الإفراج عن نشطاء الحراك في الجزائر.. أي دلالات؟

السلطة تركز على إختيار ممثلين لقبول الحوار من أجل تكسير الحراك بحسب مراقبين
جانب من مظاهرة سابقة للحراك في العاصمة الجزائر (الجزيرة)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

في قرار وصف بالمفاجئ، أفرجت عدّة محاكم جزائرية الخميس الماضي عن 76 موقوفا من نشطاء الحراك الشعبي دفعة واحدة، تصدرتها محكمة العاصمة بإخلائها سبيل 51 موقوفا.

ومن أبرز المفرج عنهم المجاهد لخضر بورقعة (86 عاما) الذي أودع الحبس المؤقت في 30 يونيو/حزيران الماضي، بتهمة المساس بمعنويات الجيش.

ودعا بورقعة عقب إطلاق سراحه إلى "ضرورة الاستمرار في الحراك الشعبي"،  مؤكدا أن "لكل جيل الحق في اختيار قضيته ومساره".

ومن بينهم كذلك شاعر الحراك محمد تاجديت، والرسام عبد الحميد أمين، والناشط المعروف إبراهيم لعلامي، إضافة إلى الجنرال المتقاعد حسين بن حديد.

وكشفت مصادر حقوقية للجزيرة نت أنّ قرابة خمسين معتقلا آخر لا يزالون خلف القضبان، متوقعة الإفراج عنهم قريبا.

خطوة صحيحة
وأثارت الخطوة ردود فعل مستبشرة على نطاق واسع، حيث دوّن الإعلامي المعروف قادة بن عمار على صفحته بفيسبوك أنّ "إطلاق سراح المجاهد لخضر بورقعة خطوة في الاتجاه الصحيح.. أتمنى أن يحصل على البراءة يوم 12 مارس/آذار المقبل بإذن الله".

‪بورقعة: لكل جيل الحق‬ (الجزيرة)
‪بورقعة: لكل جيل الحق‬ (الجزيرة)

بدوره، غرّد الكاتب لخضر رابحي بالقول إنّ "إطلاق سراح الكثير من المسجونين في ظروف الحراك خطوة جيدة، فالجزائر لا تَعبُر حالة الأزمة إلا بحوار جادّ ومسؤول لا يُقصى منه أحد، وفي أجواء من الهدوء تسمح بتلاقح الأفكار والاجتماع".

كما سجّل الوزير "الحراكي" المعروف عبد العزيز رحابي أنّ "إطلاق سراح بورقعة يمثل بداية تصحيح قرار تعسفي في حقه وحق سجناء الرأي".

واعتبره "مؤشرا إيجابيا قد يكون بمثابة بداية وضع لإجراءات الثقة والتهدئة، والتي من دونها لا يمكن أن يفلح أي تصور للخروج من الأزمة".

رؤى الحراك
من جهة أخرى، جاءت مواقف قوى الحراك متباينة إلى حدّ ما، بخصوص تأثير هذه الخطوة على تهيئة الأجواء العامة للحوار بين الجزائريين.

واعتبرها منسق "مبادرة النخب الأكاديمية من أجل التغيير السلمي" عبد القادر بريش، مبادرة من أجل بدء الحوار والتوافق على خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية.

وقال للجزيرة نت إنّ "مكاسب الحراك اكتملت، وبقي عليه المساهمة الإيجابية في مسار بناء الدولة والتحول إلى حراك مؤسساتي".

بدوره توقع الناشط عبد الوهاب جعيجع أن "يطفئ إطلاق سراح المعتقلين المشاعر المتأججة"، موضّحا أنّ "أيّ أزمة يجب أن تنتهي إلى طاولة الحوار، بعيدا عن ثنائية المخطئ والمصيب".

وأضاف في تصريح للجزيرة نت أنه "بعد كل ما تحقق منذ 22 فبراير/شباط الماضي، لم يعد بُدّ من انخراط الجميع في حوار وطني يلقى التفهّم اللازم من السلطة والدعم من الحراك والقوى المجتمعية".

غير أنّ منتسب التيار الأصيل الهادي جاب الله شدّد على أن "الاحتجاجات السلمية أدوات مشروعة للشعب لا تقترن بإطلاق سراح المعتقلين من عدمه"، مؤكدا أن رؤية جناحه "تنطلق من المزاوجة بين حراك الميادين مع حراك الرؤى و الأفكار".

