مكافحة الإنجاب.. أين وصلت التجربة الصينية التي استلهمها السيسي؟

epa04538626 Chinese children carrying flowers and flags arrive for a welcome ceremony for Egyptian President al-Sisi at the Great Hall of the People in Beijing, China, 23 December 2014. It is the Egyptian President's first visit to China. EPA/HOW HWEE YOUNG
أطفال صينيون يشاركون في مراسم استقبال السيسي أثناء زيارته الأولى للصين عام 2014 (الأوروبية)

تمثل "شيخوخة العالم" أحد أبرز التحديات التي تميز القرن الحادي والعشرين وفقا للأمم المتحدة، لكن قلة من الدول لا تشكو من هذه الأزمة بل من نقيضها، حيث تسجل معدلات مرتفعة من المواليد.

وخلافا للبلدان "العجوزة" التي باتت تفتقر إلى أعداد كافية من المواطنين الشبان للحفاظ على حيويتها الاقتصادية وتماسكها الاجتماعي، تشكو بعض الدول الفتية من ارتفاع معدل النمو السكاني وتقول إنه عائق في مسار التنمية.

وقد سعت الحكومة الصينية منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى كبح جماح النمو السكاني المتسارع آنذاك، وفرضت سياسة تحظر على المواطنين إنجاب أكثر من طفل واحد.

ونجحت هذه السياسة في تخفيض معدل المواليد بالبلاد، لكن نتائجها في المدى البعيد أدخلت الصين في مأزق آخر، فقد انخفض معدل المواليد بصورة ملحوظة منذ الثمانينيات، وأشارت تقديرات الحكومة إلى أن سياسة الطفل الواحد حالت دون ولادة نحو 400 مليون طفل.

لكن هذا التحول الذي استمر عقودا أفضى إلى زيادة متسارعة في معدل شيخوخة المجتمع الصيني وانكماش في القوة العاملة بالبلاد، واضطرت السلطات إزاء هذا الواقع الجديد إلى إعلان نهاية سياسة الطفل الواحد عام 2015، وبدأت تشجع المتزوجين على إنجاب طفلين.

مجتمع يتغير
غير أن هذه الحملة التي تروج لطفلين بدلا من واحد لم تفلح بعد في وقف الاتجاه نحو الشيخوخة الاجتماعية والاقتصادية.

ففي العام 2019 بلغ معدل الولادات 10.48 لكل ألف مواطن، وهو أدنى معدل منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وبلغ تعداد المواليد إجمالا 14.6 مليون طفل خلال العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الوطني.

وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى أن هذا التحول السكاني المقلق ساهمت فيه تغيرات عدة في المجتمع الصيني، من بينها ارتفاع عدد النساء المتعلمات داخل القوة العاملة واللائي لا ينظرن إلى الزواج كضرورة لتحقيق الأمان المالي.

أما المتزوجون فكثير منهم صاروا يرون الإنجاب خارج حدود مقدرتهم، في ضوء زيادة تكاليف المعيشة وتنامي متطلبات الوظائف من الوقت والطاقة.

وقد أطلقت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية -المدعومة من الدولة- تحذيرات لافتة في هذا الإطار، وقالت في تقديراتها العام الماضي إن عدد سكان الصين سيبدأ في الانكماش عام 2027.

وأشارت إلى أن الصندوق الرئيسي لمعاشات التقاعد الذي يعتمد على ما تجمعه الدولة من ضرائب من القوة العاملة، قد تفرغ خزائنه بحلول العام 2035 بسبب تراجع أعداد العاملين.

ويبلغ مجموع سكان الصين قرابة 1.42 مليار نسمة وفقا لأحدث البيانات المتاحة لدى الأمم المتحدة لعام 2019. وتبلغ نسبة السكان في سن 65 عاما أو أكثر قرابة 12% من مجموع السكان، بينما تبلغ نسبة السكان في فئة 10-24 عاما نحو 17%. ويبلغ معدل النمو السكاني 0.5% سنويا.

تجربة السيسي
وفي مصر -أكثر الدول العربية سكانا- أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي إعجابه بالتجربة الصينية، وأعلن الحرب على الزيادة السكانية باعتبارها خطرا رئيسيا على التنمية التي يرى أنه يحققها بخطى متسارعة، بينما ينفيها معارضوه ويتهمونه بصناعة أزمات اقتصادية واجتماعية.

وأعطى السيسي إشارة البدء في محاكاة التجربة الصينية عام 2018 حين قال خلال أحد المؤتمرات، مخاطبا عامة المصريين "أعطوا أنفسكم فرصة ثلاث أو أربع سنوات بين طفل وطفل، وكفاية طفلين".

وعلى الفور التقطت أجهزة الدولة الإشارة، لتطلق خطة "اثنين كفاية" وتبدأ في تنفيذها على أصعدة عدة، داعية المصريين إلى الاكتفاء بإنجاب طفلين، وإن كانت أحجمت عن صياغة هذه السياسة بصفة إلزامية صارمة كما حدث في الصين.

وانطلقت حملات دعائية مكثفة وخطاب رسمي صارم يقول إن استمرار معدلات الإنجاب المرتفعة لن يؤثر فقط على جودة المعيشة، بل سيشكل تهديدا للأمن القومي المصري، كما أنه سبب رئيسي للفقر.

ومرارا أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي -التي عُهد إليها بدور رئيسي في هذه الخطة- أنه يجب تقليل معدلات الإنجاب في مصر "حتى يشعر المواطنون بعوائد التنمية".

الحرمان من الدعم
وفي البرلمان طُرح مقترح لحرمان الطفل الثالث من الدعم الحكومي، غير أن الإشكالات الدستورية والاعتراضات التي صدرت من داخل دوائر السلطة نفسها حالت دون إصدار تشريع صريح يقضي بذلك.

لكن وزير التموين أعلن في أغسطس/آب الماضي أن الحكومة ستمتنع عن إضافة أي مولود جديد إلى أي بطاقة تموينية تضم أربعة أفراد (زوجين وطفلين)، وهو ما يعني في الواقع حرمان الطفل الثالث من الدعم الذي تقدمه الدولة للفئات المنخفضة الدخل في صورة كميات محددة من السلع الأساسية.

ووفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء المصري، زادت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر زيادة مطردة في عهد السيسي حتى بلغت 32.5% من مجموع السكان، وفقا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017-2018 الذي أعلنت نتائجه عام 2019، وذلك مقارنة مع 26.3% في عام 2012-2013.

وتقول وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد إن السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدل الفقر في السنوات الأخيرة هو تطبيق برنامج "الإصلاح الاقتصادي" الذي تطلب "تكلفة على المجتمع والدولة المصرية"، حسب تعبيرها.

ويبلغ تعداد السكان في مصر قرابة 101 مليون نسمة وفقا لأحدث البيانات المتاحة لدى الأمم المتحدة عن عام 2019، وتمثل شريحة السكان في عمر 10-24 عاما نحو 26% من مجموع السكان.

ويزيد معدل النمو السكاني في مصر على 2% سنويا، وهو مرتفع بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ حوالي 1% سنويا، لكنه قد يعتبر معتدلا إذا قورن بمعدل الزيادة السكانية في دول أفريقية مثل النيجر حيث بلغ 3.8%، أو معدل الانكماش السكاني في دول متقدمة مثل اليابان أو إيطاليا حيث يبلغ 0.1%.

المصدر : الجزيرة