نساء الأرياف بتونس.. ورقة انتخابية رابحة "وقت الحاجة"

منيرة حجلاوي_تتقاسم عدد من نساء أرياف سيدي بوزيد شعور فقدان الأمل في الوعود الانتخابية_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت.
دالية تتقاسم مع نساء أرياف سيدي بوزيد شعور فقدان الأمل في الوعود الانتخابية (الجزيرة)

منيرة حجلاوي-سيدي بوزيد

معتمدة على ساعديها، تعمل دالية جاهدة في أحد أرياف محافظة سيدي بوزيد (وسط غربي تونس) لتساعد زوجها العاطل عن العمل في تحصيل قوتهم اليومي، في ظل غلاء المعيشة والارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية.

تجني دالية الزيتون في فصل الشتاء واللوز في الصيف وتغرس وتسقي الأشجار دون أن تنتظر مساعدة أو معروفا من أحد، وهي تتابع بغضب لم تخفه ما يحدث خلال الحملة الانتخابية للمترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها المقررة الأحد المقبل.

قررت المرأة مقاطعة هذا الموعد بعد فقدانها الثقة في كل السياسيين. وتقول للجزيرة نت بنبرة لائم "يعدون ويخلفون مثلما فعل سابقوهم من مختلف التيارات من اليمين إلى اليسار".

اعتادت دالية (52 عاما) على مشاهد الزيارات الميدانية التي يؤديها المتسابقون نحو قصر قرطاج إلى المناطق والأحياء الشعبية، وهي سياسة تشدد على أنها تتكرر في كل المواعيد الانتخابية، على أن أغلب الشعب التونسي "صار واعيا بالأوهام التي يبيعها إياه السياسيون"، وفق تعبيرها.

انعدام الثقة
شعور بالإحباط وانعدام الثقة تشاركها إياه جارتها صافية التي تساءلت -في حديثها للجزيرة نت- عن مصير الوعود التي قدمها السياسيون للمرأة في الداخل التونسي بتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، في وقت تواصلت فيه الحوادث المأساوية التي حصدت أرواح الكثيرات منهن؟

‪متطوعات من حملة أحد المترشحين خلال تجمع انتخابي في سيدي بوزيد‬ (الجزيرة)
‪متطوعات من حملة أحد المترشحين خلال تجمع انتخابي في سيدي بوزيد‬ (الجزيرة)

بدورها، عبرت نزيهة عمري (أربعون عاما) من منطقة لسودة للجزيرة نت عن غضبها الشديد من "ركض المترشحين خلف السلطة، وعدم اكتراثهم بمشاكل الشباب العاطل عن العمل، الذي ركب قوارب الموت وانتحر حرقا".

تقول وقد نفد صبرها "نريد مستقبلا زاهرا ومضمونا لأبنائنا يختلف عن حاضرنا نحن، يقولون إن التعليم العمومي مجاني في تونس، ولكن الواقع غير ذلك، لقد أنهكتنا نحن الطبقة المفقّرة الإجراءات المادية الجديدة المجحفة في هذا القطاع، فقدت أملي في الكل".

برنامج انتخابي
وكغيرها من محافظات البلاد، تستقبل مدينة الثورة سيدي بوزيد يوميا زوارها من المترشحين الـ26 الذين يواصلون حملاتهم الانتخابية، ومن بينهم المترشح المستقل عبد الكريم الزبيدي الذي التقى في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري أنصاره في أحد فضاءات المحافظة.

وقدم الزبيدي ملامح برنامجه الانتخابي، ومن بينها السهر على التنفيذ الصارم للقوانين، والمحافظة على هيبة الدولة، ومكافحة مختلف مظاهر الجريمة.

‪من تجمع انتخابي في سيدي بوزيد‬  (الجزيرة)
‪من تجمع انتخابي في سيدي بوزيد‬  (الجزيرة)

وردا على سؤال الجزيرة نت حول ما أعده لصالح المرأة الفلاحية في مختلف مناطق البلاد، أوضح الزبيدي أن المرأة الريفية تسهم بدور فعال في الاقتصاد التونسي، مما يجعل مسألة تمتعها بحقوقها والعناية بها مسألة محورية.

واعتبر استمرار نقلها عبر شاحنات الموت غير المهيأة للنقل بمثابة "انعدام هيبة الدولة"، حسب وصفه.

ورقة رابحة
ولا يقتصر حضور المرأة الفعال على المجال الاقتصادي فحسب، بل يتعداه إلى السياسة باعتبارها خزانا انتخابيا ثمينا أثبتته نسبة مشاركاتها العالية في كل الاستحقاقات الانتخابية التي مرت بها تونس، آخرها بلوغها نسبة 48% من نسبة المسجلين خلال الانتخابات البلدية العام المنقضي.

ولعل ما يلفت انتباه السياسيين تجاه هذه "الورقة الانتخابية الرابحة" هو ما روجته التقارير الإعلامية حول تصويت ما لا يقل عن مليون صوت نسائي لصالح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي خلال الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مما جعله يفوز بهذا المنصب.

وتلاحظ رئيسة جمعية "النساء أولا" بمعتمدية الرقاب (منطقة حكم محلي) بسيدي بوزيد حياة قادري ما وصفتها بالمبالغة في تطرق بعض مترشحي الانتخابات الرئاسية في حملاتهم الانتخابية والمناظرات التلفزية لموضوع المرأة الريفية، معبرة عن تخوفها من استغلال قضية المرأة العاملة في القطاع الفلاحي لجمع الأصوات واستقطابها.

‪صور المترشحين في أحد شوارع مدينة سيدي بوزيد‬  (الجزيرة)
‪صور المترشحين في أحد شوارع مدينة سيدي بوزيد‬  (الجزيرة)

وتأسست الجمعية سنة 2018، ومن أهدافها التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي للمرأة، ونشر ثقافة المبادرة والتنمية الذاتية لها.

وتوضح قادري للجزيرة نت أن بعض المرشحين يتعمدون الحديث عن قرارات لصالح نساء الأرياف "كأسلوب لاستدراجهن واستعطافهن والظفر بأصواتهن، ومن خلال المساعدات الغذائية التي يوزعونها على ضعيفات الحال منهن، والأموال التي يوزعونها عليهن خلسة"، وفق تأكيدها.

دعاية سياسية
كما تنتقد ما تعده "ازدواجية في الخطاب السياسي في التعامل مع هذه الفئة الهشة من المجتمع، عبر إغراقها بالوعود الزائفة خدمة لمصالح سياسية ضيقة".

من جانبه، يعيب الناشط والمحلل السياسي محمد الجلالي على السياسيين بصورة عامة تهميش المرأة الريفية، وعدم منحها ما تستحقه من احترام، وعدم تمتعها بحقوقها كاملة.

وانتقد الجلالي في حديثه للجزيرة نت الاهتمام "المناسباتي" بقضيتها خلال الحملات الانتخابية فحسب، وفي إطار الدعاية السياسية لبرامج المرشحين الانتخابية.

ويرى أن مرشحي الرئاسة "يستقطبون أصوات النساء من خلال اللعب على عواطفهن بالتطرق لمشاكل لا تغير واقعهن المعيشي؛ كوعدهن بتمرير قانون المساواة في الميراث".

المصدر : الجزيرة