انتقاد أمام الكاميرات ورسائل خفية.. حرب باردة بين الرئيس التونسي ورئيس وزرائه

خلاف على الصلاحيات بين الرئيس التونسي قيس سعيد (يمين) ورئيس الحكومة هشام المشيشي (الجزيرة)

تسير العلاقة بشكل صدامي بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي الذي عينه في هذا المنصب بنفسه، فكل منهما يوجه للآخر رسائل عدائية، بما يفتح بينهما باب الصراع حول النفوذ.

ويعد لقاء سعيد والمشيشي بقصر قرطاج الأسبوع الماضي نقطة تحول في علاقتهما، عقب توبيخ سعيد له علانية أمام الكاميرا بسبب سعي المشيشي لتعيين مستشارين تقلدوا مناصب إبان حكم بن علي.

في ذلك المشهد بدا المشيشي خجولا ومذهولا تحت وطأة النقد اللاذع الذي وجهه قيس سعيد اعتراضا منه على توظيف محافظ البنك المركزي الأسبق توفيق بكار، ومنجي صفرة المستشار الاقتصادي السابق للرئيس بن علي.

هجوم معاكس

وعبّر العديد من المراقبين عن استيائهم من الطريقة المعتمدة من الرئيس التونسي في التعامل مع المشيشي، معتبرين أن عتابه له على الملأ يحط من مكانته الاعتبارية كرئيس للحكومة يتمتع بصلاحية التعيين والإقالة.

ويبدو أيضا أن تدخل الرئيس التونسي في مجال صلاحيات رئيس الحكومة أزعج الأخير بعد سلسلة من لقاءات جمعته بوزراء حكومته من دون علم مسبق منه، مما دفع المشيشي إلى عكس الهجوم ورد الصاع صاعين.

وكان قيس سعيد التقى مؤخرا عددا من الوزراء، مثل وزراء العدل والخارجية والداخلية وأملاك الدولة لتوجيههم وفق تصوراته من دون التنسيق مع رئيس الحكومة، مما دفع الأخير إلى تحذير وزرائه.

ومن دون تردد، وجه أمس رئيس الحكومة هشام المشيشي رسالة ظاهرها تحذير وباطنها تهديد لوزرائه دعاهم فيها إلى التنسيق المسبق معه قبل زيارة رئيس الجمهورية، وكتابة تقارير عن مضمون لقاءاتهم معه.

صراع متنام

ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن جانب من الحرب الباردة بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة مرده إحساس قيس سعيد بأن رئيس الحكومة الذي اختاره بنفسه قد انقلب عليه.

والمشيشي لم يكن معروفا لدى الرأي العام إلا حينما اختاره الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي رئيسا للحكومة، بعدما كان وزيرا للداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة بعد شبهات فساد.

ويرى الجورشي أن هذا الصراع سيؤثر بشكل كارثي على السير الطبيعي لأجهزة السلطة التنفيذية، محذرا من وصول منسوب الصراع إلى مستوى لجوء كل طرف لاستعمال ما يملك من صلاحيات ضد الآخر.

ولا يستبعد البعض توجه الرئيس التونسي لترؤس المجالس الوزارية التي يشرف عليها عادة رئيس الحكومة، في حين يرجح آخرون أن يعكس رئيس الحكومة الهجوم، ويقيل وزراء محسوبين على سعيد.

ويقدر الجورشي أن رئيس الحكومة قد يضطر لإقالة وزراء في حكومته من الشخصيات المقربة للرئيس التونسي في حال لم يتقيدوا بتعليماته بالتشاور المسبق معه قبل زياراتهم للرئيس التونسي وإعلامه بكل شيء.

وعندئذ سيتأثر الوضع العام المتردي أصلا في البلاد بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع النمو بسبب أزمة فيروس كورونا الصحية، مما يدخل البلاد في صراع على السلطة، عواقبه ستكون وخيمة، وفق قوله.

صلاحيات دستورية

ويرجع الإعلامي والمحلل السياسي زياد الهاني أسباب نشأة هذا الصراع إلى تمسك رئيس الحكومة هشام المشيشي بصلاحياته الدستورية كاملة، ورفضه الخضوع لإرادة الرئيس.

ويقول للجزيرة نت إن الرئيس التونسي كان منذ البدء يرغب في أن يلعب المشيشي دور الوزير الأول، ويكون تابعا له وغير مستقل بسلطاته، مرجحا أن يحتدم الصراع بينهما إذا لم يلتزم الرئيس بحدود سلطته.

ويضيف أن أي تأثير لهذا الصراع على الوضع العام مرتبط بطبيعة تفاعل الرئيس التونسي مع هذا المخاض؛ فإذا لم يفسح المجال لرئيس الحكومة كي يمارس سلطته الدستورية فعندها ستكون النتيجة كارثية.

ويتيح النظام البرلماني التونسي لرئيس الحكومة صلاحيات تنفيذية أوسع من صلاحيات رئيس الدولة، الذي يشرف على السياسة الخارجية وقيادة القوات المسلحة والأمن القومي وإعلان الحرب والسلم.

ولرئيس الدولة الحق في تقديم مبادرات تشريعية للبرلمان، وهو ما يعمل عليه الرئيس قيس سعيد، إضافة إلى ختم القوانين وإمكانية رد مشاريع قوانين للبرلمان للتصديق عليها بأغلبية معززة.

ويرى مراقبون أن رئيس الحكومة هشام المشيشي قد حسم أمره باللجوء إلى كتلة برلمانية عمادها حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة من أجل تشكيل حزام سياسي قوي له بالبرلمان لبسط نفوذه.

وأمس الأربعاء، التقى المشيشي بقصر الحكومة في القصبة كلا من رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري ورئيس كتلة حزب قلب تونس أسامة الخليفي ورئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف.

وفي حين لفت بيان رئاسة الحكومة إلى أن هذا اللقاء يأتي في إطار تعزيز التشاور مع الأحزاب والكتل، يرى مراقبون أنه يندرج ضمن مشاورات إعادة تشكيل المشهد السياسي استعدادا لكبح جماح الرئيس.

المصدر : الجزيرة