"أنا يقظ".. منظمة وراء سجن القروي المرشح البارز لرئاسيات تونس

بدرالدين الوهيبي - مكتب فريق الصحفيين الاستقصائيين لمنظمة انا يقظ -
فريق الصحفيين الاستقصائيين لمنظمة "أنا يقظ" كان له دور أساسي في إعداد ملف الدعوى ضد القروي (الجزيرة نت)
بدر الدين الوهيبي-تونس

ما إن أوقفت السلطات التونسية نبيل القروي المرشح لانتخابات الرئاسة يوم 23 أغسطس/آب الجاري بتهمة تبيض الأموال والتهرب الضريبي حتى تسارعت التأويلات والبيانات ما بين مؤيد لتحرك القضاء ومشكك يشير إلى تورط الحكومة في تحريك الملفات قصد إقصاء القروي من المشهد السياسي وبالتالي استبعاده من السباق نحو قصر قرطاج.

ونتيجة لهذا الجدل، سارعت الأجهزة القضائية المختلفة إلى إصدار بيان توضيحي لحيثيات إيقاف القروي لتعيد توجيه الأنظار نحو منظمة "أنا يقظ" التونسية، التي مثلت ولا تزال طرفا أساسيا في سجال قضائي بين الطرفين يعود إلى العام 2016، تاريخ إيداع المنظمة أولى الشكايات ضد القروي.

تأسست "أنا يقظ" يوم 21 مارس/آذار 2011 إثر اندلاع الثورة التونسية وتضم ثلة من الشباب متوسط أعمارهم 27 سنة من مختلف جهات الجمهورية، وتعرف نفسها على أنها منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة تهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية، وقد أصبحت نقطة الاتصال الرسمية لمنظمة الشفافية الدولية في تونس منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

‪القروي (وسط) متابع في قضية تحويلات مالية مشبوهة استفادت منها شركته من بنك الإسكان‬ (رويترز)
‪القروي (وسط) متابع في قضية تحويلات مالية مشبوهة استفادت منها شركته من بنك الإسكان‬ (رويترز)

بنك الإسكان
اندلعت شرارة المعركة القضائية والإعلامية في يوليو/تموز 2016 إثر نشر بنك الإسكان تقريرا يضم قائمة بالمؤسسات التي تجاوزت مديونيتها للبنك مليون دينار
(350 ألف دولار) إلى غاية العام 2010، ومن بين هذه المؤسسات شركة "نسمة برودكست" المملوكة لنبيل القروي، والتي استفادت من تحويلات مريبة تجاوزت مليوني دينار (701 ألف دولار)، مما أثار شكوك أعضاء "أنا يقظ".

ويقول منسق المشاريع في المنظمة موفق الزواري إن تقرير بنك الإسكان وما ضمه من شبهات حول التصرفات المالية المشبوهة للقروي كان اللبنة الأولى التي ارتكزت عليها المنظمة لإعداد ملف احتوى على 700 وثيقة رسمية كانت أدلة دفعت نحو إصدار بيان مفصل، ومن ثم التوجه إلى القضاء في سبتمبر/أيلول 2016.

ويضيف الزواري للجزيرة نت أنه إضافة إلى العمل الاستقصائي الذي قام به الفريق الإعلامي للمنظمة، والذي ساهم في صياغة الملف، فإن جل مصادر المعلومات الموثقة كانت عن طريق التواصل مع مؤسسات الدولة، ومنها على سبيل المثال الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة، والمعهد الوطني للمؤسسات والملكية الصناعية.

‪الزواري: تقرير بنك الإسكان كان اللبنة الأولى لإعداد ملف الشكوى التي رفعتها
‪الزواري: تقرير بنك الإسكان كان اللبنة الأولى لإعداد ملف الشكوى التي رفعتها "أنا يقظ" ضد القروي‬ (الجزيرة نت)

ليس الوحيد
للتذكير فإن منظمة "أنا يقظ" كانت رفعت قضايا لدى المحاكم التونسية ضد مرشحين آخرين، ومنهم رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد، والمترشح للرئاسيات في ما عرفت بقضية رفع التجميد عن أموال مروان المبروك صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وضد مرشح آخر هو حاتم بوليبار في ما عرفت بصفقة أجهزة التشويش المغشوشة التي اشترتها وزارة التربية، ويقول الزواري إن القضيتين بانتظار البت فيهما في المحاكم.

كما تساءل رئيس منظمة "أنا يقظ" أشرف العوادي في تدوينة له قبيل إيقاف القروي عن مصير القضايا المرفوعة ضد شخصيات سياسية بارزة أمثال الوزير السابق في الحكومة الحالية المهدي بن غربية والشاهد وبولبيار.

ودعا العوادي إلى تحييد القضاء في تعامله مع ملفات الفاسدين، وعدم الدفع بالجدل القائم نحو مسائل اعتبرها فرعية من قبيل التساؤل عن دلالات توقيت إيقاف القروي قبيل الاستحقاق الانتخابي، والشكوك التي أثارها مناصروه بهذا الشأن.

وتقول المنظمة إنها ترفض الدفع بملف اعتقال وسجن القروي نحو منعرج سياسي يفقد محاربة الفساد في تونس جوهرها، ويشدد أعضاؤها على أن مهمتهم تنحصر في رصد ومتابعة شبهات الفساد، وإعداد ملفات متماسكة وجدية لدفع القضاء نحو التحرك، والذي يختار توقيت تحريك الدعوى بناء على تقدم التحقيقات.

تسريبات وتهديدات
ولم يخلو مسار القضية المرفوعة ضد القروي ومؤسساته والتي انطلقت حيثياتها منذ أواخر 2016 من التوترات التي امتدّت على مدى أكثر من سنتين، إذ يقول الإعلامي محمد الجلالي -الذي يعمل ضمن الفريق الصحفي لمنظمة "أنا يقظ"- للجزيرة نت إن القروي حاول تسليط العديد من الضغوط على أعضاء المنظمة "في إطار حرب قذرة تهدف إلى تشويه أعضاء المنظمة فضحتها تسريبات لتسجيلات صوتية لاجتماعات عقدها للغرض نفسه في العام 2017".

ويضيف الجلالي أنه ومع اشتداد الأزمة قضائيا وإعلاميا بين الطرفين تم رصد "تحركات مشبوهة" حول المقر السابق للمنظمة، حيث شوهد أفراد بصدد أخذ صور للمقر خفية، ومن زوايا مختلفة في إطار حرب نفسية حاول القروي تسليطها على أفراد المنظمة وعائلاتهم، ولكنّها -يضيف المتحدث- لم ولن تفت من عضدهم وعزمهم على كشف الفساد والدفع نحو محاسبة المتورطين.

ويقول الزواري إن أروقة المحاكم التونسية شهدت على مدار سنتين قرابة 26 قضية رفعها القروي ضد "أنا يقظ" بتهمة السب وتشويه السمعة حكم فيها القضاء بعدم سماع الدعوى وبطلانها.

المصدر : الجزيرة