أوريان 21: عندما ينهب حفتر سنوات من الدبلوماسية

Trablus'a roket saldırısı- - TRIPOLI, LIBYA - APRIL 17: Damaged vehicles are seen after East Libya-based forces led by commander Khalifa Haftar carried out rocket attacks at the Abu Salim neighborhood in Tripoli, Libya on April 17, 2019.
الطريقة التي اختارها حفتر ومن أيده تنذر بإغراق ليبيا في دوامة عنف وتفتيت كيانها وإحداث خلل بليغ باقتصادها (وكالة الأناضول)
يشن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر منذ 4 أبريل/نيسان الماضي هجوما عسكريا على طرابلس، لكن العاصمة الليبية لا تزال عصية على جيشه البالغ 25 ألف جندي، إذ لم يستطع حتى الآن تجاوز ضواحيها، بيد أن هجومه هذا أوقع بالفعل ضحية مهمة هي الدبلوماسية.

هذا ما يراه الباحث في معهد كلينغنديل في لاهاي جلال الحرشاوي الذي يقول إن التصعيد الخطير -الذي نتج عن هذا الهجوم- ناتج حسب العديد من المراقبين عن حسابات خاطئة لحفتر وسوء تقدير للوضع.

واستبعد الباحث في مقال له بموقع أوريان 21 الفرنسي "انتصارا" لحفتر في هذه المعركة، مذكرا بتجربة الجنرال المتقاعد في غزوه بنغازي الذي استغرق ثلاث سنوات رغم أنها أصغر بكثير من العاصمة طرابلس.

لكنه لفت إلى أن إدراك مغزى هذا الهجوم يتطلب أخذ البعد الدولي لهذه الأزمة في الاعتبار.

فما يحدث -حسب موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة- هو محاولة انقلاب عسكري، لكن رغم ذلك لم يندد المجتمع الدولي بهجوم حفتر، بل على العكس من ذلك صرح مسؤول فرنسي بأن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ترتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة، واعتبر الرئيس الأميركي في اتصال مع حفتر أن عمليات هذا الأخير العسكرية "تساهم في مكافحة الإرهاب".

ولفت الحرشاوي إلى أن ما أقدم عليه حفتر وحلفاؤه ما هو إلا نتيجة منطقية لسياسة الاسترضاء التي كافأت بشكل منهجي تقريبا استيلاء الجنرال المتقاعد على المزيد من الأراضي وجعلت ذلك يمنحه شرعية متزايدة.

وذكر أن حفتر تلقى دعما لحملته العسكرية من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية وفرنسا وروسيا ودول أخرى منذ 2014، وذلك في تحد واضح للحظر الدولي على توريد الأسلحة لليبيا.
دوافع الدعم
وأرجع الحرشاوي دوافع هذا الدعم بشكل أساسي إلى الرغبة في محاربة الإسلام السياسي، مشيرا إلى أن قلق بعض هذه الأطراف الأيديولوجي جعلها لا تعتبر السلام والهدوء في طرابلس أولوية قصوى.

وشدد على أن هذا الدعم الخارجي دفع حفتر ذا العقلية العسكرية إلى متابعة إستراتيجياته المتهورة، والافتراض أن الدول الأجنبية ستزيد دعمها له إذا واجه أي صعوبات، مشيرا إلى أن ذلك هو ربما السبب الأهم الذي جعله يعتقد أن القوة هي أفضل وسيلة للاستيلاء على السلطة.

وعلق الحرشاوي على ذلك بقوله إن الجنرال المتقاعد -باختياره هذا المسار- ضحى بسنوات من التقدم الدبلوماسي الحقيقي بعد أن استغل ذلك لصالحه.

حكومة مدنية ضعيفة

وقال الحرشاوي إن المفاوضات الأخيرة بين رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فائز السراج والجنرال المتقاعد حفتر في أبو ظبي ركزت على تشكيل حكومة جديدة في طرابلس معترف بها من قبل الأمم المتحدة، وكان تشكيلها في صالح حفتر، إذ كان مقررا أن يتولى حقيبة القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية.

لكن حفتر -حسب الحرشاوي- أصر على أن تكون هذه الحكومة المدنية ضعيفة حتى تتسنى له السيطرة على جميع المؤسسات الليبية، لكن وجود ممثلين عن مدينة مصراته في هذه الحكومة -خاصة احتفاظ أحد أبناء هذه المدينة بحقيبة الداخلية- لم يرق له، وهو ما جعله يطالب بالمزيد من التنازلات بما في ذلك اشتراط استقدام ألوية من شرق ليبيا إلى العاصمة لضمان الأمن الضروري للانتخابات المقبلة، وهو ما رفضه السراج.

ولا شك أن خليفة حفتر -وفقا للحرشاوي- قد ترك انطباعا لدى داعميه الدوليين بأن هجومه على طرابلس سيكون خاطفا وسيحسم الأمر لصالحه في وقت قصير، والواقع أن ما آل إليه هذا الهجوم حتى الآن أشبه بالمستنقع الذي يمكن أن يستمر لسنوات.

على أي حال، فإن الطريقة التي اختارها حفتر ومن أيده تنذر بإغراق ليبيا في دوامة العنف وتفتيت كيانها وإحداث خلل بليغ في اقتصادها، أي أنها ربما ستشهد فترة من الاضطراب لم تشهد لها مثيلا في العقود الأخيرة، وفقا للخبير الحرشاوي.

المصدر : أوريان 21