جزائر ما بعد الرئاسيات.. ماذا ترى المعارضة؟

A man and a woman stand on a balcony with Algerian flags during an anti-government rally in Algiers, Algeria January 3, 2020. REUTERS/Ramzi Boudina
مظاهرة للحراك الشعبي قبل أيام (رويترز)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

يبدو أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون انطلق بسرعة في تنفيذ أجندته الانتخابية بمُباشرة "إصلاحات سياسية ودستورية وقانونية واسعة، بما يستجيب لمطالب الحراك الشعبي" حسب تعبيره.

وبعد نحو 18 يوما من أدائه اليمين الدستورية، بادر بتعيين وزير أول وحكومة جديدة وعدد من المسؤولين في مواقع مختلفة.

كما عيّن الأربعاء الماضي أحمد لعرابة لرئاسة لجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات لمراجعة الدستور في غضون ستين يوما، قبل فتح مشاورات واسعة مع الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني.

وقبلها أفرجت المحاكم عن 76 موقوفا من معتقلي الحراك دفعة واحدة، غير أنّ اللافت حتى الآن هو عدم إشارة الرئيس إلى مصير الحوار الذي تعهد به يوم إعلان النتائج الرئاسية بالقول "إنه يمدّ يده للحراك من أجل الجزائر".

ويعتقد مراقبون أنّ تبّون قد يفرض الأمر الواقع بترجمة الحوار المقصود عبر دعوة أطياف الحراك للمشاركة في الورشات المفتوحة للنقاش المجتمعي، وفي مقدمتها ورقة الدستور.

واستطلعت الجزيرة نت قراءة فاعلين في "منتدى الحوار الوطني" بصفته أكبر تجمع للمعارضة، بشأن تطورات المشهد بعد الاستحقاق الرئاسي.

وسألت عن رؤيتهم للحوار "المسكوت عنه" وشروط نجاحه والمطالب الأساسية لأي إصلاح ناجع.

مقري: النظام الآن أمام أربعة تحديات كبرى (الجزيرة)
مقري: النظام الآن أمام أربعة تحديات كبرى (الجزيرة)

انقلاب الموازين
وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم "موازين القوة التي صنعها الحراك حققت إيجابيات كبيرة، لكن مسيرة الانتقال السياسي المؤسس للحكم الراشد لم تكتمل" موضحا أنّ "النظام السياسي قلب موازين القوة لصالحه من جديد، وتحكّم في اللعبة إلى حد كبير".

واعتبر أن النظام الآن أمام أربعة تحديات كبرى، أولها التحكم في اللعبة السياسية مطلقا، من خلال الاستيعاب الكلي للحراك ثم إنهائه، وحسم الصراع ضد خصومه داخل الدولة وفي المجتمع.

وتناول -في حديثه للجزيرة نت- معالجة الأزمة الليبية التي تمثل خطرا كبيرا على البلد كله، ثمّ الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وقرب الانهيار الكلي لاحتياطي الصرف، وآخرها تحدّي الانتخابات التشريعية والمحلية المرتقبتين.

وبرأيه، لا يبدو من خلال التشكيل الوزاري أه ثمة رؤية لكيفية الخروج من هذه الأزمة، كما أن الحكومة المشكلة لا تتوفر على حزام سياسي ونقابي يسندها في مواجهة التوترات الاجتماعية المتوقعة، والتي يمكن أن تؤدي إلى استئناف الحراك بطبيعة جديدة قد تكون شديدة، على حدّ وصفه.

‪دزيري: تحسّن الأوضاع يتطلب من الرئيس قرارات جريئة‬ (الجزيرة)
‪دزيري: تحسّن الأوضاع يتطلب من الرئيس قرارات جريئة‬ (الجزيرة)

بدوره، قال منسق كونفدرالية النقابات الصادق دزيري إنّ رئاسة الأمر الواقع التي أفرزتها الانتخابات إلى جانب الحكومة تجد نفسها اليوم أمام نفس الأزمة بحراك شعبي ومطالب أكثر حدة.

وشدد بحديثه للجزيرة نت على أنّ تحسّن الأوضاع يتطلب من الرئيس المنتخب قرارات جريئة تعيد بناء جسور الثقة المفقودة شيئا فشيئا، مثل استكمال إطلاق سراح المعتقلين وكذا فتح المجال الاعلامي، تحضيرا لفتح ورشات الإصلاح الحقيقية.

