العبودية الحديثة.. بعد عشر سنوات من الاستغلال نسيت وجوه أولادي فبكيت
وقالت كاتبة المقال إميلي بروز التي تحدثت مع سيندغايا، إن إجراءات هذه المحاكمة بدأت بعد تحرير سيندغايا من قبل الشرطة التي جاءت في ثلاث شاحنات وحطمت قفل باب الجناح الفخم الذي يعيش فيه مشغلوه البورنديون السيد والسيدة مبوزاغارا، وتم القبض عليهما ووضعا في الحجز.
وقالت الكاتبة إن الشرطة عثرت على سيندغايا في الطابق السفلي وهو مشغول في ساعات الفجر الأولى بكي الملابس، وأوضح لها أنه يخدم عند مبوزاغارا (78 عاما) وزوجته (74 عاما) منذ عشر سنوات دون إجازة.
رحلة العذاب
وشرح سيندغايا كيف كان يقضي 19 ساعة يوميا في العمل، في تحضير الفطور ثم الغداء والعشاء، إضافة إلى تنظيف الابن المعاق وهو أكبر وأقوى منه، وغسل السيارة ورعاية الحديقة وإخراج القمامة والتنظيف والصيانة.
يقول سيندغايا "أستيقظ عند السادسة صباحا ولا أستريح حتى الواحدة صباحا"، بل إنهم كانو يقولون لي عندما أكون متعبا "عليك أن تعمل". وما هو أمر من ذلك -بحسب الكاتبة- هو الإهانات التي توجه إليه من حين لآخر، مثلا يقولون له "لماذا تقول مرحبا للضيوف؟ ليس لك الحق في ذلك"، كما يطلبون منه الركوع لاستقبالهم، ولا يسمح له بأخذ دروس في اللغة الفرنسية.
ويقول أيضا إن الزوجين الفرنسيين البورونديين كانا من التوتسي البروتستانت، وإنهما منعاه من الذهاب إلى الكنيسة الكاثوليكية، وقال إنهما كانا يدعوانه "الشيطان" لأنه كان يصلي في القبو مستعينا بإذاعة نوتردام.
مشغل البوروندي، وهو دبلوماسي سابق في اليونسكو وكان وزيرا في بوروندي، مثل مع زوجته -التي تقول إنها أميرة- أمام محكمة نانتير في 9 سبتمبر/أيلول، بتهمة إخضاع خادمهما للعمل والخدمة القسريين |
ويقول سيندغايا لمحاميه قبل بضعة أيام من المحاكمة وهو يتحدث بعاطفية، "لقد سرقوا حياتي لمدة عشر سنوات"، مضيفا "لقد بكيت كثيرا. عندما كنت أتصل بأسرتي لم أكن أخبرهم بحالي لأني كنت مراقبا. كان ولداي اللذين تركتهما في سنتيهما الثالثة والأولى يسألانني لماذا لا تأتي؟ أنت لا تحبنا".
الزوجان يفندان
وفي المحكمة، طعن الزوجان في الاتهامات الموجهة لهما وزعما أن سيندغايا كان يعيش معهما كرجل مثلهم يساعد فقط، واحتجا بأنه كان يخرج مع الأب للرياضة، وقدما قسائم تفيد باستلامه راتبا متواضعا على كل حال، إلا أن المحامي وصفهما بأنهما ليس في قلبيهما رحمة.
ويقول المتهم دفاعا عن نفسه "لم يكن من الإنسانية أن أرميه في الشارع… كنت ضحية لرغبتي في حماية سيندغايا"، في حين تضيف زوجته "عدم ذهابه كان غلطه هو… لقد كان حرا مثل الهواء، وكان بالغا ويعرف كيف يتصرف".
وقالت الكاتبة إن عائلة سيندغايا كانت بالفعل تصلها مبالغ مالية منتظمة، وإن كانت زهيدة ولا تعتبر راتبا بمعنى الكلمة، مشيرة إلى أن مجموع ما وصلهم كان نحو 2825 يورو خلال عشر سنوات، بالإضافة إلى قطعة أرض لبناء بيت تبلغ قيمتها ثلاثة ملايين فرنك بوروندي (أي 1400 يورو).
مجهولون ترسلهم العناية
وقالت الكاتبة إن سيندغايا مدين بإطلاق سراحه من الكابوس الذي عاشه خلال هذه السنوات العشر لتيقظ بعض الناس المجهولين، خاصة تلك البوركينية التي تعيش مقابل جناح مبوزاغارا، وقد لاحظت ذات يوم وجود رجل يبدو حذرا وخائفا.
ولمعرفتها بالجحيم الذي عاشته البوروندية شانتال مع شقيقتها بعد أن خدما أربع سنوات في جناح الزوجين اللذين حكم عليهما بسبب استغلال الشقيقتين قبيل وصول سيندغايا إلى فرنسا، اتصلت بفرنسي متقاعد وأخبرته بما رأت، وبدوره ذهب الرجل إلى مركز الشرطة في يناير/كانون الثاني 2018 للإبلاغ عما يعرفه.
وفي مواجهة تقاعس الشرطة، أخذ المتقاعد المبادرة بمساعدة زميل له من المباحث الخاصة، وظلا يحاولان الوصول إلى سيندغايا لأيام، وقد أبلغتهما البوركينية أنه يخرج ثلاث مرات في الأسبوع في المساء لرمي القمامة، وصباح كل أحد لفتح البوابة للزوجين اللذين يتجهان بالسيارة إلى الكنيسة البروتستانتية.
وقد اقترح الرجلان على سيندغايا إخراجه من الجناح، ولكنه لم يغتنم الفرصة، لأنه ما زال يأمل في أن يدفع له الزوجان المبلغ الموعود، كما أنه يخاف على نفسه وعلى أسرته، فضلا عن أن مشغله صادر جواز سفره فور وصوله إلى فرنسا وقال له إنه ضاع، وظل يهدده بإبلاغ الشرطة عنه.
ويتساءل سيندغايا -الذي انضمت إليه زوجته وأطفاله في فرنسا بعد أن حصلوا على حق اللجوء- كيف يمكنك إعادة بناء عشر سنوات من التيه؟، قائلا وسط انفجار من الفرح "لقد نسيت وجوه أولادي الذين كبروا، وقد بكيت".