عودة "كلنا خالد سعيد".. مبادرة للإصلاح أم إثارة للجراح؟

blogs وائل غنيم
وائل غنيم أثار الجدل بعد عودته للكتابة على صفحة "كلنا خالد سعيد" (مواقع التواصل الاجتماعي)
 دعاء عبد اللطيف-القاهرة

قبل نحو عشرة أعوام ظهرت صفحة "كلنا خالد سعيد" على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، صرخةً شبابيةً على مقتل الشاب المصري خالد سعيد على يد رجال شرطة، ولقيت تفاعلا من جانب الملايين على الشاشات الإلكترونية، وهو ما تُرجم إلى حركة واقعية بالدعوة للتظاهر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وبعد سنوات مثقلة بالثورة والدماء عادت صفحة "كلنا خالد سعيد" إلى التفاعل بعد توقف دام أكثر من سبعة أعوام، إذ ظل بيان القوات المسلحة يوم 3 يوليو/تموز 2013 الذي أطاح بالرئيس المدني الدكتور محمد مرسي هو المنشور المثبت للصفحة طيلة تلك الفترة.

لكن عودة "كلنا خالد سعيد"، التي تصادفت مع الذكرى التاسعة لنجاح الثورة التونسية، تبدو محيرة بسبب محتوى المنشورات الجديدة الذي صدم المتابعين.

واعتبر المتابعون -من خلال تعليقاتهم على المنشورات الجديدة- المحتوى المقدم لا يليق باسم الشهيد الذي كان سببا في إشعال شرارة ثورة يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة، ولا يحافظ على نقاء الهدف الذي تأسست من أجله الصفحة.

اللافت أن ظهور اسم خالد سعيد على سطح المشهد العام في مصر، يأتي بالتزامن مع دعوات للتظاهر في الذكرى التاسعة للثورة أطلقها المقاول محمد علي الذي سبق ودعا لحراك 20 سبتمبر/أيلول الماضي حيث نزل مصريون إلى الشوارع لأول مرة منذ سنوات للمطالبة بإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي.

هذه الأجواء المتأهبة لما سيجري خلال الأيام المقبلة تفتح الباب للتساؤل حول مغزى عودة الصفحة للتفاعل بمنشورات تدعو للتهدئة وعدم التظاهر، وعما إذا كانت "كلنا خالد سعيد" ما زالت قادرة على توجيه الرأي العام كما فعلت قبل تسع سنوات.

صفحة
صفحة "كلنا خالد سعيد" أسهمت في دفع المواطنين للمشاركة في ثورة 25 يناير (رويترز)

دعوة للتهدئة
"سنخرج بمسيرات في كل مساجد وكنائس مصر الكبرى متجهين ناحية الميادين العامة ومعتصمين حتى ننال حقوقنا المسلوبة. مصر ستخرج بمسلميها ومسيحييها من أجل محاربة الفساد والبطالة والظلم وغياب الحرية"، هكذا أطلقت صفحة خالد سعيد الدعوة لتظاهرات 28 يناير 2011 والمسماة بجمعة الغضب.

ورغم استمرار الفساد والبطالة والظلم وغياب الحرية، بعد تسع سنوات من الثورة، فإن صفحة خالد سعيد أطلقت هذه المرة دعوة للتهدئة ولتسامح المصريين مع بعضهم، معتبرة أن ذلك هو المخرج للأزمات التي تواجهها بلادهم.

بل إنها زادت على ذلك بتقديم الاحتفال بعيد الشرطة على إحياء ذكرى ثورة يناير، في أحد المنشورات، إلى جانب بث عدد من مقاطع الفيديو لأحد مؤسسي الصفحة وائل غنيم، وهو يرقص وينتقد معارضيه.

الغريب أن غنيم وجه انتقادات لاذعة لمعارضي عودة الصفحة على نحو يصيب ذكرياتهم مع الثورة في مقتل، وحاول إثبات أنه المؤسس الوحيد لـ "كلنا خالد سعيد" وصاحب الدعوة للثورة.

في أحد المنشورات يتحدث غنيم عن امتلاكه تسجيلا صوتيا لأحد مؤسسي الصفحة، عبد الرحمن منصور، يثبت أن الأخير كان مجرد مساعد له في إدارة الصفحة.

وكان وائل غنيم اختفى من المشهد السياسي عقب الانقلاب العسكري في مصر، ولم يعد للظهور إلا مع التأثير اللافت للمقاول محمد علي، في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث وجه الأول انتقادا للأخير باعتباره يحاول هدم الدولة المصرية!

