بعد تدشين ورشة لتعديل الدستور.. هل تغير الجزائر نظامها السياسي؟

عبد المجيد تبون يطرح الدستور الجزائري للتعديل ويريد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية (الجزيرة)
عبد المجيد تبون يطرح الدستور الجزائري للتعديل ويريد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية (الجزيرة)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

تثير طبيعة النظام السياسي في الدستور الجزائري جدلا واسعا بين الخبراء والطبقة السياسية على السواء، حيث يصنفه فقهاء القانون الدستوري ضمن الأنظمة شبه الرئاسية، في وقت يعتبره سياسيون نظاما غامضا يتعمد التداخل في علاقات السلطات.
 
وأدّى الأمر -بحسب مراقبين- إلى غموض تلقائي في قواعد اللعبة السياسية بالجزائر، كون النظام السياسي غير قابل لتطبيق المعايير العالمية المعروفة، فلا هو برلماني ولا هو رئاسي.

وبفتح الرئيس عبد المجيد تبون ورشة لتعديل الدستور، تجدّد النقاش بل الخلاف بين الرئاسة والمعارضة من جهة، وبين أطياف الأخيرة نفسها، حول اختيار النظام الأنسب للحالة الجزائرية، وفق خصوصياتها التاريخية ومسار تجربتها الفتية ديمقراطيا.

وتراوحت الآراء المتداولة بين ضرورة الذهاب إلى نظام برلماني أو شبه رئاسي، خاصة أن توجهات الرئيس المعبّر عنها تؤكد انحيازه للنظام الثاني.

‪حمدادوش: العبرة بالممارسة السليمة، وليست‬ 
حمدادوش: العبرة بالممارسة السليمة، وليست بطبيعة النظام السياسي (الجزيرة)
‪حمدادوش: العبرة بالممارسة السليمة، وليست‬
حمدادوش: العبرة بالممارسة السليمة، وليست بطبيعة النظام السياسي (الجزيرة)

صدى الآراء
وتحوّل النقاش إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب البرلماني السابق فاتح قرد على صفحته الخاصة بموقع فيسبوك "من زاوية علمية وبمنهجية المقارنة والاستقراء، فإنّ نظام الحكم شبه الرئاسي الحقيقي هو المناسب للجزائر".

وبرر ذلك باعتبار الجزائر تعيش ديمقراطية ناشئة، بينما يمرّ النظام البرلماني بأزمات دورية حتى في الدول الديمقراطية العريقة، ومظهر الأزمة أوضح في تونس والكويت ولبنان، بحسب قوله.

وشاطره الرأي الإعلامي محمد باشوش الذي قال "أعتقد أنه يجب إعادة التوازن في الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان، باعتماد نظام شبه رئاسي في الدستور الجديد، خاصّة أن الرئيس تبون يجتهد في أن يكون رجل حوار".

غير أنّ النائب لخضر رزاق بارة غرّد قائلا "بحكم تجربتي كنائب، أقترح النظام البرلماني الذي يقوم على التوازن والتنسيق والتعاون ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يكون الوزراء ورئيس الحكومة مسؤولين أمام البرلمان، ناهيك عن أن هذا النظام بإمكانه استيعاب كل التناقضات".

ومثله علّق وليد ولد الصديق بالقول "النظام البرلماني يعطي أهمية للأداء والفاعلية والأهلية لممثلي الشعب في مراقبتهم ومرافقتهم لأداء السلطة التنفيذية، والتي هي في الأساس وليدة أغلبية مقاعده".

علاوة العايب: الجزائر غير جاهزة للنظام البرلماني لأنها تعيش أزمة سياسية (الجزيرة)
علاوة العايب: الجزائر غير جاهزة للنظام البرلماني لأنها تعيش أزمة سياسية (الجزيرة)

اختلاف الأحزاب
والخلاف نفسه كرّسته مواقف الطبقة الحزبية، حيث تميل الشخصيات التي تطمح للمنافسة على قصر المراديّة إلى تبنّي نظام شبه رئاسي يضمن التوازن بين السلطات، وهي حال رئيس حزب طلائع الحريات المستقيل علي بن فليس، ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، والأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي، وفق ما عبر عنه هؤلاء أثناء حملاتهم الانتخابية.

