لماذا وافق حفتر على وقف إطلاق النار؟

تحت ضغط دولي رضخت مليشيات خليفة حفتر للمبادرة التركية الروسية لوقف إطلاق النار ابتداء من أمس الأحد، بعد أن رفضتها قبل ثلاثة أيام، مما يعكس أن المزاج الدولي المتغاضي عن جرائم حفتر وحلفائه بدأ يتغير منذ مجزرة طلبة الأكاديمية العسكرية في العاصمة طرابلس، واقتراب عقد مؤتمر برلين نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.

فحفتر لم يستجب من قبل لدعوات دولية عدة -بما فيها الأميركية- لوقف إطلاق النار، مما يعكس أنه تعرض لضغط قوي من حلفائه، وعلى رأسهم الروس، مما دفعه للتراجع خطوة إلى الوراء.

وأبرز التغييرات الدولية التي دفعت المجتمع الدولي إلى زيادة نسبة ضغطه على حفتر دخول المرتزقة الروس أرض المعركة لصالح حفتر، مما أثار قلق الولايات المتحدة، وقرار تركيا بموافقة برلمانها على إرسال جنودها إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق (المعترف بها دوليا)، مما حرك المياه الراكدة وبدأ في موازنة الموقف العسكري الميداني.

كما أن خروج الجزائر من أزمتها، وتكشيرها عن أنيابها في وجه ما وصفته "العدوان"، وإعلانها أن "طرابلس خط أحمر"، واتصالها بمختلف الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي للدفع بالحل السياسي وامتصاص حدة النزاع زاد الضغط على حفتر وحلفائه، لأنه أظهرهم طرفا معتديا ورافضا للحوار.

أما الاتحاد الأوروبي -الذي ترك الملف الليبي بين أيدي فرنسا وإيطاليا المتنازعتين على النفوذ في بلاد عمر المختار- فوجد أن تركيا وروسيا سحبتا منه البساط، خاصة بعد أن أصبح لهما موطئ قدم في ليبيا، واتفاقهما على مبادرة وقف إطلاق النار التي لقيت استجابة من طرفي النزاع.

تدارك المواقف الأوروبي
لكن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشكل طارئ في بروكسل يوم الجمعة الماضي جاء لإعادة تدارك الموقف في ليبيا، ورسم إستراتيجية تحرك في هذا الملف، من خلال تأكيد دعمه مؤتمر برلين ودعوته لوقف إطلاق النار.

أما أكبر الخاسرين في الحراك الدولي الأخير فهما الإمارات ومصر الداعمتان لحفتر، واللتان تقلص دورهما في ليبيا بعد دخول كل من روسيا وتركيا إلى ميدان الصراع.

فمعارضة القاهرة قرار تركيا إرسال جنودها إلى ليبيا بطلب من الحكومة الشرعية أوقعها في تناقض، بحكم أنها من أول البلدان التي تدخلت عسكريا لدعم مليشيات متمردة على الحكومة الليبية، وظهر ذلك جليا في بيان الجامعة العربية الذي رفض جميع التدخلات الأجنبية "أيا كان نوعه".

وعبثا حاول الأمين العام للجامعة العربية (وزير خارجية مصر سابقا) أحمد أبو الغيط قصر "التدخلات الأجنبية" على غير العرب، مما قلب السحر على الساحر، خاصة بعد تأكيد بيان الجامعة على شرعية حكومة الوفاق.

وهذا التسابق الدولي نحو ليبيا من شأنه زيادة الضغط على حفتر لوقف هجومه المتعثر على طرابلس، خاصة مع بداية تبلور موقف دولي مطالب بوقف إطلاق النار وداعم للحل السياسي قد يتجسد في مؤتمر برلين.

تعزيز المواقع
رغم أن مليشيات حفتر أوقفت إطلاق النار تحت ضغط دولي -وروسي خاصة- فإن ذلك سيسمح لها بتعزيز مواقعها التي سيطرت عليها في الأشهر الأخيرة، سواء في محيط طرابلس أو بمدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) التي دخلتها في 7 يناير/كانون الثاني الجاري.

كما يمكن أن تحشد مليشيات حفتر المزيد من العناصر، سواء من أفراد الشرطة أو المرتزقة الأجانب، ومحاولة إغراء كتائب تابعة لحكومة الوفاق بالمال والمناصب أو باستغلال العنصر القبلي أو الأيديولوجي كما حدث في سرت.

يضاف إلى ذلك إمكانية تحريك مليشيات حفتر منظومة بانستير المضادة للطيران، أو المدفعية الثقيلة التي يتجاوز مداها 10 كلم نحو مناطق متقدمة جنوبي طرابلس، مما يضيق الخناق أكثر على قوات حكومة الوفاق.

أما بالنسبة لحكومة الوفاق فيمثل وقف إطلاق النار فرصة لالتقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف وتوزيع القوات، وتقوية الدفاعات، خاصة في المحاور التي تتحمل الجزء الأكبر من ضغط المعركة، مثل محوري صلاح الدين والخلاطات جنوبي طرابلس، وكذلك استئناف الرحلات الجوية في مطار معيتيقة الدولي (المنفذ الجوي الوحيد بطرابلس).

وليس واضحا كم سيصمد وقف إطلاق النار في ظل اتهامات الطرفين لبعضهما بخرقه، لكن على الأغلب ستسعى القوى الدولية -وعلى رأسها تركيا وروسيا- إلى استمراره لأطول مدة ممكنة حتى التوصل إلى اتفاق دائم بعد عقد مؤتمري برلين وجنيف.

ومن المؤكد أن كل طرف سيحاول الاستفادة من وقف إطلاق النار لتعزيز موقفه التفاوضي أو الاستعداد لجولة جديدة من المعارك.

المصدر : وكالة الأناضول