إثارة الجراح
المنشورات الجديدة للصفحة لم تحمل فقط استفزازا فقط لشركاء الثورة بل قلبت أوجاع السنوات التسع، وهو ما ظهر في تعليقات رواد منصات التواصل الاجتماعي الذين هاجموا شخصنة "كلنا خالد سعيد" وتقديم رؤية فردية يمتلكها غنيم.



واعتبرت سارة الموت خيارا أفضل من اعتبار صفحة "كلنا خالد سعيد" ليوم 25 يناير عيدا للشرطة.

وكتبت "حقيقي كنت أتمنى ربنا يأخذني قبل اليوم اللي أشوف (الذي أرى) فيه صفحة كلنا خالد سعيد كاتبة إن 25 يناير عيد الشرطة، وكلنا إيد (يد) واحدة وتحيا مصر وأشياء من هذا القبيل".



بينما دعا محمد جلال لإغلاق الصفحة احتراما لما سماه الذكرى الجميلة، لافتا إلى تشكك البعض من كون أجهزة أمنية تولت إدارتها.

وعلق "لو فعلا بتحترم الناس اقفل صفحة كلنا خالد سعيد وسيب (ودَعْ) الذكرى الجميلة للصفحة، معظم الناس بقت (بقيت) شاكة إنك سلمتها للمخابرات وكل اللي (الذي) بتعمله دا (ما تفعله) لتشتيت الناس عن الثورة".



وبلهجة ناصحة، وجه الإعلامي أسامة جاويش رسالة إلى وائل غنيم يدعوه فيها إلى التوقف عن كتابة منشورات عبر صفحة "كلنا خالد سعيد".

وقال -خلال تقديم برنامجه على قناة الحوار- إن الصفحة ليست ملكا شخصيا لغنيم، مطالبا إياه باحترام الجيل الذي عانى من الانكسار وقسوة الهزيمة وتشتت مصيره بين القتل والاعتقال والانتحار والاكتئاب.

وأضاف أن "كلنا خالد سعيد" هي منصة تملكها الثورة وتحمل رمزية كبيرة عند المصريين، واصفا توقيت ظهور غنيم بالتزامن مع ظهور مقاول الجيش المنشق محمد علي بالمخيف والمقلق.

تعزيزات أمنية على مدخل ميدان التحرير (رويترز)
تعزيزات أمنية على مدخل ميدان التحرير (رويترز)

اعتذار ومبادرة
وأمام حالة الغضب الكبير من الطريقة التي عادت بها "كلنا خالد سعيد"، حذف وائل غنيم كل المنشورات الجديدة مكتفيا بمنشور يعتذر فيه عما وصفه بالطريقة المستفزة لسياسة الصفحة.

وعبر مقطع فيديو لاحق طرح غنيم مبادرة تحت اسم "طالعين 25 يناير" التي تدعو الدولة للإفراج عن معتقلي الرأي.

ومن جهته، أشار الناشط السياسي أحمد البقري إلى دور صفحة "كلنا خالد سعيد" في انطلاق شرارة ثورة 25 يناير، غير أنه فرّق بين هذا الدور وبين الثورة نفسها.

وتابع في حديثه للجزيرة نت، الصفحة ليست هي الثورة، فالشعب خرج بالملايين في الشوارع طامحا في التغيير وتلمس الحرية بعد نجاح ثورة الشعب التونسي.

ولا يجد البقري تفسيرا يمكن الجزم به بخصوص طريقة إدارة غنيم للصفحة والهدف منها، فلا يمكنه تأكيد أو نفي وجود جهات أمنية وراء عودة "كلنا خالد سعيد" على النحو الجديد.

لكن المؤكد من جهة الناشط السياسي أن هناك شيئا مريبا يحدث، "فلا يمكن أن تكون محاولة تثبيط الشارع وتشويه شباب ثورة يناير مجرد مصادفة دون تخطيط".

وعما إذا كانت الدعوات الإلكترونية قادرة على إعادة توجيه الرأي العام مرة أخرى، قال البقري إن مصر تعيش حاليا مرحلة غير مسبوقة تاريخيا، حيث انعدمت الحياة السياسية تماما، لذلك فستكون حركة الشارع هي صاحبة الكلمة الفصل.

أما عدول غنيم عن طريقة إدارة الصفحة في الساعات الأخيرة، ففسره الناشط السياسي بأن الغضب الشعبي تجاه ظهور غنيم بشكل يشوه جيل يناير جعله يتراجع ويعود إلى اللغة التي بدأ بها قبل ثلاثة أشهر، وهي "عدم الضرب في ثورة يناير وأنا ضد السيسي بس بلاش (لكن دون أن) نخرب البلد" حسب قوله.

المصدر : الجزيرة