مصر.. يوم تظاهر النظام ضد الشعب

Supporters of Egyptian President Abdel Fattah Al Sisi chant slogans in Cairo, Egypt September 27, 2019. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
نظام السيسي حشد مواطنين مصريين بالترهيب والترغيب لتأييده، ومنع مظاهرات المعارضين بالقوة (رويترز)

عبد الله حامد-القاهرة

يبدو أن جملة "النظام تظاهر ضد الشعب" ستكون الأكثر تعبيرا عن حشد النظام المصري للمواطنين لتأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تزامنا مع دعوات التظاهر أمس الجمعة للمطالبة بتنحيه أو عزله، والتي أطلقها الممثل والمقاول محمد علي تحت عنوان "جمعة الخلاص".

طوال الأسبوعين الماضيين نشطت الشرطة في عمليات الاعتقال لمعارضين سياسيين ونشطاء وصحفيين من البيوت ومن الشوارع، مما اضطر كثيرين للمبيت خارج بيوتهم والحذر في التنقلات بالشوارع.

وأمس الجمعة، زاد الفزع العام في البيوت والشوارع والميادين، باستثناء مكان وحيد كان من يتردد عليه آمنا من الخوف والجوع أيضا، إنه منطقة المنصة بمدينة نصر (شرقي القاهرة)، حيث حُمل متظاهرون برا بحافلات ضخمة لشركات ومؤسسات وأحزاب، محميين بالشرطة، فضلا عن عشرات الجنود بزي مدني.

الدخول إلى المكان لا يتطلب سوى إظهار علم مصر وارتداء نظارة شمسية تخفي جانبا من الوجه، ومعها تختفي مشاعر صاحبها، التي يمكن أن تودي به وراء قضبان السجن.

تدفقت على المنطقة خلال ساعتين عقب صلاة الجمعة عشرات الحافلات الضخمة التي تقل آلافا من المواطنين حاملي الأعلام، يقودهم شخص أو أكثر يهتفون للسيسي، وسط سيارات تحمل مكبرات صوت تصدح بالأغاني الحماسية.

ترهيب وترغيب
لم يكن كل هؤلاء مؤيدين للسيسي في طوايا نفوسهم، بل ذهبوا بدافع الترهيب أو الترغيب، باعتراف بعضهم للجزيرة نت، ومنهم من كاد أن تفلت منه إيماءات وتعبيرات ساخرة مما يجري، تجعل منه عبرة لمن تسول له نفسه الخروج عن هدف التظاهرة.

وحسب عمال بشركات عامة أقلتهم حافلات لمنطقة المنصة عقب صلاة الجمعة، ساد التذمر من مستوى وجبة الغذاء الموزعة عليهم، التي كانت مكونة من عدد من أرغفة الخبز وقطع من الجبن وكيس من البطاطس المقرمشة.

كما سخط بعضهم من تفاوت المبالغ المقدمة، حيث حصل بعضهم على مئتي جنيه مقابل مجيئه، في حين حصل آخرون على نصف هذا المبلغ (الدولار نحو 16.5 جنيها).

وشوهدت حافلات تابعة لمصالح حكومية مثل الكهرباء والمياه وقناة السويس والبترول والنقل وأخرى تابعة لوزارة الشباب والرياضة.

وكانت الجزيرة نت حصلت على إفادات من نشطاء عمال قبل أيام باعتزام الشركات والمؤسسات منح العاملين بها إجازات إضافية مقابل ذهابهم إلى تظاهرة المنصة.

كما شوهدت حافلات عليها لوحات تشير إلى انتماءاتها المناطقية، ومعظمها من الأقاليم، وهو ما أكدته لهجات عدد من المتحدثين لوسائل الإعلام المحلية.

وتنوعت فئات المشاركين بين شباب يرتدون زيا موحدا، لم يتسن تبين هوياتهم وما إذا كانوا مجندين أو عمال بإحدى الشركات، فضلا عن مسنين وسيدات وآخرين يبدو من هيئاتهم أنهم حرفيون.

وكان هناك تحذير بين الفينة والأخرى للمتظاهرين المحمولين برا من وجود المندسين من "أعداء الوطن"، وظلت فئة الشباب مثار شك من قبل من يقودون مجموعات التنظيم الذين ارتدوا زيا موحدا، والذين تخطوا دور التحذير إلى دور المايسترو الذي يقود الهتافات وينظمها.

وبدا أن هناك تنسيقًا بين هذه المجموعات، حيث تظل منطقة المنصة تصدر هتافات طول الوقت، فضلاً عن القيام بتنظيم الجموع وتجهيزهم للتصوير أمام الفضائيات.

إلى جانب هؤلاء، كانت هناك مجموعات تمر على الواقفين لتوزيع الأعلام عليهم، ومن يمسك علما واحدا، يُمنح آخر حتى يلوّح بالعلمين معاً.

وفي محافظة الجيزة، عبأ رجل الأعمال محمد أبو العينين -عبر جمعيته الخيرية- عشرات المواطنين في حافلات، تجمعوا عند مقر جمعيته على أنغام أغان تمجد السيسي.

وحملت هؤلاء حافلات تابعة لأحزاب مقربة من السلطة مثل حزب "مستقبل وطن".

وخلال اليومين الماضيين، قام حزب "مستقبل وطن" بتوزيع عبوات المواد الغذائية على مناطق شهدت مظاهرات ساخنة الأسبوع الماضي، ومنها محافظة السويس (شرق القاهرة).

دليل ضعف النظام
وانتقد نشطاء مشاهد توزيع الطعام على الفقراء لحثهم على المشاركة في مظاهرات التأييد، معتبرين أنه دلالة على ضعف للنظام، في ظل قمع وحصار لمناطق التظاهر ضد السيسي.

واعتبر هؤلاء أن اصطناع المظاهرات المؤيدة لن يستمر طويلا، في ظل وجود وقود مستمر لمعارضي السيسي، وهو متاعبهم الاقتصادية واعتراضهم على سياساته.

كما اعتبر نشطاء أن هذا المشهد المصطنع فيه استفزاز للبسطاء، الذين يشعرون بأن ما يجري من إنفاق باذخ لتثبيت حكم السيسي بمثل هذه المظاهرات ومن قبلها مؤتمر الشباب؛ كان أولى به تحسين حال فقراء مرضى، يشعرون بأن كل هذه المبالغ المهدورة هي من أموال كان يجب أن يستفيدوا بها بشكل مباشر.

وقال هؤلاء إن مقارنة مشاهد التفويض الجماهيري للسيسي عقب الانقلاب صيف 2013 بهذه المشاهد الهزيلة؛ تكشف إلى مدى تدهورت شعبية السيسي لدرجة مساومة العمال والفقراء على النزول لتأييده مقابل الغذاء والمال.

قوة وتأييد
في المقابل، اعتبرت وسائل إعلام محلية أن هذا المشهد دليل قوة للنظام، مؤكدة أن هؤلاء المتظاهرين تكبدوا مشاق السفر وتكاليف الانتقال من المحافظات لدعم الرئيس ضد المؤامرات الخارجية.

ودعت لتظاهرة المنصة شخصيات برلمانية وإعلامية وفنية، في حين قدم الممثل محمد رمضان فقرات غنائية، وهو ما انتقده نشطاء بسبب سقوط قتلى وجرحى من الجيش في سيناء قبل الحفل بساعات قليلة.

وتكتسب منطقة المنصة شهرتها من أحد أعنف حوادث مصر دموية، وهي اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات أثناء حضوره عرضا عسكريا بمناسبة ذكرى حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، والذي تحل ذكراه 45 بعد أيام.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي