السلطات المصرية توسّع مفهوم الإرهاب ليضم وسائل الإعلام ومواقع التواصل

صورة(مجلس النواب )
لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري وافقت على ضم وسائل الإعلام المعارضة لقوائم الكيانات الإرهابية (الجزيرة)

محمد عبد الله-القاهرة

انتقد سياسيون وإعلاميون وحقوقيون سعي النظام المصري لضم القنوات الفضائية والمؤسسات الصحفية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المعارضة لقائمة الكيانات المحرضة على الإرهاب، واعتبروه تطورا خطيرا وخطوة غير مسبوقة لانتهاك حرية الصحافة يجب التراجع عنها.

ووافقت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري يوم الاثنين الماضي على تعديل قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، المقدم من الحكومة، لضم وسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة إلى تعريف الكيان الإرهابي بالقانون رقم 8 لسنة 2015.

كما تتضمن التعديلات منع الصحفيين المدرجين على قائمة الإرهاب من السفر أو وضعهم في قوائم ترقب الوصول، وسحب جوازات سفرهم أو إلغائها، أو منع إصدار جوازات سفر جديدة لهم، إضافة إلى مصادرة أموالهم وتجميد ممتلكاتهم.

لكنّ مشرعين مصريين تحدثوا للجزيرة نت أيدوا توجّه الحكومة المصرية للتوسع في مصطلح الكيانات الإرهابية من أجل قطع الطريق على زعزعة أمن واستقرار البلد عبر بث أخبار ومفاهيم مغرضة من خلال تلك الوسائل، على حد قولهم.

المدهش في الأمر أن هذا التعديل يجري طبخه بهدوء وربما لم يشعر به أحد ولم تتحفظ عليه أي هيئة أو مؤسسة أو نقابة إعلامية أو صحفية أو حتى حقوقية رسمية، وهو ما اعتبره البعض تسليما بالأمر الواقع في ظل انخفاض سقف الحريات بدرجة غير مسبوقة في مصر.

وفي منتصف الشهر الجاري، كشف "التقرير العالمي 2020" لهيومن رايتس ووتش عن تراجع حقوق الإنسان في مصر، وتحدث التقرير عن حجب نحو 600 موقع إلكتروني إخباري وسياسي وحقوقي، بالإضافة إلى مواقع تواصل اجتماعي وتطبيقات للتواصل الآمن دون موافقة قضائية.

وتراجعت مصر مركزين إلى المرتبة 163 عالميا من أصل 180 بلدا، وفق التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2019. واحتلت مصر المرتبة الثالثة بوصفها أسوأ بلد من حيث سجن الصحافيين، بحسب "لجنة حماية الصحافيين".

مواجهة للإرهاب
عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري خالد حماد أيّد التعديلات التي أقرتها اللجنة "بهدف قطع الطريق على الذين يستهدفون ويخربون عقول الشباب، فكثير من الناس لا يعرفون حقيقة الإرهاب، فمثلا يتلاعب البعض بتفسير آيات القرآن لتكفير الدولة"، على حد قوله.

وأوضح في تصريح للجزيرة نت أنه لا بد من تعريف الناس والشباب كيف يعمل البعض على تجنيدهم من خلال تلك الوسائل، نافيا في الوقت نفسه أن يكون الهدف هو التضييق على الحريات أو على الفكر بأي شكل من الأشكال.

واتفق معه في الرأي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة محمود علم الدين الذي أكد أن التعديل يهدف إلى تعديل تعريف الكيان الإرهابي ليشمل القنوات الفضائية المحرضة على الدولة.

وقال في تصريحات صحفية "تعديلات الكيانات الإرهابية تهدف في الأساس إلى اعتبار كل القنوات التي تبث محتوى تحريضيا تضليليا يهدف إلى تشكيل وعي زائف وتعمق عدم الانتماء إلى كيانات إرهابية".

وأشار علم الدين إلى أن غالبية تلك القنوات تبث من لندن وتركيا بدعم وتمويل من جهات دولية وإقليمية، وهذا التعديل يهدف إلى كشفها وكشف مموليها، على حد قوله.

إرهاب دولة
على الجانب الآخر، فنّد السياسي المصري والبرلماني السابق ثروت نافع القانون برمته، وليس التعديلات فحسب، مشيرا إلى أنه "من الواضح أنها وسيلة أخرى من السلطات المصرية لقمع كل منافذ التعبير عن الرأي، والترهيب من أي محاولة لمعارضة النظام".

وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن التعديلات تأتي بالموافقة من برلمان لا يعبر عن الشعب، ولا يحمي حرية التعبير، ولا يحقق تطلعات المصريين، وإنما يلبي أوامر السلطة التي اختارته كواجهة شبه شرعية من أجل تقنين قمع المجتمع المصري.

بدوره سخر المدير العام لقناة "مكملين" الفضائية المعارضة أحمد الشناف من التعديلات التي أجراها البرلمان، قائلا "لم يتبق سوى ضم جموع المشاهدين والمستمعين والقراء إلى التعديل القادم على ما يسمى بقانون الكيانات الإرهابية".

وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع تلك التعديلات إلى رغبة النظام المصري ومسعاه إلى زيادة الحصار على الإعلام والإعلاميين وإرهابهم داخل مصر وخارجها، لأنه يعتبر من يقول كلمة أو يكتب مقالا أو رأيا على صفحات فيسبوك أو مواقع الإنترنت بمنزلة واحدة مع من يقتل أو يحمل سلاحا.

واعتبر أن خشية النظام من الإعلام المعارض وأقلامه تعكس نجاح هذا الإعلام في الوصول للجمهور والتأثير فيه للدرجة التي تدفع النظام لاعتبار الكلمة رصاصا يُطلق، والقلم رشاشا يُحمل، مشيرا إلى أن مثل هذه الإجراءات لن تمنع وصول الحقيقة لمن يريدها.

على المستوى القانوني، وصف المستشار القانوني مختار العشري التعديل بأنه مخالف للدستور والقانون، لافتا إلى أن هذا النظام لا يحترم دستورا ولا قانونا، ولا يحتاج إلى مثل هذه القوانين ليوسع سلطته الاستبدادية.

وأكد في حديثه للجزيرة نت أنه منذ اليوم الأول للانقلاب قد أغلق النظام المصري القنوات الفضائية المعارضة له التي كانت تبث من داخل مصر، ولم يسمح بوجود أي رأي آخر مخالف لرؤيته، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى قانون أو دستور أو برلمان ليقنن ما يريد.

المصدر : الجزيرة