غير أنّ القيادي بحركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش، قال إنّ العبرة ليست في طبيعة النظام السياسي، بل بمدى توفر الممارسة السياسية والديمقراطية السليمة، واحترام معايير الحكم الراشد.

وأكد في تصريح للجزيرة نت أنّ حركته "تؤمن بالنظام البرلماني الذي يضمن توسيع قاعدة الحكم، والتمثيل الحقيقي للشعب، والمصداقية لإرادته عبر الانتخابات التشريعية، ناهيك عن الفصل والتوازن بين السلطات، ويعزز الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة، ويحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية على غيرها، ويعزز فرص نجاحها في التنمية".

تأهيل سياسي
من جهة أخرى، تباينت كذلك رؤى المحللين في الموضوع، حيث دافع أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر علاوة العايب عن أخذ الجزائر بالنظام شبه الرئاسي الذي يؤكد على توصيفه بالنظام المختلط.

وبرّر ذلك بكون الجزائر تتبنى المبدأ الدستوري الكبير القائم على الفصل بين السلطات، والأخير يقتضي التعاون والتوازي، وبالتالي فقد استلهمت من خصائص وصلاحيات النظامين، البرلماني والرئاسي.

وأوضح في تصريح للجزيرة نت أن الجزائر غير جاهزة للتوجه نحو النظام البرلماني، لأنها تعيش أزمة سياسية بامتياز، حيث يرفض الحكام ترك السلطة، ويتمسكون بها ولو بالقوة مهما كانت نتائج الانتخابات.

لكنه رافع في المقابل لتقليص صلاحيات الرئيس، ليتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الحكومة، مؤكدا على ضرورة مشاركة الأحزاب السياسية بصفة إلزامية فيها، حتى لا يذهب خزّانها الانتخابي هدرا، وأعطى مثلا بحركة البناء الوطني التي حاز رئيسها في الاستحقاق الرئاسي الأخير 1.6 مليون صوت، لكنها غير ممثلة في الحكومة الحالية.

‪‬ طيفور: الجزائر تحتاج لبناء مصداقية جديدة تعطي الفرصة لحياة برلمانية حقيقية(الجزيرة)
‪‬ طيفور: الجزائر تحتاج لبناء مصداقية جديدة تعطي الفرصة لحياة برلمانية حقيقية(الجزيرة)

مصداقية برلمانية
من جهة أخرى، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة فاروق طيفور أن "النظام البرلماني ينسجم إلى حدود بعيدة مع التفاعل الديمقراطي في البلاد العربية، كونها تعيش دكتاتوريات وراثية قديمة، وأيّ تشريع دستوري يتيح للرئيس صلاحيات واسعة سيزيده  طغيانا".

وقال في تصريح للجزيرة نت إن "التجربة الجزائرية جربت أنماطا متنوعة من أشكال الأنظمة السياسية، ولكن لم توفر لها فرص التقييم الحقيقي، بسبب التزوير وتأجيل التداول السلمي على السلطة والخوف من التغيير ومقاومته".

ويرى أن المرحلة الجزائرية تحتاج الى بناء مصداقية جديدة، تعطي الفرصة لحياة برلمانية حقيقية، لا سيما في حالة تعذر التنافس على كرسي الرئاسة بشكل ديمقراطي.

ولذلك -يضيف طيفور- فإن النظام البرلماني يوفر بشكل مؤقت حالة الانتقال، ثم يمكن للنخب السياسية التي تكون قد رفعت من مستوياتها أن تتوافق على مزيج بين الرئاسي والبرلماني، كما فعلت بعض النخب في أوروبا، بدسترة التعايش بين الرئيس والوزير الأول.

وتابع أن استقرار الحياة السياسية وتحقيق المصالحة والسلم والتنمية في سلم أولويات الحكومات الجزائرية، وهذا يتحقق بنظام برلماني يساعد على توافر مجلس وزراء متجانس، وضمان فوزه بالثقة أمام البرلمان طوال الفترة التشريعية.

المصدر : الجزيرة