نقد رموز الثورة بالسودان.. ما أسبابه ومبرراته؟

أحمد ربيع عضو تجمع المهنيين والفريق جميدتي خلال جلسة التوقيع على الوثيقة الدستورية صورة خاصة للجزيرة نت
أحمد ربيع عضو تجمع المهنيين (يسار) والفريق حميدتي خلال جلسة التوقيع على الوثيقة الدستورية (الجزيرة)

الخرطوم-الجزيرة نت

لم تنج قيادات بقوى الحرية والتغيير من سهام النقد، بعد مجهودها الشاق في التوصل مع المجلس العسكري للوثيقة الدستورية التي تحكم عمل مؤسسات الحكم الانتقالي بالسودان خلال الثلاث سنوات القادمة.

وأمطرت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف رموز الثورة بسهام النقد، وكانت أغلب الانتقادات من داخل كيان الثوار.

واتهمت بعض الأصوات مفاوضي الثورة بالذاتية وخيانة الثورة والفشل في تحجيم دور العسكر داخل هياكل الحكم الانتقالي.

وينظر للهجوم على رموز قوى التغيير وتجمع المهنيين على أنه أول تمرين ديمقراطي حقيقي، تخضع له الساحة السياسية من ثلاث عقود من الدكتاتورية القابضة.

ومع أن نقد الرموز يضطلع به نشطاء الثورة التي أطاحت بالرئيس عمر حسن البشير، فإن الرئيس السابق للجنة الأطباء الدكتور أحمد الأبوابي يعتبر الهجوم على أولئك القادة "حملة مصنوعة تبنتها بقايا الإسلاميين من خلال كتائبهم الإلكترونية".

‪الأبوابي: مفاوضو الثورة مكّنوا العسكر‬  (الجزيرة)
‪الأبوابي: مفاوضو الثورة مكّنوا العسكر‬  (الجزيرة)

ولا ينفي الأبوابي أن مفاوضي الثورة "مكّنوا العسكر من السلطة، خاصة داخل المجلس السيادي" لكن مناخ الثورة في هذه المرحلة "من الطبيعي أن يزدحم بالشكوك" مقرا بأن هناك "حالة من عدم اليقين جعلت البعض يقدح في مصداقية وإخلاص الأفراد والمؤسسات المؤثرة في الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بعد الثورة".

ولبعض ذاك التشكيك أبعاد ودوافع -حسب الأبوابي- بينها الاستقطاب الحاد داخل قوى التغيير نفسها، وعلى وجه أخص بين "نداء السودان، قوى الإجماع الوطني".

الصوت العالي
وحسب مراقبين، يعد الحزب الشيوعي صاحب الصوت العالي في نقد الوثيقة الدستورية، لدرجة أن بعض كوادره وصفت محتواها بأنه طبخة أعدها للمجلس العسكري رئيس جهاز الأمن السابق صلاح قوش.

هذه الرؤية يفندها الكاتب والصحفي الدكتور طارق الشيخ في معرض وصفه للقاءات الأخيرة بين العسكري وقوى التغيير بأنها "اتسمت بالغموض الشديد، مما دعا للقول إن هناك رائحة ما لا يتحدث عنها المفاوضون".

وحسب الشيخ فإن ذاك الحال يدعو للشك وللتساؤل، وهو ما عبّر عنه موقف الحزب الشيوعي من الوثيقة، معتبرا أن المفاوضين باسم قوى التغيير "استخفوا بالشعب عندما تعمدوا العمل وراء الستار، والشعب يدرك من خلال تجاربه كيف يكون سلوك العسكر حين يتعلق الأمر بالسلطة".

واستنكر الهجوم على الشيوعيين قائلا إنهم "رفضوا التفاوض على أشياء مغطاة وغير واضحة". ومضى لأبعد من ذلك واصفا بعض رموز قوى التغيير بأنهم "ممن لديهم تطلعات ذاتية".

"تضخمت ذواتهم"
في ذات السياق، يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد الأسباط إن بعض رموز قوى التغيير "تضخمت ذواتهم ونسوا أن واجبها الأساسي هو التفاوض لا التطلع للمناصب".

