طبول ومزامير وعرائض.. عودة قوية "للمناشدين" برئاسيات تونس

Supporters react after Tunisian Prime Minister Youssef Chahed submitted his candidacy for the presidential elections, in Tunis, Tunisia August 9, 2019. REUTERS/Zoubeir Souissi
أنصار أحد المترشحين لرئاسيات 2019 خلال تجمع انتخابي (رويترز)

آمال الهلالي-تونس

على وقع الحملات الرئاسية للمرشحين للانتخابات، تنوعت أشكال الدعاية والمساندة للمرشحين بمختلف مشاربهم. ولم يخل المشهد من مظاهر تزلف ومناشدات كالتي شهدها عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بعد أن ظن كثيرون أنها ولت دون رجعة.

وفجرت عرائض ودعوات مساندة للمرشح يوسف الشاهد وأخرى لعبد الكريم زبيدي وعبد الفتاح مورو موجة من الجدل، ليس فقط بسبب مضمونها، بل لإقحام أسماء معروفة دون علمها، ليعود الحديث من جديد حول عقلية المناشدة التي طبعت حكم بن علي.

وتداول نشطاء التواصل الاجتماعي عريضة مساندة للمرشح الشاهد تضم شخصيات فنية وثقافية ورجال أعمال، أكد بعضهم بشكل صريح عبر تدوينات على صفحاتهم الشخصية صحتها في حين ندد آخرون بإقحام اسمهم دون علمهم.

وسارع المؤرخ عبد الجليل بوقرة لنشر تدوينة عبر صفحته الشخصية، ندد خلالها بما اعتبره حشرا لاسمه ضمن تلك القائمة مستنكرا اعتماد تلك الأساليب.

بدوره، نفى رئيس اتحاد الكتاب صلاح الدين الحمادي مساندته للشاهد، مهاجما في بيان شديد اللهجة -نشره عبر الصفحة الرسمية للاتحاد- القائمين على الحملة الانتخابية للشاهد.

وروجت صفحات عبر فيسبوك لصورة جمعت بين المرشح مورو مع الفنان لطفي بوشناق، معلنة بما لا يدعو مجالا للشك مساندته المطلقة له، لينشر الفنان عبر صفحته الرسمية تدوينة ينفي عبرها دعمه لمرشح النهضة.

وأكد بوشناق مخاطبا جمهوره والرأي العام أنه سوف يبقى على نفس المسافة من كل المرشحين، ويكون "سندا لمن يختاره الشعب عن طريق الاقتراع مهما كان طيفه السياسي".

وسبق أن أثار مجموعة من البرلمانيين الجدل بعد توقيعهم على عريضة لمناشدة وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي للترشح للرئاسة، كما أمضى مجموعة من الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية على عريضة إلكترونية لحشد الدعم له.

قوائم العار
وبعد الثورة التي أطاحت بنظام بن علي، تداول التونسيون ما اصطلح على تسميته حينها "قوائم العار" والتي ضمت شخصيات فنية وسياسية وإعلامية ورياضية ناشدت بن علي الترشح لعهدة جديدة عام 2014.

وانبرى نشطاء التواصل من الوجوه الثورية في نشر غسيل العديد من الفنانين والرياضيين والمثقفين والإعلاميين مذكرين إياهم بمواقفهم المساندة لنظام بن علي، في حين حاول بعضهم تبرير مواقفه بإحكام الرئيس حينها قبضته على الدولة واعتماد أساليب الترهيب والقمع.

وكانت عبارات من قبيل "أربعطاش بعد ألفين ما ينجمها كان الزين" وتعني أن (سنة 2014 لا يقدر عليها إلا زين العابدين) وكذلك "الله أحد بن علي ماكيفو حد" وتعني (والله الواحد الأحد لا يوجد مثل بن علي). وقد قد مثلت بعد الثورة مادة للسخرية والتندر بين التونسيين لإبراز حالة الخنوع وتقديس الرئيس التي كانت تميز فترة حكمه.

دعم
مقابل ذلك لم يخف اليوم فنانون ومثقفون دعمهم العلني لهذا المرشح أو ذاك والترويج لمواقفهم عبر صفحاتهم الاجتماعية، حيث عبرت الممثلة منال عبد القوي عن دعمها للشاهد، في حين أعلن الكاتب والجامعي رشيد قرقوري دعمه للزبيدي.

وأكد الفنان المسرحي لسعد الجموسي إمضاءه على عريضة لدعم الشاهد، مشددا في حديثه للجزيرة نت على أن ما فعله بعيد كل البعد عن أساليب المناشدة التي طبعت حقبة بن علي، وبأنها نابعة من قناعة وتدبر.

وندد الجموسي بما وصفها محاولات "ترهيب فكري" تعرض لها، بسبب موقفه الداعم للمرشح، مؤكدا أن دعمه للشاهد يأتي من منطلق دراية بقدرته على إنقاذ البلاد من براثن "الإسلام السياسي ولوبي الفساد".

طبل ومزمار
ولم تخل حملات الدعاية لبعض المرشحين من استعراض فلكلوري بالطبل والمزمار والتصفيق والرقص وإلقاء قصائد مدحية، بحضور المرشحين وأنصارهم على غرار ما حدث مع المرشحة للرئاسة عبير موسى.

تكرر الأمر مع الشاهد حيث رفع مساندون له عبارات من قبيل "بالروح بالدم نفديك يا شاهد" إبان إيداعه ملف ترشحه للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مما خلف حالة من الاستنكار والتندر.

ويرى الباحث المختص بعلم الاجتماع محمد بن سالم أن السياق العام -الذي برزت فيه ظاهرة المناشدة قبل الثورة وفي عقود الاستبداد- تختلف عن مثيلتها بعد الثورة، لافتا لما وصفه بحشر أسماء مفكرين وشخصيات عامة ضمن عرائض المناشدة دون استشارتهم.

وأوضح أن ما تبديه اليوم بعض الشخصيات العامة من مفكرين ورجال ثقافة وإعلام -من طقوس الولاء والطاعة لبعض الوجوه السياسية- هو طمع وليس خوفا بهدف البحث عن امتيازات شخصية.

وأعرب بن سالم عن استيائه من عودة مظاهر المساندة لوجوه سياسية من قبل شخصيات يفترض أنها من النخب المثقفة، مؤكدا أن سلوكياتهم وإن كانوا أحرارا فيها، غير أنها تسيء لصورة تونس والانتقال الديمقراطي وتنتقص من صورة المثقف لدى عامة الناس.

وخلص إلى أن بيانات المناشدة وعرض القوائم الإسمية للأشخاص علنا وإبراز المواقف عبر ثقافة "الطبل والمزمار" من شأنها أن تخلق حالة من الصراع والاصطفاف الحزبي أو الأيديولوجي وتشوه سرية العملية الانتخابية.

المصدر : الجزيرة