"الثروات المنهوبة".. تحقيق للجزيرة يكشف علاقة السعودية والإمارات بفضائح الصندوق السيادي الماليزي

تبث الجزيرة مساء اليوم الأحد عند الساعة العاشرة وخمس دقائق بتوقيت مكة المكرمة (السابعة وخمس دقائق بتوقيت غرينيتش) تحقيقا عن الصندوق السيادي الماليزي وما تعلق به من فضائح فساد.

ويتحدث التحقيق -الذي يحمل عنوان "الثروات المنهوبة"- عن صندوق "ماليزيا ديفلوبمنت بيرهاد" الذي أنشأه رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق عام 2009، قبل أن تتراكم الديون على الصندوق بمليارات الدولارات في 2015.

كما يشير إلى أبرز الشخصيات المرتبطة بهذا الصندوق السيادي، وتورطها في التربّح من خلاله، وكيف بدأت تتكشف خيوط اللعبة الكبيرة التي خلفت صدى عالميا في مجال الاقتصاد والأعمال.

ووُضع في قفص الاتهام كل من رئيس الوزراء الماليزي السابق، ورجل الأعمال جو لو، إضافة إلى السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، ورجل الأعمال السعودي طارق عبيد، وغيرهم.

ووصفت صحيفة "تايمز" فضيحة الفساد المالي لهذا الصندوق بأنها "أكبر فضيحة فساد في العالم"، وأشارت إلى أن التحقيقات حول هذا الفساد تجري في ثلاث قارات.

وأوضحت أن هناك دعاوى في أميركا تزعم أن نحو 4.5 مليارات دولار سرقت من هذا الصندوق، وأُنفقت في شراء أعمال فنية وأبنية ومجوهرات ويخت مترف.

ويذكر التحقيق أن قضية الصندوق الماليزي تشكل "مثالا حيا لسقوط رجال السياسة في وحل الفساد، حين تداخلت مصالحهم مع جشع رجال الأعمال، وتحالفوا مع أطراف خارجية تزرع الشقاء في العالم، لتحصد السعادة في ممالكها".

بداية الحلم
في عام 2009، انتخب الماليزيون رئيسا جدیدا للوزراء؛ محمد نجیب عبد الرزّاق، المعروف بنجیب رزّاق، وتمنى المالیزیون أن یحمل الابن إرث عائلته، وأن یصنع ثورة سیاسیة في مالیزیا، كما أسھم أبوه في استقلالھا قبل بضعة وستین عاما.

كان نجیب عضوا في حزب اتحاد المنظمة المالیزیة الوطنیة (أمینو) الحزب الذي یحكم البلاد منذ أكثر من نصف قرن، والذي ظل اقتصاد مالیزیا مزدھرا طوال سنوات حكمه.

وعد نجیب بانتھاج سیاسات أكثر انفتاحا عن سابقیه، وكان تعزیز علاقات مالیزیا بالشرق الأوسط واحدا من وعوده الرئیسیة.

لم یكن ذلك ھو ما اعتمد علیه نجیب فقط في ذلك الشأن؛ فهناك شخص آخر كان له دور كبیر في تشكیل علاقته بالشرق الأوسط، إنه رجل الأعمال "جو لو".

فعندما كان في 16 من عمره، كان "لو" یدرس في مدرسة ھارو الداخلیة في لندن، وھناك تعرّف على رضا عزیز، ابن روزماه منصور، زوجة نجیب رزّاق الذي كان وزیرا في حكومة مھاتیر محمد في ذلك الوقت.

بعد "ھارو" التحق "لو" بمدرسة وارتون التجاریة المرموقة، التي تشمل قوائم خریجیھا الرئیس الأميركي دونالد ترامب.

كانت علاقات "لو" قویة بالروابط الطلابیة، مما سھّل له تكوین صداقات مع زملاء دراسته من أبناء الأسر الحاكمة، وبعض الشخصيات التي ستصبح نافذة في منطقة الشرق الأوسط في وقت لاحق، ومن هؤلاء یوسف العتیبة، الدبلوماسي الإماراتي والمقرّب من الشیخ محمد بن زاید آل نھیان ولي عھد أبو ظبي، الذي قدم له "لو" فرص استثمارات محتملة مع مالیزیا وشراكة شخصیة سال لھا لعاب الدبلوماسي الإماراتي، وفتح إثرھا لـ"لو" جعبة علاقاته الشخصیة، ومكّنه من فرصة بناء علاقات مع القادة العرب المؤثّرین.

الأمل المتبدد
بعد أربعة أشھر فقط من تولي نجیب رزّاق رئاسة الوزراء، كان ھو و"لو" في أبو ظبي، حیث أعلن نجیب تشكیل صندوق ثروة مالیزي جدید، بغرض جذب الاستثمار الدولي، سمّي ھذا الصندوق باسم "إم.دي.بي1" (1MDB)، ومُوّل بأكثر من ملیار دولار من السندات الإسلامية.