واعتبر في حديث للجزيرة نت أنّ الحراك لم يحقق كامل مطالبه، لغياب الإرادة الحقيقية عند السلطة، حيث عملت على تفريقه بالمقايضة مع التيارات الأخرى، بدل الجلوس مع الكتلة الوطنية الأصيلة"، وفق توصيفه.

بدوره اشترط منسق حركة المسار منير صغير قبل الدعوة إلى الحوار إطلاق سراح جميع سجناء العشرية السوداء، ومن بقي من شباب الحراك.

وأكد للجزيرة نت أنّ مواصلة الاحتجاج في الشارع قرار ليس بيد جهة واحدة، بل "تشترك فيه أطراف متعددة، تصل أحيانا حد التناقض في أطروحاتها السياسية والأيديولوجية".

‪ماجوري: مطالب الحراك لا تزال بعيدة‬  (الجزيرة)
‪ماجوري: مطالب الحراك لا تزال بعيدة‬  (الجزيرة)

مسؤولية النخب
وعن آفاق الحراك من منظور المراقبين إثر خطوة الإفراج عن أغلب معتقليه، قال الكاتب التهامي ماجوري إن "التصعيد الاحتجاجي وحده لم يبق له مبرر، لأن الشعب لا يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل، ولأن المرحلة في مرحلة تفاعل وتعاط مع الواقع السياسي، ولا سيما بعد المبادرات التي قام بها رئيس الجمهورية".

وبشأن تحقيق مطالب الحراك، فهي برأيه "لا تزال بعيدة لأن النظام لم يتغير، والأشكال التعبيرية ليست هي التي تحققها، حيث موازين القوى والضغوط هي التي تصنع الحدث اليوم".

وقال للجزيرة نت إن "ما يُلاحظ الآن من مبادرات السلطة ليست نهاية مطاف ولا تحقق وحدها المطلوب، وهنا تبرز الحاجة إلى طبقة سياسية ناضجة بمستوى الحراك لتحافظ على مكاسبه".

وتابع أنّ الاحتجاجات الشعبية قدمت ما عليها، والثقل اليوم يقع -بحسبه- على عاتق النخب السياسية والاجتماعية "لتحمل مسؤولية تحقيق مطالب الحراك بالضغط والمشاركة والمعارضة والإبداع في صيغ الممارسة السياسية".

مصير غامض
في المقابل، أكد محامي الموقوفين عبد الغاني بادي أنّ الإفراج حتى الساعة لم يمسّ كل الرموز، حيث إنّ "مصير أمثال فضيل بومالة وكريم طابو وسمير بلعربي، لا يزال غامضا".

‪بادي: السلطة مضطرة للعب‬ (الجزيرة)
‪بادي: السلطة مضطرة للعب‬ (الجزيرة)

ومع ذلك قال إنّ "السلطة ستكون وفق الظاهر مضطرة للعب ورقة التهدئة مع نشطاء الحراك وجرّه إلى حوار تفرض هي محاوره، مثل كل مرة يتعرض فيها النظام إلى هزات".

واعتبر أنّ المعادلة هذه المرة معقدة نوعا ما، فالحراك رفع السقف عاليا ويطالب بانتقال ديمقراطي حقيقي، "بينما السلطة تُظهر علنا أن الارتباط لا يزال موجودا مع النظام البوتفليقي، خاصة في الحكومة الجديدة".

وتوقع في حديثه للجزيرة نت أن يخفف الإفراج عن الحراكيين من الضغط على السلطة قليلا، لكن المسار الذي سوف تأخذه من حيث نوايا التغيير الحقيقي ومدّ عربون ثقة فعلي، هو ما يحدد قبول الحراك للانخراط في المسعى من عدمه، على حدّ قوله.

وتابع أنّ "الحراك ربما سيرضى بورشات جادة للانتقال الحقيقي كبرنامج للحوار، أما دون ذلك فلن ينخرط في أي مسعى".

وطالب بادي السلطات بتقديم تنازلات والبحث وسط الحراكيين والشخصيات المقبولة عمن يبني لها جسر ودّ لوضع لبنات حوار جاد.

المصدر : الجزيرة