من وراء إشعال نيرانه السلطة أم الثورة؟.. هل تخطى المصريون الانقسام المجتمعي؟
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
"عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، يبدو هذا الهتاف الذي توحدت من أجله حناجر المشاركين في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 منسجما مع تطلعات أي إنسان، رغم ذلك ظل الانقسام المجتمعي حول الفعل الاحتجاجي حاضرا منذ اندلاعه، بل زادت وتيرته بتصاعد الأحداث السياسية التي شهدتها مصر مع الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013.
لم ينحصر الخلاف السياسي داخل إطار الرأي والرأي الآخر، بل امتد إلى ما يمكن تسميتها معركة بقاء الرأي الأوحد، وهو ما نخر في كل أركان المجتمع، بداية من النواة الأولى وهي الأسرة، وصولا إلى كل المؤسسات والكيانات.
تجسدت معركة بقاء الرأي الأوحد عبر وقائع عديدة تُضرب لها الكفوف اندهاشا، فكان أبطالها أفرادا من الأسرة الواحدة أو جيران الشارع أو زملاء العمل، وفي كل واقعة تتنامى مشاعر الأسف على الضحية ومن أذاها بالنظر إلى مآلات المشهد المجتمعي برمته.
وبعد تسع سنوات على خروج المصريين من أجل الثورة، يبدو الانقسام المجتمعي في مرحلة الجمود أو الأفول أو التيبس، فكل فريق يراه من منظار توجهه السياسي، بينما يراقب مسببو الانقسام توجه الرأي العام لعلهم يعيدون الكرة من جديد.
في تلك الفترة نقلت وسائل الإعلام المصرية أخبارا عن مواطنين يقدمون بلاغات تتهم مواطنين آخرين بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، أو لمعارضتهم السلطة في المطلق، ثم انتقل الأمر إلى الحركات الثورية الشبابية، وإلى روابط مشجعي كرة القدم (الألتراس).
وبدت لهجة نقل تلك الأخبار مشجعة على إبلاغ المواطنين عن بعضهم بعضا، وهو ما قاله صراحة المذيع أحمد موسى، حيث دعا المواطنين للإبلاغ عن جيرانهم أو زملائهم في العمل إذا كانوا من الإخوان المسلمين.
من أشهر تلك الوقائع قصة الطالب خالد عبد الحميد ووالده، التي تبدو مربكة لأشد المتشائمين من تفكك النسيج المجتمعي، حيث وصل الخلاف السياسي بينهما إلى حد إبلاغ الوالد الشرطة عن ابنه المعارض.
نجح الفتى في الهرب نحو عشرة أشهر، لكن والده عاد وأبلغ الأمن عندما علم بمكان وجود ابنه، وبالفعل اعتقل في أبريل/نيسان 2015.
وفي رسالة كتبها خالد من داخل المعتقل تحمل تساؤلا يبدو مشروعا "لماذا يا أبي؟"، يحاول الفتى الوصول لسبب منطقي يبرر فعل والده، حيث قال "أتمنى أن يسأل نفسه: هل يصح أن ألقي بابني في يد هؤلاء المجرمين الظالمين؟ ماذا فعل في دنياه ليعيش مطاردا في فترة شبابه ثم يكملها في السجن؟".
وبروح التعصب نفسها أبلغت والدة الناشط علي الزيات عن ابنها الشرطة بتهمة انضمامه لحركة 6 أبريل، حيث توجهت السيدة -محملة بما تعتقد أنها مشاعر وطنية- إلى قسم الشرطة لتتهم ابنها بالاشتراك في مظاهرات ضد النظام.
الغريب أن ضابط الشرطة رفض تحرير المحضر، لكن الأغرب أن السيدة أصرت على موقفها فعادت إلى منزلها واستدعت شرطة النجدة، لتتهم ابنها بعقد اجتماعات سرية مع أعضاء حركة 6 أبريل داخل المنزل، وهذه المرة اعتقل الأمن الابن الناشط السياسي.
وذكر التقرير الذي يحمل عنوان "المصالحة المجتمعية بمصر.. بين عوامل الانقسام ومقومات البناء"، أنه منذ اللحظة الأولى لاندلاع ثورة يناير حدث الخلاف داخل المجتمع بين المؤيدين والمعارضين، بل شمل المحايدين ممن أطلق عليهم لقب حزب الكنبة.
وحسب التقرير، زادت هوة الانقسام في المجتمع بعد الانقلاب العسكري، حيث شهدت مصر انقساما عميقا للغاية، موضحا أن الحكم العسكري لا يبسط شرعيته إلا بخلق حالة من الاستقطاب الشديد يرفع خلالها راية الحرب على معارضيه.
وأضاف أن الانقسام المجتمعي يمكن أن يُصنع صناعة عبر أدوات عدة على رأسها وسائل الإعلام وعلماء الدين، علاوة على الفن بصوره المختلفة، حيث كانت الأغاني من العناصر اللافتة في هذه الصناعة.
وأضاف خضري للجزيرة نت أن ذلك الانقسام كان انقساما مؤقتا، تمت صناعته باستخدام أدوات إعادة توجيه الرأي العام، وما إن خفتت آثار تلك الأدوات حتى بدأ الوعي المجتمعي في الظهور مرة أخرى.
وفرق الباحث في مجال الرأي العام بين الانقسام السياسي والانقسام الحركي، فالأول انتهى تقريبا بسبب ما سماها رعونة النظام وعدم قدرته على احتواء الكثير من التيارات، بالإضافة إلى فشله في ملفات مصيرية كثيرة مثل الاقتصاد ومياه النيل والغاز.
وأشار إلى أن الانقسام الحركي ما زال قائما لانعدام الثقة بين التيارات السياسية المختلفة، وعدم تقديم الأجنحة السيادية المناوئة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمانات كافية لتكوين كتلة حرجة قادرة على إزاحته من الحكم.
وذكر الباحث في كتابه الصادر في يناير/كانون الثاني 2017، أنه لم يحدث في أي وقت أن يصل خطاب الكراهية لدرجة أن يسلم الأب ابنه للسلطة خوفا من العقاب أو طمعا في مكافأة، أو أن يصل الأمر إلى تأليب الزوج على زوجته لانتمائها إلى جماعة الإخوان.
ورأى أن مسؤولية هذه الظاهرة المؤلمة تتوزع بين السلطة والقوى السياسية والإعلام والمجتمع، مضيفا "ورغم أن الإعلام يبدو للوهلة الأولى هو الجاني الأول، فإنه ضحية لأنه يفقد نفسه في غمار انغماسه في نشر خطاب الكراهية، حيث يضعف أداؤه ويتدنى مستوى العاملين فيه، وقد يتعرض إلى انهيار مهني إذا استمر هذا الانغماس لفترة طويلة".