أقام "لو" علاقات مع طارق عبید، ذي السیرة المھنیة الفارغة تماما قبل أن یكون الشریك المؤسس والرئیس التنفیذي لبترو سعودي، والشقیق الأصغر لنواف عبید المستشار الخاص السابق للحكومة السعودیة.

وفي سبتمبر/أيلول 2009، تم التوقیع على إنشاء مشروع مشترك بین الصندوق وبترو سعودي، صدّق الاتفاق على تحویل دفعتین مالیتین بقیمة إجمالیة قدرھا ملیار دولار من أموال الصندوق إلى شركة خارجیة تدعى "جود ستار" مدرجة كشركة تابعة لشركة بترو سعودي.

قدّم صندوق الاستثمار المالیزي باعتباره طریق تحویل كوالالمبور إلى مركز مالي ینافس ھونغ كونغ وسنغافورة، لكنّ الشيء الوحید الذي تحوّل كان الوضع المالي لـ"جو لو" الذي أصبح ملیاردیرا.

في الوقت الذي أنفق فیه "لو" مئات الملایین من الدولارات على ملذاته الشخصیة، كان ھناك رجل غاضب مما حدث معه.

تصاعدت حدة الأمور بین خوستو وصدیقه طارق عبید، وقدّم إثرھا خوستو استقالته وطالب بعدة ملایین كمكافأة نھایة الخدمة، الأمر الذي قُوبل بالرفض من قبل طارق عبید… وغادر خوستو الشركة دون تعویض، لكن مع ما ھو أكثر قیمة بكثیر.

كانت ھذه قطعة الدومینو الأولى التي تسقط، وبدایة انھیار إمبراطوریة "جو لو" ونجیب رزاق.

شراكة مع بنك غولدمان ساكس
سعى "لو" لبناء شراكة تجاریة مع واحد من أكبر البنوك الاستثماریة في العالم، بنك "غولدمان ساكس"، وهي خطوة أثارت تساؤلات عدة حول الدّافع من ورائھا.

وفي عام 2013، كان الوضع السیاسي لنجیب رزاق محفوفا بالمخاطر قبل الانتخابات الوطنیة في مایو/أيار من العام نفسه. استطلاعات الرأي كانت تشیر إلى احتمالات فوز منافسه، نائب رئیس الوزراء السابق أنور إبراھیم. الأسوأ من ذلك أن أنور وعد بإغلاق "إم.دي.بي1″، وإجراء تحقیق حوله إذا تمّ انتخابه.

كان نجيب قلقا وخائفا من انكشاف الحقيقة، وكان لا بد له من التصرف سریعا، وبذل كل ما یستطیعه لتحویل دفة التصویت لصالحه، وهو أمر يحتاج أموالا كثيرة.

ذھب وصدیقه "جو لو" إلى جولدمان ساكس طالبا صفقة سریعة وسریة وضخمة بقیمة ثلاثة ملیارات دولار أخرى، وخلال أقل من ثلاثة أشھر، كانت جولدمان ساكس قامت بتحویل قیمة الصفقة.

أفلت نجيب ھذه المرة، وتمكن من تشكيل حكومته بأغلبية بعد فوزه بمقاعد برلمانية كافية، ولكن الاحتجاجات اندلعت لاحقا.

بداية الانهيار
في عام 2014، كانت الصحفیة المستقلة "كلیر براون" تجري تحقیقا في أمر الصندوق، تمكنت عبر أحد مصادرها من الوصول إلى خوستو، لم تستغرق وقتا للتفكیر، وسرعان ما عقدت اجتماعا معه، وفي نھایة ذلك العام رتبت كلیر اجتماعا بين الرئیس التنفیذي لصحیفة "إیدج" "ھو كاي تات" وخوستو.

خرج كل من كلیر و"ھو" بتسعین غیغابایتا من معلومات القرص الرئیسي لشركة بترو سعودي، الذي یحتوي على ملایین المستندات ومئات الآلاف من رسائل البرید الإلكتروني.

كانت ھذه قطعة الدومینو الأولى التي تسقط، وبدایة انھیار إمبراطوریة "جو لو" ونجیب رزاق.

في ربیع عام 2015، كانت سبعة أعوام كاملة قد مرت وعشرة ملیارات دولار قد أھدرت، ولكن بزغ ضوء في نھایة النفق المظلم، حين تمكن "ھو" وفریقه من الغوص عمیقا في بحر المعلومات الخاصة ببترو سعودي.

في أواخر فبرایر/شباط، ومطلع مارس/آذار 2015، بدأ كل من كلیر ومؤسسة إیدج نشر ما لدیھما من أدلة موثّقة على سرقة "جو لو" أموال الصندوق عبر شركة جود ستار عام 2009، كما أظهرت وثائق تورط طارق عبید وغیره في ھذه السرقة، وأظھرت أیضا تورط رئیس الوزراء المالیزي في ذلك الوقت نجیب رزاق.

