ضحايا البريكست الصغار.. الأطفال اللاجئون أمام "أبواب موصدة" في بريطانيا

epa05586784 A participant of a demonstration called by 'Help Refugees Worldwide & One Human Race' carries a banner reading 'Refugees welcome' at the Old Palace Yard in London, Britain, 15 October 2016. The demonstrators expressed their solidarity with refugees and condemn inhumane treatments of refugees and demolition of refugee camps, particularly at Calais in France. EPA/HAYOUNG JEON
من مظاهرة مؤيدة للاجئين في لندن عام 2016 (الأوروبية)

الجزيرة نت-لندن

"تصويت العار"، هكذا وصفت صحيفة "مترو" البريطانية قرار الأغلبية البرلمانية لحزب المحافظين البريطاني لإسقاط مقترح قانون تقدم به مجلس اللوردات من أجل ضمان استمرار وصول الأطفال اللاجئين إلى المملكة المتحدة ولمّ شملهم مع أقاربهم. 

وخلال الأسابيع الماضية تحوّل ملف لمّ شمل الأطفال اللاجئين مع عائلاتهم إلى معركة سياسية وحقوقية في بريطانيا بين حزب المحافظين المنتشي بأغلبيته الساحقة في البرلمان، وخصوصا رئيس الوزراء بوريس جونسون، وبين الجمعيات الحقوقية التي تعنى باللاجئين، إضافة لعضو حزب اللوردات البارون أولف دوبس.

وقاد البارون أولف حملة شرسة لمنع الحكومة من التخلي عن التزاماتها بالحفاظ على حقوق اللاجئين كما كانت في السابق، خصوصا وأن السياسي البريطاني المرموق وصل هو الآخر للمملكة المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي طفلا لاجئا من براغ هاربا من معسكرات النازية، مما يجعله من أكثر المعنيين بهذه القضية.

معركة شد حبل
وتحوّل الجدل حول الأطفال اللاجئين إلى معركة شد حبل حقيقية بين مجلس اللوردات، الذي أسقط خمس مرات متتالية مقترح الحكومة لخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لأنها لم تتضمن الالتزام بالإبقاء على حق الأطفال اللاجئين بالانضمام لأي فرد من أفراد عائلاتهم الموجودين في بريطانيا، وبين مجلس العموم ذو الأغلبية المحافظة الذي أسقط مقترحا تقدم به البارون أولف دوبس يقضي بالسماح للأطفال الذين فقدوا والديهم بالوصول إلى بريطانيا والعيش مع أحد أقاربهم.

وتظهر حكومة جونسون إصرارا منقطع النظير على تشديد القيود على وصول الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم ويطلبون اللجوء للمملكة المتحدة، فبمجرد إعادة انتخابه، ألغى جونسون التزاما تعهدت به رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وهو الحفاظ على حقوق الأطفال اللاجئين كما كانت في السابق.

ولا تقدم الحكومة البريطانية أي حلول بديلة باستثناء وعود بالنظر في وضع الأطفال اللاجئين، والتفاوض مع الأوروبيين حول وضعياتهم، ليظهر أن هذا الملف سينضاف لملفات أخرى عالقة، لا تريد لندن تحملها وحدها.

فالنظرة السائدة لدى الحكومة البريطانية هي أن أوروبا لا تلتزم بتعهداتها في ما يتعلق بأعداد الأطفال اللاجئين الذين من المفروض عليها استقبالهم، ولا تريد هي أن تتحمل تبعات هذه السياسة بعد الانسحاب من التكتل الأوروبي.

عامل ضغط
تدافع الحكومة البريطانية بشراسة عن خيارها تقييد شروط وصول الأطفال اللاجئين إليها، سواء الذين فقدوا والديهم قبل الوصول إلى أرض اللجوء أو الذين نجحوا في الوصول إلى بريطانيا دون والديهم، حيث تؤكد وزارة الداخلية البريطانية أنها لن تسقط حق لمّ الشمل بالنسبة للأطفال اللاجئين.

وتقدم وزارة الداخلية البريطانية أرقاما تقول إنها تدل على التزامها بحماية الأطفال اللاجئين، فمنذ سنة 2010 استقبلت المملكة 41 ألف طفل ومنحتهم الحماية، ومنهم 5000 يعيشون تحت رعاية الدولة لأنه ليس لهم أي قريب في بريطانيا.

في المقابل تتحدى الحكومة مجلس اللوردات، الذي يقود حملة الدفاع عن الأطفال اللاجئين، مؤكدة أن قانون الحكومة هو الذي سيمر في جميع الأحوال، وذلك بالنظر للأغلبية التي تتمتع بها في مجلس العموم.

وتريد الحكومة ألا يكون للأطفال اللاجئين أي ذكر في اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي، على أن يكون هذا الملف موضوع مفاوضات قادمة مع الاتحاد، وذلك حتى لا تتحول هذه الورقة إلى عامل ضغط على الحكومة البريطانية.

خطاب إنساني
في المقابل يعتمد البارون أولف دوبس خطابا إنسانيا، وينطلق من تجربته الشخصية، حيث وجه خطابا للحكومة البريطانية بألا تغلق الأبواب في وجه الأطفال، معتبرا أنهم يعيشون ظروفا صادمة في مخيمات المهاجرين غير النظاميين في فرنسا، وأنهم معرضون للاستغلال الجنسي وشبكات الاتجار بالبشر.

وفي مقال مؤثر للنائبة البرلمانية عن حزب العمال الدكتورة روزينا ألين خان في صحيفة إندبندنت، تحدثت عن رغبة واضحة لدى جونسون "لطرد الناس من بريطانيا وليس الترحيب بهم"، وبحكم عملها طبيبة وسياسية، تحكي بأسف كيف أنها كانت تشاهد الحسرة في عيون الآباء الفلسطينيين الذين لا يقدرون على مرافقة أبنائهم للعلاج من السرطان، وكيف سمعت قصصا مؤلمة من أطفال فقدوا آباءهم في ميانمار بعد أن تعرضت منازلهم للحرق.

وتتساءل النائبة البرلمانية عن السبب الحقيقي الذي سيمنع بلادا مثل بريطانيا من السماح لهؤلاء الأطفال بالدخول للمملكة المتحدة، معتبرة أن مهمة حزبها في المرحلة القادمة ستكون صعبة بالنظر للأغلبية الساحقة التي يتمتع بها حزب المحافظين.

وفي تصريح خاص للجزيرة نت قالت رئيسة الجمعية البريطانية كلير موسلي إن "بقاء العائلات مع بعضها حق لا يمكن التخلي عنه"، مضيفة أنها وجدت حالات لأطفال من دون والدين ولديهم أقارب في بريطانيا، ومع ذلك فهم غير قادرين على الوصول إليهم، ويبقى مصيرهم معلقا ومجهولا.

من جهته كشف المدير التنفيذي لمؤسسة "ممر آمن" بيث سميث عن وجود عدد كبير من الأطفال في أوروبا من دون والديْن، "وهؤلاء لهم أقارب في بريطانيا، إما الأجداد وإما الأعمام وإما الخالات، ومستعدون لاستقبالهم ومع ذلك يتم منعهم"، معتبرا أنه من غير المنطقي "منع طفل من الانضمام لعائلته".

المصدر : الجزيرة