هل تنجح أوروبا في الخروج من عباءة واشنطن بشأن خطة السلام في الشرق الأوسط؟

هشام أبو مريم-باريس

فيما تشهد الأراضي الفلسطينية ومناطق أخرى عبر العالم احتجاجات شعبية ورسمية رافضة ومستنكرة لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط المعروفة بـ"صفقة القرن" تباينت مواقف دول الاتحاد الأوروبي بين متحفظ ومرحب بالخطة الأميركية.

وغابت الأصوات الرسمية المنددة بالخطة، وهو ما أرجعه محللون وأكاديميون إلى تراجع الموقف الأوروبي أمام الإدارة الأميركية في عدد من الملفات الدولية، بينها الشرق الأوسط منذ وصول ترامب إلى السلطة قبل ثلاث سنوات.

موقف مخز
ويرى توفيق تهاني الأستاذ في جامعة ليل الفرنسية الرئيس الفخري "لجمعية التضامن.. فرنسا فلسطين" (إحدى كبريات المنظمات الحقوقية المساندة للقضية الفلسطينية في أوروبا) أن موقف فرنسا والاتحاد الأوروبي "يعد انتكاسة وتراجعا تاريخيا مخزيا للموقف الفرنسي والأوروبي على حد سواء" تجاه القضية الفلسطينية.

يذكر أن كلا من باريس والمفوضية الأوروبية رحبتا بجهود ترامب لإيجاد حل بهدف إبرام اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، وشددتا على عزمهما دراسة مقترح خطة ترامب لحل النزاع، وذلك على الرغم من تأكيدهما على ضرورة الاعتماد على قرارات الأمم المتحدة، خصوصا مقترح حل الدولتين.

واستنكر تهاني في تصريح للجزيرة نت الموقف الفرنسي والأوروبي الذي لم يدن "صفقة القرن" التي تسلب كل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتنهي كل آمال ولادة دولة فلسطينية مستقلة وذات حدود برية وبحرية وجوية وعاصمتها القدس الشرقية، حسب تعبيره.

وأكد أن موقف الاتحاد الأوروبي وفرنسا من "صفقة القرن" يعتبر "وصمة عار لأنه جاء متواطئا مع الموقف الأميركي والإسرائيلي"، لأنه يزكي شرعنة الاستيطان وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

وأكد تهاني أن موقف باريس وأوروبا يعكس بشكل عام "خضوعا واضحا وجليا من أوروبا أمام التسلط الأميركي في الملفات الدولية، خصوصا منذ تولي دونالد ترامب السلطة".

أوروبا ستبقى يقظة
في المقابل، اعتبر مصطفى طوسة الإعلامي والمحلل السياسي في تصريح للجزيرة نت أن الموقف الفرنسي والأوروبي بشأن "صفقة القرن" طبعه الحذر والحيطة، على الرغم من إشادته بما سماها جهود ترامب لإحلال السلام وإيجاد صيغة تفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

واعتبر طوسة أن هذه اللغة المتزنة تبقى من أدبيات الدبلوماسية المتوازنة والضرورية في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، كما أوضح أن بيان فرنسا والاتحاد الأوروبي كان واضحا أيضا من خلال التشديد على حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، وهو ما يعتبر إنذارا للإدارة الأميركية بعدم تجاوز الخطوط الحمراء في ما يخص ضمان حقوق الفلسطينيين من خلال إقامة وطن قابل للعيش والحياة، وليس كما جاء في الصيغة الأميركية المقترحة.

ويرى طوسة أن الدبلوماسية الأوروبية -والفرنسية خصوصا- لن تبقى مكتوفة الأيدي وستبقى يقظة مستقبلا، ولن تترك الإدارتين الأميركية وإسرائيل تقرران وحدهما الحل النهائي للنزاع، بل ستنخرط بشكل جدي لإسماع صوت وموقف الاتحاد الأوروبي، وبالتالي العمل على تعديل الصيغة الحالية لـ"صفقة القرن".

وأشار إلى أن عقيدة الاتحاد الأوروبي في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تتغير منذ سنوات رغم تغير الحكام الأوروبيين، بل بقيت متوازنة في مواقفها لأنها مبنية على قرارات الأمم المتحدة، ومبدأ الأمن الشامل لإسرائيل وحل الدولتين بحدود 1967.

بريطانيا تمسك العصا من الوسط
يشار إلى أن بريطانيا التي ستخرج رسميا من الاتحاد الأوروبي يوم غد الجمعة جاء موقفها منسجما إلى حد كبير مع الموقف الأوروبي، بحيث أبدت ترحيبا بالمقترح الأميركي بشأن "صفقة القرن"، واصفة إياها بالخطوة الإيجابية نحو تحقيق السلام كما عبر عن ذلك وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب.

ويرى الإعلامي والمحلل السياسي المقيم في لندن أنور القاسم أنه على الرغم من ترحيب بريطانيا ومباركتها "صفقة القرن" فإنها بقيت ملتزمة بالموقف الأوروبي الموحد الداعي إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية.

وأوضح القاسم في تصريح للجزيرة نت أن بريطانيا تمسك العصا من الوسط، بحيث لم ترد إثارة غضب الإدارة الأميركية، لأنها مقبلة على مغادرة الاتحاد الأوروبي، كما أنها لم تختلف كثيرا عن موقف الاتحاد الأوروبي الداعي إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة لحل النزاع، ولم تدع إلى أن تكون "صفقة القرن" بديلا عن قرارات الشرعية الدولية أو بديلا لاتفاقية أوسلو.

المصدر : الجزيرة