الهروب غربا.. هل يستغل السيسي ليبيا للهروب من أزماته الداخلية؟

إنجليزية السيسي تخطف الأضواء من الطفل زين
عبد الفتاح السيسي ترأس اجتماع مجلس الأمن القومي لتناول تطورات الأزمة الليبية (مواقع التواصل)

عبد الله حامد-القاهرة

عبر تجييش الفنانين والصحفيين واللجان الإلكترونية ووسائل الإعلام المختلفة، وتحت شعارات من قبيل "الحياد خيانة" و"100 مليون فدائي"، أطلق النظام المصري حملة إعلامية كبرى رفضا للتدخل التركي في ليبيا.

ويرى مراقبون أن تصعيد الأذرع الإعلامية واللجان الإلكترونية لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ومحاولة تجييش المصريين وراءه فيما يتعلق بالملف الليبي، ما هو إلا محاولة للهروب غربا نحو ملف آمن، بدلا من مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية المستعصية التي تهدد نظامه، مع تصاعد الاحتقان الشعبي والغضب على سياساته في ظل اقتراب موعد ذكرى ثورة يناير المؤرقة لأجهزته الأمنية.

ويعتقد هؤلاء أنه بسبب الخلافات بين السلطة في تركيا ومصر، فإن نظام السيسي يخشى الوجود التركي في ليبيا على نفسه لا على مصر، التي تتهددها أخطار أشد من الجنوب والشرق لا من الغرب.

وعلى الرغم من التصريحات المتصلبة لمسؤولين إثيوبيين تجاه المطالب المصرية المتعلقة بأزمة نهر النيل وأثر سد النهضة الإثيوبي الخطير على مصر، فإن ألسنة النظام المصري الإعلامية ولجانه الإلكترونية لم تجد في تهديد مياه نهر النيل بالنقصان خطرا على الأمن القومي للبلاد.

ويركز الخطاب السائد حول سد النهضة -وهو خطاب موجه أمنيا في الأساس- على ضرورة التماهي مع خطاب التهدئة الرسمي الغالب، وضرورة التصرف بحكمة وهدوء مع الجانب الإثيوبي، واعتبارهم أصدقاء يمكن حل الأزمة معهم بالتفاهم.

النظام المصري أطلق حملة إعلامية لدعم الجيش في حال قرر الدخول إلى ليبيا (الجزيرة)
النظام المصري أطلق حملة إعلامية لدعم الجيش في حال قرر الدخول إلى ليبيا (الجزيرة)

حملة منظمة
وقالت مصادر للجزيرة نت إن الجهات الأمنية المسؤولة عن وسائل الإعلام طلبت من الصحفيين والفنانين حث المصريين وتجييشهم "للاصطفاف وراء القيادة السياسية فيما يتعلق بالقضية الليبية".

وتضمنت الرسائل أيضا محاولة التأكيد على "ذكاء السيسي بشراء طائرات الرافال، وحاملة الطائرات الميستيرال ليوم كهذا، وليس لشراء سكوت الاتحاد الأوروبي عن الانتهاكات التي تحدث في مصر، كما قال المنتقدون وقتها".

وطالبت الرسائل باتهام أي شخص يرفض قرار الحرب بـ"الخيانة والعمالة"، ووجوب "نبذه بل والإبلاغ عنه حال اقتضى الأمر".

في هذا السياق وبشكل متزامن، أعلن العديد من الإعلاميين والفنانين المصريين عبر مواقع التواصل تأييدهم للسيسي دفاعا عن الأمن القومي المصري، مع نشر قوائم بالمنتجات التركية في السوق لمقاطعتها.

وتبث الفضائيات -الواقعة تحت سيطرة النظام- بشكل متكرر ومستمر مقاطع دعائية مصورة لمعدات الجيش المصري، وفي خلفيتها صوت السيسي يتحدث عن "الأخطار المحدقة بالوطن وتضحيات أبنائه".

وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي إن السيسي ترأس الخميس الماضي اجتماع مجلس الأمن القومي، لتناول تطورات الأزمة الليبية والتهديدات التي سيمثلها التدخل العسكري التركي في ليبيا، وتحديد إجراءات ضرورية للتصدي لأي تهديد للأمن القومي المصري.

ورغم هذه التصريحات فإن مراقبين يرون أنها "محض تصعيد إعلامي"، إذ لم تصدر أي تصريحات من عسكريين مصريين تجاه الأزمة، بخلاف تحركات وتصريحات لقادة سياسيين وعسكريين أتراك بشأن الدعم العسكري لليبيا، مما يعني أن النظام المصري لا يعتزم التصعيد على الأرض فعليا، ولكن للتصعيد الإعلامي أهداف أخرى عند السيسي.

أهداف أخرى
وقال البرلماني السابق  محمد جابر إنه بات من المعلوم أن السيسي أرسل قوات عسكرية إلى ليبيا سرا منذ فترة طويلة لدعم اللواء متقاعد خليفة حفتر، في حين أن تركيا تدعم الحكومة الشرعية المتوافقة مع القرارات الدولية.

وأبدى جابر في حديثه للجزيرة نت دهشته من "دعم السيسي لحفتر ومليشياته المتعددة الجنسيات" التي تعد هي "التهديد الحقيقي" للأمن القومي المصري، لأنها أقرب لحدود مصر من طرابلس التي سيتواجد فيها الجيش التركي، وهو ما يعني أن هناك أهدافا أخرى للتجييش ضد التدخل التركي.

وأكد أن أمن مصر القومي يحتم عليها أن تكون إلى جانب المؤسسات المعترف بها دوليا، وليس إلى جانب "مرتزقة".

ولفت إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود التي أبرمتها تركيا مع ليبيا مؤخرا، مثلت فرصة حقيقية لمصر لاستعادة جزء كبير من مياهها الاقتصادية، والتي فقدتها بموجب اتفاقيتها مع قبرص واليونان.

ووفقا للكاتب الصحفي سيد أمين، فإن السيسي يحاول الهروب غربا وتقديم نفسه لأوروبا وأميركا كرهان عسكري جاهز لردع أي تدخلات لقوى إقليمية صاعدة كتركيا وإيران في المنطقة.

والمشكلة التي تواجه السيسي برأيه، أن الطرح الذي يطرحه على الغرب سيكون مرفوضا من قبل الجيش المصري الذي يأبى أن يكون "جيشا للمرتزقة" لتحقيق الأجندات الخاصة بالقوى العظمى.

وتابع في حديث للجزيرة نت أن السيسي بحاجة للهروب من الفشل الداخلي إلى إيجاد ذرائع أكبر، لتبرير الفشل أمام أنصاره بالحروب والمؤامرات الدولية التي يتعرض لها.

اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق أثار غضب مصر واليونان (الجزيرة)
اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق أثار غضب مصر واليونان (الجزيرة)

مواجهة العدوان
في المقابل، قال وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي إن مصر لها هدف وحيد من مواجهة "العدوان التركي" على الدولة الليبية وهو حماية الأمن القومي المصري، مشددا على ضرورة أن يدرك العالم أجمع أن ليبيا هي خط أحمر لمصر لا يمكن تجاوزه.

وتابع العرابي في تصريحات صحفية أن مصر لها موقف حازم تماما من التدخل التركي، وسترد بكل كفاءة، ولن تصمت أمام التحركات التركية في ليبيا لتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.

واعتبر العرابي أن موافقة البرلمان التركي على "احتلال" ليبيا يهدف إلى تصعيد الموقف، وسيزيد الأمور تعقيدا ويدخل الدولة التركية في مأزق سياسي وعسكري في مواجهة الموقف الدولي والإقليمي.

المصدر : الجزيرة