‪الأسباط: بعض رموز قوى التغيير‬  (الجزيرة)
‪الأسباط: بعض رموز قوى التغيير‬  (الجزيرة)

ويشير الأسباط إلى أن بعض القيادات ظهرت أسماؤهم كمرشحين محتملين لمجلس السيادة ومجلس الوزراء.

واعتبر ذلك تجاوزا للمسموح به "لأن من يفاوض ينبغي أن يتجرد ولا يتطلع لأوضاع استثنائية".

ويأخذ الأسباط على بعض قادة المهنيين ظهورهم "بوجههم الحزبي" وهو ما يتعارض مع رغبة الثوار في تشكيل حكومة كفاءات لخدمة البلاد خلال الفترة الانتقالية.

تهم بالمزايدة
بدوره، يتهم أُستاذ الصحافة والإعلام الدكتور جلال زيادة بعض الحركات المسلحة بالمزايدة من خلال نقدها لقوى الحرية والتغيير، معتبرا أنهم "يتسترون تحت غطاء التهميش لأجل إملاء شروطها في ظل الوضع الجديد".

ويرى أن مشكلة الجبهة الثورية مع قوى الحرية والتغيير "بدأت من تقديمها للتوم هجو ليكون ممثلها داخل قوى الثورة".

ومن وجهة نظره فإن هذا الممثل هو "أحد المتطلعين للصعود إلى مجلس السيادة" كما أنه على حد وصف دكتور زيادة "من بين غالبية المهاجمين للوثيقة الذين يعرضون على طبول الثورة المضادة".

ورجوعا لحقيقة أن التغيير يُبني على حقائق الواقع المعاش، فإن "الاتفاق بين قوى التغيير والمجلس العسكري لم يكن مثاليا، كما أنه ليس من الممكن تحقيق كل مطالب الثوار" حسب الدكتور النور حمد الأكاديمي والباحث بالشؤون السودانية.

‪زيادة: الاتفاق بين قوى التغيير والمجلس العسكري لم يكن مثاليا‬ (الجزيرة)
‪زيادة: الاتفاق بين قوى التغيير والمجلس العسكري لم يكن مثاليا‬ (الجزيرة)

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول حمد "الثورة لم تبلغ منتهاها بعد، ولن تبلغه الا بعد حين، وما من ثورة في التاريخ إلا عورضت معارضة شرسة من القوى المسيطرة التي استهدفتها الثورة".

ويضيف أن نقد رموز قوى التغيير وتجمع المهنيين طبيعي "إذ لم تحدث ثورة في التاريخ دون أن تتناحر فيها القوى الثائرة، وينقسم فيها الثوار على أنفسهم، ويدفعون في اتهام بعضهم بالتقاعس بل الخيانة" ولهذا قيل إن الثورة لا تلبث أن تأكل بنيها "أو تأكل بعضهم على الأقل".

أمراض موروثة
كما أن قوى التغيير من وجهة نظره "لم تبرأ من الأمراض السياسية الموروثة التي ظلت تفتك بصحة الأجسام السياسية". وهنا يشير الدكتور حمد لظاهرة قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي الذي أصبح في ظروف الثورة المضطربة "طرفا في الحل".

ويستدرك في هذا الاتجاه "لكن للثورة موجات متعاقبة، كما حلول الأزمات لا يهبط جملة واحدة من السماء لمجرد اقتلاع الثوار النظام القديم".

من جانبه، لا يستغرب الناطق باسم قوى الحرية والتغيير صلاح شعيب تعرض قيادات الثورة للهجوم من فلول النظام القديم، أو من قِبل نشطاء الحراك، لكنه يؤكد أن قوى إعلان التغيير قادرة على حماية ما أنجزته من مكتسبات.

ويعتبر أن "وضع العراقيل أمام الثوار لن تثنيهم عن بلوغ مدنية السلطة وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يحاسب من أجرموا في حق الشعب طيلة ثلاثين عاما".

المصدر : الجزيرة