بعد نشر المقال الأول، وُضع خوستو في السجن في تایلند لمدة 18 شھرا. وكان المصدر الرئیسي لھذا الكشف الھائل، وكان أیضا أول المتضررین منه.

استمر طوفان المقالات الكاشفة، كل مقالة تكشف المزید من التفاصیل حول مستویات الفساد والسرقة والإهدار.

وردا على ھذا، شكّلت فرق تحقیق على نطاق واسع من قبل الھیئات المالیزیة ووزارة العدل الأميركیة.

نجيب يغرق
في الوقت نفسه الذي كانت الوكالات الأميركیة تقتفي آثار معاملات الصندوق المتعددة مع الحسابات الخارجیة والبنوك الكبرى في نیویورك وسویسرا وسنغافورة وغیرھا، كان سیل البلاغات عن "إم.دي.بي1" لا یتوقف، وتحدیدا عن نجیب رزاق، وبدت ردة الفعل كأنھا ثورة.

قال نجیب إن ھذه الأموال كانت ھدیة شخصیة من المملكة العربیة السعودیة، ووزیر الخارجیة السعودي حينها عادل الجبیر أیده أیضا، لكن كل ھذا لم یلق قبولا لدى المحتجین.

بدأ نجیب استخدام سلطاته بدیكتاتوریة واستبداد، فعلق التحقیق الحكومي حول "إم.دي.بي1″، وسحب ترخیص النشر الخاص بمؤسسة "إیدج" الإعلامیة، وأقال نائبه عن العمل كونه كان یطالب بتحقیق كامل حول ما أثیر.

أما أنور إبراھیم، الزعیم الشعبي المعارض الذي كاد أن یطیح بنجیب في انتخابات 2013، فقد كان یقبع في السجن لفترة.

ظل نجیب على تحدیه المعلن، حتى طالبه رئیس الوزراء الأسبق والسیاسي الشھیر مھاتیر محمد بالاستقالة، وأعلن حینھا خوضه الانتخابات ضده عام 2018، وحینھا فقط بدأت المعارضة امتلاك الفعل، لا ردة الفعل.

مع ارتداء المعارضة حلتھا الجدیدة، وتحالف أعداء الأمس مھاتیر وأنور أمام نجیب، رسمت خطوط معركة الانتخابات.

ظهرت نتائج الانتخابات وبدا أن نجيب خسرها مقابل فوز تحالف مهاتير وأنور.

أحجار الدومينو
وعلى الفور، وبعد عشر سنوات من تدمیر ممنھج للاقتصاد المالیزي، كان من حق الدولة المالیزیة أن تخطو مرة أخرى للأمام.

سجلت حملات الشرطة المالیزیة على عقارات نجیب 12 ألف قطعة مجوھرات، وأكثر من خمسمئة حقیبة ید وأربعمئة ساعة رولكس، وملایین من النقد بقیمة إجمالیة زادت على ربع ملیار دولار.

حاول نجیب وزوجته الھروب من البلاد، لكن في الثالث من یولیو/تموز 2018، ألقي القبض على نجیب، واتھم بإساءة استخدام السلطة وخرق الثقة، بعدھا أضیفت أكثر من 25 جریمة إضافیة للائحة اتھامه، الأمر الذي یجعله یواجه عقوبة السجن مدى الحیاة.

أما زوجته روزما، فقد تم استدعاؤھا للتحقیق بتهمة الفساد وتلقي الرشا، وتواجه العقوبة ذاتها، السجن مدى الحیاة.

كما تعرضت شخصيات عديدة تورطت في فساد صندوق "إم.دي.بي1″، للتحقيق، مثل رضا عزیز، الذي تم التحقیق معه من قبل لجنة مكافحة الفساد المالیزیة، ودفعت شركته "رد جرانیت بیكتشرز" غرامة قدرھا ستون ملیون دولار للحكومة الأميركية.

ووُضع الحسیني رھن الإقامة الجبریة في أبو ظبي، أما خادم القبیسي فیقبع في سجن الوثبة الإماراتي.

وفي تصریحه "لوول ستریت جورنال" من محبسه مطلع عام 2019، قال القبیسي إنه قُدّم كبش فداء للدور الإماراتي في عملیة الاحتیال، وإن السلطات الإماراتیة تحاول إجباره على بیع أصوله الشخصیة.

وكان الأمیر تركي بن عبد الله آل سعود أحد معتقلي فندق الریتز في الریاض، لكن في أكتوبر/تشرين الثاني 2018، أشارت تقاریر صحفیة إلى اختفائه من مقر احتجازه، وأن مكانه غیر معلوم حتى اللحظة.

أما طارق عبید فهو في جنیف محاطا بحراساته الخاصة، في حين أن تیم لایسنر أقرّ بتھمة انتھاك قوانین الرشوة الأجنبیة، ودفع 44 ملیون دولار من الغرامات، ویواجه عقوبة تصل إلى عشر سنوات في السجن، وحظر التعامل مدى الحیاة في أسواق رأس المال.

المصدر : الجزيرة