التخلي عن المحكمة الجنائية الدولية يمنح حصانة لمجرمي الحرب

THE HAGUE, NETHERLANDS - JULY 23: View of the International Criminal Court as Dutch prosecuters consider a war crimes investigation of the Malaysia Airlines crash July 23, 2014 in The Hague, The Netherlands. Malaysia Airlines flight MH17 was travelling from Amsterdam to Kuala Lumpur when it crashed killing all 298 on board including 80 children. The aircraft was allegedly shot down by a missile and investigations continue over the perpetrators of the attack.
فورين بوليسي: ينبغي عدم التخلي عن المحكمة الجنائية، ولكن لا بد من إعادة تنشيط عملياتها (غيتي)

رغم تسليط الضوء على العديد من العيوب التي اتسمت بها المحكمة الجنائية الدولية، فإن التخلي عنها في الوقت الراهن سيمنح حصانة لمجرمي الحرب وسيفتح المجال أمام الإفلات من العقاب.

وقال الكاتب جيمس آي غولدستون في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن قضاة المحكمة الجنائية الدولية رفضوا في أبريل/نيسان طلب المدعي العام إجراء تحقيق في جرائم الحرب المزعومة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في أفغانستان بين عامي 2003 و2004 على أيدي حركة طالبان والقوات الحكومية الأفغانية والجنود الأميركيين وضباط وكالة المخابرات المركزية.

ورغم أن الجرائم محل النقاش كانت تندرج ضمن اختصاص المحكمة، فإن القضاة ظنوا أن "آفاق التحقيق والمقاضاة الناجحة كانت محدودة للغاية".

وذكر الكاتب أنه بعد مرور أشهر على تهديد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بفرض عقوبات على المحكمة وبعد فترة وجيزة من إلغاء واشنطن تأشيرة المدعية العامة فاتو بنسودا لدخول الولايات المتحدة، أُدين قرار المحكمة على نطاق واسع باعتباره تنازلا مكشوفا للترهيب الذي تمارسه واشنطن ودعوة لمعارضين آخرين سواء في بكين أو موسكو إلى مضاعفة مقاومتهم.

من جهتهم، أعرب ممثلو الضحايا الأفغان عن صدمتهم إزاء ما حدث، معتبرين أن ذلك "سيؤدي إلى منح حصانة لقوات طالبان المتهمة بارتكاب مجازر".

وأفاد الكاتب بأنه ينبغي عدم التخلي عن المحكمة الجنائية الدولية، ولكن في المقابل، لا بد من بذل جهود جديدة من أجل إعادة تنشيط عملياتها.

وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 1998، أعلن كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، أنها "هدية أمل للأجيال القادمة"، إلا أنها خلال عقدين لم تُصدر المحكمة سوى ثلاث إدانات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وخلال السنوات الأخيرة، عانت المحكمة من جملة من النكسات المحرجة، ففي عام 2014، أُجبرت المدعية العامة على سحب التهم الموجهة إلى الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بعد أن حرمتها المماطلة التي مارستها الحكومة من امتلاك الأدلة اللازمة.

وبعد مرور أربع سنوات، رفض خمسة قضاة من محاكم الاستئناف إدانة نائب الرئيس الكونغولي السابق جان بيير بيمبا بسبب ارتكاب قواته لجرائم في جمهورية أفريقيا الوسطى.

وفي يناير/كانون الثاني، عندما برئ لوران غباغبو، الرئيس السابق لساحل العاج، وكبير مساعديه من جميع التهم بعد احتجازهم قرابة ست سنوات، وجدت غرفة المحاكمة التي انقسمت الآراء فيها أن أدلة الادعاء غير كافية لدرجة أنها لم تستمع للدفاع.

في المقابل، استغرق إصدار حكم مكتوب في أغلب القضايا ستة أشهر حيث تُكتب حوالي 1000 صفحة لتوضيح السبب وراء عدم وجود أدلة مقنعة، وهو ما من شأنه أن يسلط الضوء على العيوب التي يتسم بها الادعاء فضلا عن وجود عدم كفاءة قضائية.

وأورد الكاتب أنه في معظم الحالات، تعد البراءة بمثابة دليل على تحقيق العدالة، ولكنه في المقابل، يعد من الخطأ أن تصدر المحكمة المزيد من أحكام التبرئة وترفض التهم الموجهة للبعض، وهي التي تأسست "لوضع حد للإفلات من العقاب" على إثر ارتكاب "أخطر الجرائم" والتي تنظر في عدد قليل من القضايا بتكلفة تفوق 150 مليون دولار في السنة.

وأضاف الكاتب أن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية تستغرق وقتا طويلا دون وجود مبرّر يُذكر. فقبل طلب الإذن بإجراء تحقيق، أجرى المدعي العام فحصا أوليا للجرائم المزعومة في أفغانستان لأكثر من عقد من الزمن. علاوة على ذلك، كانت الحرب التي اندلعت سنة 2014 في غزة، فضلا عن الوضع في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، موضوع تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية لمدة أربع سنوات دون أن يترتب عن ذلك اتخاذ قرار.

وأشار الكاتب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تواجه ضغوطا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن عدد من القادة الشعبويين المستبدين. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم حتى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية سوى القليل من الدعم.

فمن جهة، حظي الرئيس السوداني المخلوع حديثا عمر البشير بحصانة لأكثر من عقد من الزمن، رغم أنه يواجه تهم الإبادة الجماعية في دارفور، ومن جهة أخرى، غادرت بوروندي والفلبين خلال العامين الماضيين، المحكمة بغية درء المساءلة عن قادتهما السياسيين.

ونوه الكاتب بأن وجود المحكمة كان حافزا للمساءلة، كما أن رفض مجلس الأمن دعوة المحكمة الجنائية الدولية إلى التصدي للجرائم المرتكبة في سوريا، دفع فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى إلى رفع قضايا أسفرت إحداها عن توقيف عضو سابق رفيع المستوى بالمخابرات السورية في برلين في فبراير/شباط الماضي، متهم بالإشراف على التعذيب الجماعي داخل معتقلات نظام بشار الأسد.

المصدر : فورين بوليسي