بعد مقتل سبعة من أسرة واحدة.. لماذا ترتفع معدلات الجريمة في مصر؟

صورة2 وزارة الداخلية كشفت عن ارتفاع معدلات الجرائم في السنوات الاخيرة- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة.
وزارة الداخلية المصرية كشفت عن ارتفاع معدلات الجرائم في السنوات الأخيرة (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

لم يخطر ببال الأب المصري حسني سعد أن إدلائه بالشهادة في إحدى القضايا أمام المحكمة سيدفع ثمنه حياة أسرته بأكملها، جراء جريمة غامضة جرت بمحافظة البحيرة الواقعة شمال غرب القاهرة وبدأ الإعلام المحلي في كشف ملابساتها نقلا عن تحريات الشرطة.

وحسب روايات نشرها الإعلام، فقد كان حسني -الذي لم يتم الأربعين عاما ويشهد له جيرانه بحسن السمعة- الشاهد الوحيد في قضية اتهم فيها 11 شخصا وحكم على جميع المتهمين بالسجن عشر سنوات، وبدافع الانتقام منه قُتل هو وأمه وزوجته وأولاده الأربعة، بطعنات نافذة قبل أن يحرق الجناة منزله وتتفحم الجثث.

لا تبدو هذه الجريمة -التي نسجت وقائعها مطلع الأسبوع الجاري- فريدة من نوعها داخل مصر، حيث تشهد البلاد في السنوات الأخيرة تزايدا في معدلات الجرائم بتدرج واضح في بشاعة ملابسات كل واقعة.

ورغم تنوع الأسباب الدافعة لارتكاب الجرائم في مصر، لكن خيطا يربط بينها جميعا والمتمثل في انشغال الجهات المسؤولة عن مواجهة مسببات الجريمة، وفق رصد مراقبين. 


الجريمة تزايدت، فلماذا؟
بحسب مؤشر الجريمة العالمي في عام 2019، جاءت مصر في المركز الرابع على مستوى الدول العربية في معدل الجرائم السنوي، واحتلت المرتبة الـ 26 عالميا والثامنة أفريقيا.

وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، كشف تقرير لقطاع الأمن العام بوزارة الداخلية عن ارتفاع معدلات الجريمة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث زاد مستوى الجرائم بنسبة 5% خلال عام 2015، وبنسبة 7% في عام 2016، و10% مطلع 2017، وفي عام 2018 زادت المعدلات بنسبة 5%.

وأرجع التقرير أسباب ارتفاع معدلات الجرائم إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات.

وبحسب التقرير، شملت الأسباب تكوين تشكيلات عصابية جديدة من الشباب العاطلين، وما اختصرت وزارة الداخلية تسميته بـ "الظروف الاقتصادية"، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات بسبب قصور المواطنين فى وسائل تأمين ممتلكاتهم، وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي، فضلا عن استغلال البعض للحرب التي تخوضها الدولة على "الإرهاب".

في حين حدد المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية جرائم القتل الأسري باعتبارها تشكل حوالي ربع إجمالي جرائم القتل في مصر، ونسبة 92% من هذه الجرائم تكون بسبب الدفاع عن الشرف. 


دوافع متنوعة
تتنوع الأسباب التي تدفع نحو ارتكاب الجرائم وارتفاع معدلاتها في المجتمع، وطبقا لتقرير الحالة المصرية الذي أصدره المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" في عام 2019، فهناك خمسة عوامل تمثل أهم مسببات الجريمة في مصر.

وذكر مدير المركز الباحث مصطفى خضري، المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت بسبب ما وصفه بسياسات النظام الفاشلة على رأس مسببات ازدياد الجرائم في مصر.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى تدهور الحالة الأمنية واهتمام النظام بالأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي، لافتا إلى انهيار المنظومة القانونية وتحول العدالة إلى عدالة انتقائية تحابي الأغنياء وذوي المناصب السياسية على حساب باقي المواطنين.

واعتبر خضري انتشار المخدرات ومغيبات العقل، سببا رابعا لارتفاع معدلات الجريمة في مصر.

إلى جانب ذلك فالمشاكل الاجتماعية وانعدام القيم الدينية أدت لتدهور مجتمعي شديد نتج عنه استباحة أفعال العنف، وفق ما ذكره الباحث في مجال الرأي العام الذي توقع ارتفاعا مطردا في معدلات الجريمة باستمرار مسبباتها دون علاج.

واختتم حديثه بتأكيد أن الجهات المسؤولة عن الأمن والعدالة في مصر هي المنوط بها الحماية من الجريمة، "ولكنها استغرقت جهودها وإمكانياتها في تنفيذ الرغبات السياسية للنظام على حساب وظيفتها الأساسية التي حددها الدستور والقانون"، حسب قوله.


غياب المثالية
من جهتها، ربطت الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (جهة حكومية)، فادية أبو شهبة، ظاهرة ارتفاع معدلات الجريمة بتعاطي المخدرات والبطالة وعدم التربية الدينية والأخلاقية.

وأضافت أن بطء إجراءات التقاضي وضعف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة يلعب دورا كبيرا في زيادة أعمال البلطجة والجريمة، وأردفت "بعد سنوات من إجراءات التقاضي يتعزز لدى صاحب الحق الرغبة في اللجوء إلى البلطجة للحصول على حقه".

وقالت أبو شهبة في تصريحات صحفية، إن وجود الشرطة في المناطق الشعبية ضعيف، مما يسهل سيطرة البلطجية عليها، في الوقت الذي ينشغل الجهاز الأمني بالحرب على الإرهاب.

وأكدت ضرورة إنشاء شرطة شعبية من أبناء الأحياء وعلى معرفة بالأهالي مثل شيخ الحارة أو اللجان الشعبية، تقوم بإرساء الانضباط ومساعدة جهاز الشرطة في إرساء الأمن.

 
في المقابل، سعى الصحفي أكرم القصاص المؤيد للسلطة الحالية إلى تبرير تزايد الجريمة في مصر، ففي مقال بعنوان "عن معدلات الجريمة في مصر والعالم.. لا يوجد مجتمع مثالي"، نشره في موقع اليوم السابع، ربط القصاص بين التزايد الكمي للجرائم وزيادة عدد السكان، مضيفا أن العقوبات الرادعة غالبا لا تمثل علاجا فعالا في جرائم القتل والجريمة المنظمة، التي تمثل انعكاسا لميول إجرامية لدى مرتكبيها.

وقارن القصاص بين معدلات الجريمة في مصر بمثيلاتها في العالم، وادعى أن المجتمعات المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا تزيد بها الجرائم.

والقصد من المقارنة -وفق رؤية القصاص- هو إثبات أن الجريمة ظاهرة إنسانية يفترض النظر إليها بعيدا عن التصورات المثالية، حيث لا يمكن القضاء على الجريمة نهائيا، لكن المهم هو تفهم جذورها وتحليلها لتطوير طرق المواجهة.

واختتم مقاله بتأكيد عدم وجود مجتمعات مثالية، لكن توجد محاولات لمواجهة الجريمة والتقليل من تأثيراتها أو مواجهة المجرمين بالشكل الذي يقلل من أخطارهم.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي