، ولا يهتمان كلاهما بالخدمة ذاتها أو مصير مئات الآلاف من العاملين بها.

  • كأميركي من أصول أفريقية، كيف تقيم الرئيس ترامب؟

للأسف كشخص عاش نصف حياته في ولاية جنوبية وعانى من التمييز العنصري بصورة مباشرة وقانونية أثناء دراستي الابتدائية والإعدادية، أستطيع التأكيد أننا أمام رئيس لم تشهد البلاد له مثيلا من حيث دعمه للعنصريين من أنصار سمو العرق الأبيض.

ترامب يستفيد من تأجيج الصراعات العرقية ويستفيد من وصفه أنه داعم للشرطة والقانون، من منا لا يدعم الشرطة والقانون، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب تأييد منع الانتهاكات المتكررة التي يعاني منها الكثير من الرجال السود.

على مدار التاريخ الأميركي هناك انقسامات كبيرة بين الأميركيين، لكن للمرة الأولى نجد رئيسا يؤجج هذه الانقسامات ويعمل كل ما في وسعه لزيادتها خدمة لأهدافه الشخصية.

المصدر : الجزيرة