السعودية وقد أرهقتها الأزمات
عبد الله العمادي
فقد اخترق هجوم بطائرات مسيرة -وفي حديث آخر أنها صواريخ كروز- دفاعات معمل بقيق لمعالجة النفط في السعودية، قلب البنية التحتية لإنتاج وتصدير النفط في المملكة وأكبر معمل لتكرير النفط في العالم؛ مما تسبب في أضرار غير معروفة الحجم.
وإن ظهرت بعض آثارها -حسب شركة "إنرجي أسبكتس" للاستشارات، في تقرير لوكالة الأنباء رويترز- فإن السعودية تتجه لتصبح مشتريًا كبيرًا للمنتجات البترولية المكررة بعد هجمات يوم السبت، التي أجبرتها على وقف أكثر من نصف إنتاجها من الخام وبعض إنتاج الغاز.
وأضافت الشركة أن فاقد الغاز أثر على عمليات المصافي، ومن المرجح أن تشتري شركة النفط الحكومية أرامكو كميات كبيرة من البنزين والديزل، وربما زيت الوقود، كما تخفض صادراتها من غاز البترول المسال.
إن استهداف أرامكو قبل يومين، ومن قبل ذلك وربما بعد ذلك، هو أمر كان متوقعًا منذ فترة ليست قصيرة، في ظل حرب تم الإعلان عنها منتصف 2015 أنها قصيرة وحازمة من أجل استعادة شرعية اغتصبها الحوثي، لكنها ظلت مستمرة إلى يوم الناس هذا، بعد أن تحولت إلى حرب عبثية خارج السيطرة، أثرت على استقرار المنطقة والمملكة، وأصابت عمودها الفقري الاقتصادي المتمثل في شركة أرامكو، وبشكل مؤلم ستكون له آثاره المستقبلية القريبة.
شبكة أزمات
شبكة معقدة من الأزمات دخلتها السعودية منذ "عاصفة الحزم" التي ارتدت عليها بشكل تجعل من اتخذ قرار خوض الحرب يبالغ اليوم في الأماني؛ أن لو يرجع الزمن للوراء ليتخذ قرارًا غير ما تم اتخاذه، أو هكذا لسان حاله يردد، كي لا يعيش واقعًا صار مأزومًا، بل ويزداد تأزمًا، دون وجود مؤشرات ملموسة تدل على قرب نهاية حالة التأزم التي تعيشها المملكة، سياسيًّا وعسكريًّا، وها هي الآن اقتصاديًّا.
دخول الولايات المتحدة ممثلة في رئيسها الحالي دونالد ترامب في الحالة السعودية الحالية بصورة وأخرى وبعد كل أزمة لم يزد الحالة إلا تعقيدًا، ولعل آخر التدخلات غير الإيجابية تغريدة له يقول فيها -سواء أدرك ما كتبه أو لم يدرك- إن "هناك سببا للاعتقاد بأننا نعرف الجاني، لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة حول من يعتقدون أن يكون، وبأي شروط سنواصل العمل". مضيفًا أن الولايات المتحدة يدها على الزناد وجاهزة للرد على من هاجم المملكة.
العبارة الأخيرة في التغريدة "بأي شروط سنواصل العمل" تشعر المتابع بأن ترامب يحضّر لجولة جديدة لابتزاز المملكة، خاصة بعد أن أبعد التهمة عن الحوثي ووجهها نحو إيران، وهو يدرك تمام الإدراك أنه ليس في وارد المملكة دخول حرب شاملة مع إيران، لكن عوض ذلك يمكنه عرض الحماية، والحماية لا شك أن لها ثمنها، ويمكن التفاوض بشأنها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يستمر ترامب في محاولات التقرب والتودد لطهران، حتى يصل إلى مبتغاه على شكل اتفاق بين الطرفين، يكسب منه ورقة سياسية يستثمرها في معركته الانتخابية، وفي الوقت ذاته يكون قد اتفق مع المملكة على مسألة الحماية، لتكون ورقة أخرى يلوح بها لناخبيه والعالم؛ أنه نجح في حماية شريان العالم من الخطر.
مما لا يختلف عليه المراقبون أن أي حرب للسعودية مع إيران بشكل مباشر ستكون كارثة على الرياض، بجانب المستنقع اليمني الحالي، لأنها ستدخلها وحدها. فلا ترامب ولا بوتين سيغامران في حروب غير معروفة العواقب والنتائج، ولا درع الجزيرة أيضًا، وإن في حدود معينة، ولا الحليف الإماراتي سيقف معها كذلك، ذلك أن دخول الحرب والخروج منها يعني خسائر بلا حدود؛ هذا أولاً.
ثانياً، وهو ما يتضح من السلوك والتعامل الغربي مع أحداث المنطقة؛ فالكل يرغب في ضبط سلوك إيران والتفاهم معها، ولكن بالسياسة أو الحوار -حتى وإن انتشرت الأخبار من هنا وهناك عن قرب قيام حرب ضارية في الخليج، محورها إيران، تكون أشد من تلك التي كانت على العراق في 2003- فهي كلها لا تعدو أن تكون تحليلات وتخوفات عند البعض المشفق، وأمنيات ورغبات عند البعض الآخر المستفيد.
مكسب لترامب
أما السعودية ودفعها للحرب أو قريبًا منها -وهو الأرجح- هو مكسب لترامب والغرب عموماً؛ فالتورط في حرب مع إيران يعني انتعاش مصانع الأسلحة، ومن ثم شركات إعادة الترميم والبناء، التي ستكون في تلكم الحالة أغلبها أميركية غربية، ومع ذلك فالأمر ليس بسهولة التنظير والكتابة عنه.
خلاصة ما يمكن إنهاء الحديث به في هذا المشهد غير المريح للمنطقة، أن الرياض لا تعيش في ترف وفرة الحلول، بل تكاد تتضاءل الفرص والحلول مع استمرارية حالتها الراهنة؛ إذ هي تتجه نحو طريق لا مفر فيه من الجلوس مع أهل اليمن، وترتيب إنهاء الحرب، بعيدًا عن أولئك المنتفعين من استمرار تورطها في هذا البلد.
ثم بدء حوار جاد مع طهران لقطع الطريق على أي حلول خارجية، ولحلحلة كثير من المشاكل والأزمات وإغلاق أي ملف شائك بينهما، والعمل بعد ذلك بحكمة ودبلوماسية سياسة لجذب تركيا إلى معسكرها لا معاداتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وأخيراً إحياء مجلس التعاون الخليجي، لكن بفكر ونهج جديدين قائمين على منطق التعاون والتفكير الجماعي، لا منطق الهيمنة والزعامة؛ فالظروف مختلفة، والاعتراف بالخطأ فضيلة.