وطالب ببقاء الحراك قائمًا وضاغطا إلى غاية الاستجابة لمطالب التغيير الجذري والقطيعة مع النظام السابق، مع ضرورة إعادة النظر في الشعارات المرفوعة، والابتعاد عن زرع الكراهية والتفرقة بين الجزائريين ومؤسساتهم، على حدّ تعبيره.

استعادة الجمهورية
من جهة أخرى، يرى المرشح الرئاسي عبد القادر بن قرينة أنّ الأوضاع بعد 12 ديسمبر/كانون الأول أثبتت نجاعة الخيار الدستوري في حل الأزمة، وأنتجت مؤسسات منتخبة استعادت حالة الجمهورية.

وقال للجزيرة نت إنّ تشكيل الحكومة جزئية في المسار الجديد لأنها لا تزال تعيّن بنفس الآليات الدستورية السابقة، ولا يمكن الحكم عليها الآن، فهي أمام امتحان حقيقي في تجاوز الأزمات الضاغطة.

واعتبر أنّ الجزائر تشهد تحولا حقيقيا يتطلب إرادة سياسية، في ظل رؤية جديدة وجماعية للتطورات الداخلية والمحيط الإقليمي والدولي.

كما يعتقد عبد العزيز غرمول رئيس حركة الوطنيين الأحرار أن "الأوضاع في الجزائر تسير باتجاه إيجابي، فقد استعادت الدولة حضورها الداخلي والخارجي، وأصبح هناك طرف سياسي نتحاور معه".

وأضاف للجزيرة نت "نستطيع القول إننا متفائلون بحذر ويقظة، نعطي فرصة كافية لمختلف الأطراف كي ترتب أمورها، ونرى بعد ذلك طريقة التعامل معها، وما كنا خائفين منه مرّ بسلام". ودعا إلى إعادة ترتيب الصفوف والأوراق والانخراط مجددًا في عمل سياسي متبصر وبعيد المدى.

شروط الحوار
على صعيد آخر، وبخصوص الحوار "المؤجل" عاد رئيس حركة مجتمع السلم ليقول "الرئيس تعهد بالإصلاحات الدستورية والقانونية وإطلاق حوار بهذا الشأن، ومن واجبنا أن نحسن الظن به وأن نسنده في مسعاه".

واشترط لنجاحه أن يكون شفافا وذا مصداقية ويلبّي مطالب الحراك في تحقيق إصلاحات تضمن تجسيد الإرادة الشعبية، وتنهي عهد تدخل المؤسسة العسكرية والإدارة وكل القوى الفاعلة داخل النظام في تشكيل الساحة السياسية، مجددا الاستعداد للحوار بدون تحفظ.

من جانبه، أكد منسق كونفدرالية النقابات أن تحقيق الوثبة المطلوبة يحتاج إلى فتح حوار حقيقي شامل وسيد في تطبيق ما يتم الاتفاق عليه.

وأضاف أنّ الحلول تبنى بإحداث تنازلات في إطار توافق وطني لحل الأزمة السياسية وبناء جزائر جديدة يساهم فيها الجميع دون إقصاء ولا تهميش.

‪بن قرينة: الانتخابات أثبتت نجاعة الحل الدستوري واستعادت حالة الجمهورية‬  (الجزيرة)
‪بن قرينة: الانتخابات أثبتت نجاعة الحل الدستوري واستعادت حالة الجمهورية‬  (الجزيرة)

أمّا بن قرينة، فقد اعتبر الحوار نقطة الارتكاز الأولى في الإصلاحات المنتظرة وقد وعد به الرئيس من أجل تجاوز التصدع السياسي الحاصل في البلاد، وفق تعبيره.

ولكي ينجح -حسب قوله- لابّد أن تشرف عليه شخصيات ذات مصداقية شعبية وحزبية، وتعمل على مستوى شامل، لا يقصي جهة، ولا يستثني أيّ مقترحات.

من جهته، طالب غرمول بحوار دون شروط مسبقة يكون متعدد الأقطاب "تشارك فيه فعاليات سياسية واجتماعية واعية بالظروف التي يمر بها البلد، والأهداف من وراء ذلك".

وشدّد على أنه "لا يمكن الدخول في أي حوار مع وجود معتقلي رأي، وإعلام مغلق، ومعارضة مهمشة".

المصدر : الجزيرة