وضعوا المتاريس أمام مثوله.. ما الذي تخشاه إدارة ترامب في شهادة جون بولتون؟

U.S. national security adviser John Bolton (C) attends a working lunch alongside President Donald Trump (L) during a meeting with Vietnamese Prime Minister Nguyen Xuan Phuc (unseen) at the Office of Government Hall in Hanoi, Vietnam, February 27, 2019. REUTERS/Leah Millis
بعد أن كان من المقربين يواجه جون بولتون (وسط) غضبا كبيرا من ترامب واليمين (رويترز-أرشيف)

بالأمس كان يسير في ركبهم، ويتحدث لغتهم، ويدافع عن سياساتهم، لكنه لم يعد كذلك، بعد أن وجد الرجل نفسه مطرودا تلاحقه اللعنات، وتشهر في وجهه السكاكين، إنه جون بولتون المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فقد خرج من منصبه من الباب الخلفي غاضبا، دون أن يتحدث كثيرا عن أسباب مغادرته وظيفته المرموقة، التي قال رفاقه السابقون إنه قاتل لأجلها، في حين استخف الرئيس بنصائحه.

يعد الرجل السبعيني ذو الشارب الكثيف من صقور المحافظين، ويمثل نموذجا لليميني الملتزم والضيف المثالي على القنوات التلفزيونية والإذاعية اليمينية المؤيدة للرئيس دونالد ترامب؛ يدافع عن سياسات اليمين، وكذلك عن الرئيس على مدى السنوات الماضية.

واتسم تاريخه السياسي بالولاء الشديد لإسرائيل، وتستهويه الحروب، ويؤيد استخدام اليد الثقيلة في مواجهة أعداء الولايات المتحدة.

كان بولتون من أشد المؤيدين لحرب العراق، ودعم باستمرار العمل العسكري لتغيير النظام في سوريا وليبيا وإيران، واستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية.

وهو من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته القوى الكبرى في مايو/أيار 2015، قبل أن تنبذه إدارة ترامب، بتأييد من بولتون العام الماضي.

ويعد بولتون على معرفة قوية بدهاليز البيروقراطية السياسية الأميركية بوصفه محاميا درس القانون في جامعة ييل العريقة، وعمل سابقا بوزارة العدل أثناء حكم الرئيس رونالد ريغان، وانضم إلى وزارة الخارجية في عهد جورج بوش الابن. وفي الوقت ذاته، له ولاء راسخ للجمهوريين.

لم يعد صديقا
سبب غضب مؤيدي ترامب أن بولتون -الذي ترك منصبه في سبتمبر/أيلول 2019، بعد خلافات مع الرئيس الجمهوري- أنه أبدى استعداده للإدلاء بشهادته في قضية عزل ترامب أمام مجلس النواب، وكرر ذلك بعد أن بدأت المحاكمة في مجلس الشيوخ، بل زاد على ذلك أن تحدث ضد الرئيس في كتاب جديد سُربت بعض مقتطفاته.

لقد حاول الجمهوريون وحلفاء ترامب مرارا وتكرارا التشكيك في مصداقية بولتون وتشويه سمعته بعد الكشف عن جوانب من مذكراته غير المنشورة التي تؤكد التهمة الرئيسية الموجهة للرئيس في محاكمة عزله في مجلس الشيوخ؛ أن ترامب متورط مباشرة في الضغط على أوكرانيا بتعليق مساعدات عسكرية وافق عليها الكونغرس ما لم يجر المسؤولون هناك تحقيقات في أنشطة تجارية مزعومة في أوكرانيا ضد نجل منافسه الديمقراطي جو بايدن.

على "فوكس نيوز"، هاجم شون هانيتي مقدم البرامج بولتون بسبب مقتطفات الكتاب المسربة، وتحداه في أن يأتي لبرنامجه ليقول ذلك، وقال "لقد عرفت جون بولتون منذ عقدين من الزمان، على ما أذكر؛ فقد اعتاد أن يكون زميلا هنا في قناة فوكس نيوز". لكن الشبكة بسبب مواقفه حذفته من قائمة الأصدقاء الذين يشاركون في برامجها بعد أكثر من عقد من الظهور المنتظم.

لم يكن هانيتي الحليف الوحيد لترامب الذي حاول تشويه سمعة بولتون هذا الأسبوع؛ ففي مقابلة مع برنامج "هذا الصباح" على شبكة "سي.بي.إس" يوم الأربعاء وصف رودي جولياني محامي ترامب بولتون بأن ما قام به "طعنة في الظهر". وقال جولياني "أجد شهادته حول الرئيس لا تكاد تصدق. لا أستطيع أن أتخيل أن رئيس الولايات المتحدة قال له ذلك".

كذلك خرج ترامب بنفسه ليطعن في موظفه السابق قائلا إنه توسل إليه ليعطيه عملا، مشيرا إلى أنه "طُرد لأنه صراحة لو استمعت إليه لكنّا الآن في الحرب العالمية السادسة، ثم يذهب ليكتب كتابا كاذبا وشريرا. كلها معلومات متعلقة بالأمن القومي، من يفعل ذلك؟!"

ماذا قال في الكتاب
يزعم مستشار الأمن القومي السابق أن ترامب أخبره في أغسطس/آب الماضي أنه يريد الاستمرار في حجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا حتى يتفق مسؤولو البلاد على المساعدة في التحقيق مع منافسيه الديمقراطيين. وتتعارض تعليقات بولتون هذه مع تأكيدات فريق الدفاع القانوني للرئيس بعدم وجود أي تضارب للمصالح في القضية مع أوكرانيا.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" -التي حصلت على نسخة من المقتطفات- زعم بولتون أن ترامب ربط الإفراج عما يقرب من أربعمئة مليون دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بالتحقيق مع نائب الرئيس السابق جو بايدن وابنه هانتر بشأن أنشطة تجارية هناك.

وقالت الصحيفة إن كبار مساعدي ترامب -ومن بينهم بولتون ووزيرا الخارجية مايك بومبيو والدفاع مارك إسبر- حثوا ترامب على الإفراج عن المساعدات التي اعتمدها الكونغرس، لكن ترامب قال خلال نقاش جرى مع بولتون في أغسطس/آب 2019 إنه يفضل عدم إرسال مساعدات لأوكرانيا إلى أن يسلم المسؤولون هناك كل المواد التى لديهم بشأن التحقيق الذي شمل بايدن، بالإضافة إلى مؤيدي هيلاري كلينتون في أوكرانيا.

ومن المرجح أن تؤدي رغبة بولتون في الإدلاء بشهادته إلى ممارسة ضغوط جديدة على قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ للسماح بالاستماع لشهود جدد في عزل ترامب، لكن هذه الخطوة لها مخاطرها، لأن ما سيقوله بولتون قد يجيب على الاتهام الرئيسي ضد ترامب باستغلال الصلاحيات، والعبث بالأمن القومي، لمصالح سياسية شخصية، حيث أراد -حسب وجهة نظر الديمقراطيين- الحد من حظوظ بايدن في منافسته على الفوز برئاسيات 2020.

من ناحية قانونية، يحق للرئيس أن يحتفظ بسرية نقاشاته مع كبار مستشاريه، وألا يُطلع الكونغرس عليها، كما يحق له أن يطلب من أعضاء إدارته ومساعديه ألا يتحدثوا للكونغرس.

وفي مواجهة خطر شهادته، عارضت الإدارة نشر كتاب بولتون، وأبلغ البيت الأبيض المستشار السابق للأمن القومي أن كتابه الموجود تحت الطبع يحتوي -في ما يبدو- على "كم كبير من المعلومات السرية"، ولا يمكن نشره بصورته الحالية، لتزيح بذلك خطرا وشيكا تشكله معلومات الكتاب.

وعلى ضوء ما يحدث حاليا، فيبدو أن إدارة ترامب أعدت العدة لعرقلة شهادة بولتون؛ فقد سبق للبيت الأبيض أن منع الرجل من الإدلاء بشهادته أمام مجلس النواب، في حين تتطلب شهادته أمام مجلس الشيوخ تمرير قانون يسمح بذلك في مجلس يملك فيه الجمهوريون الأغلبية. 

المصدر : الجزيرة