بعد تكرار حوادثها المميتة.. الغضب ضد "الدعم السريع" يتصاعد بالشارع السوداني

تظاهرة بأم درمان تطالب بالقصاص من قتلة الطلاب بالأبيض
مظاهرة في أم درمان اليوم تطالب بالقصاص من قتلة الطلاب بالأبيّض (مواقع التواصل)
الجزيرة نت-خاص
تحت ضغط الشارع ومقاطع فيديو وثقت كيف كان مدفع "الدوشكا" يحصد أرواح الطلاب في الأبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان، اضطر المجلس العسكري الذي يتولى السلطة في السودان للاعتراف بأن عناصر من قوات الدعم السريع تورطوا في الحادثة.
 
وجاء رد فعل الشارع سريعا في ذات يوم الحادثة (الاثنين الماضي) بخروج مظاهرات في مناطق عدة بالخرطوم وفي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بوسط البلاد تندد بمقتل الطلبة المتظاهرين، وتطالب بالقصاص من القتلة.
 
وفي صبيحة اليوم التالي "الثلاثاء" شهدت أغلب مدن البلاد خروج مواكب لطلاب وطالبات المدارس الثانوية، وهو ما استمر يوم الأربعاء على الرغم من تعليق الدراسة في كل الولايات وعدم صدور جداول بالتظاهر من قوى إعلان الحرية والتغيير كالمعتاد.

ومثلت مواكب مليونية "القصاص العادل" -التي دعت لها قوى إعلان الحرية والتغيير ظهر الخميس- استفتاء واضحا لنفاد صبر الشارع تجاه تكرار التجاوزات المميتة التي تورطت فيها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري، كما يقول متابعون.

لعنة الأبيّض
وتعد حادثة الأبيّض الثالثة من نوعها التي تتورط فيها قوات الدعم السريع خلال أسبوعين بعد حادثتي السوكي في ولاية سنار والضعين بولاية شرق دارفور في 15 و16 يوليو/تموز الماضي، وكان نصيب هذه القوات في المناطق الثلاث إما الطرد أو السحب كما حدث في الأبيّض والسوكي، أو الهروب كما جرى في الضعين.

وللمرة الثانية، تخسر قوات الدعم السريع أراضي في ولاية شمال كردفان، ففي أبريل/نيسان 2014 نجح حاكم الولاية وقتها أحمد هارون في إبعاد هذه القوات من مدينة الأبيّض بعد مظاهرات نددت بأعمال قتل ونهب تورطت فيها هذه القوات المصنفة قوات ذات مهام قتالية.

وبعد أيام من الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في أبريل/نيسان الماضي، انتشرت قوات الدعم السريع بكثافة لافتة في الخرطوم وأغلب مدن البلاد، مما طرح تساؤلات عن غياب الجيش.

غياب الجيش
وكما التساؤلات مثارة بشأن غياب الجيش، يظل إبعاد الشرطة عن مهامها في شوارع المدن السؤال الأهم، وهو ما كان ضمن شروط قوى الحرية والتغيير للعودة إلى التفاوض بعد فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران الفائت.

ويقول عضو فريق المفاوضات عن قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل للجزيرة نت إن فريقهم ظل في كل جلسات التفاوض يطالب بإزالة مظاهر العسكرة في المدن.

وأوضح فيصل أن تجاوزات العسكريين تكررت وتورطت فيها كل القوات العسكرية (الدعم السريع والجيش وجهاز الأمن).

ويضيف فيصل -وهو قيادي في التجمع الاتحادي المعارض- أن المجلس العسكري ظل يتذرع بأن تقديرات أمنية وراء تمركز القوات العسكرية في المدن، والتزم بسحبها تدريجيا، وهو ما حدث خاصة في الخرطوم، لكن القوات ذاتها تظهر مع المواكب والمظاهرات.

أولوية السلطة
ويرى فيصل أن الاعتراف كما حدث من قبل المجلس العسكري في أحداث الأبيّض لا يكفي وحده، ولا بد من إجراء تحقيق وعقد محاكمات علنية، وإيقاع عقوبات رادعة بحق المتورطين في هذه الحادثة وغيرها، حيث تم الهجوم في 8 رمضان على محيط الاعتصام، وفي 29 رمضان تم فض الاعتصام.

وكان فيصل ضمن وفد من قوى إعلان الحرية والتغيير وصل إلى ولاية شمال كردفان معزيا في قتلى أحداث الأبيّض التي راح ضحيتها ستة أشخاص.
 
وبشأن الخطوة المقبلة في ظل تكرر تجاوزات العناصر العسكرية، يقول إن الأولوية يجب أن تكون المضي لاستلام السلطة.

وأشار فيصل إلى أن رئيس الوزراء سيكون تحت إمرته وزيري الدفاع والداخلية، ويستطيع بالسرعة اللازمة إعادة الوجود الشرطي للشوارع، ويتابع "هذه أولوية الآن، وهي أفضل من أن نكون خارج السلطة وفي مقاعد المتفرجين".

اتهام مباشر
ولم يتردد تحالف قوى الحرية والتغيير -الذي يفاوض المجلس العسكري على نقل السلطة- في اتهام قوات تابعة للجيش والدعم السريع ظهر الاثنين الماضي بإطلاق الرصاص بلا وازع أو رادع وبكثافة على مظاهرات سلمية لتلاميذ المدارس الثانوية بالأبيّض.

وربما كان مرد ذلك لتداول مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي اتسمت بوضوح نسبي تظهر قوة من الدعم السريع قرب مصرف وهي تطلق الرصاص من بنادقها الآلية ومن مدفع ثقيل على متن شاحنة صوب الطلاب.

وبعيد الحادثة، صرح الحاكم العسكري لولاية شمال كردفان بأن وسط المدينة كان خاليا من القوات الأمنية أثناء مظاهرة طلاب الثانويات، ثم عاد وأعلن تشكيل لجنة تحقيق رفضها تجمع المهنيين السودانيين بحجة أن الأدلة على المتورطين واضحة.

وعلى إثر ذلك كشفت اللجنة الأمنية في المجلس العسكري مساء أمس الأربعاء عن توقيف 7 عناصر من قوات الدعم السريع أطلقوا النار على المتظاهرين بمدينة الأبيّض.

إدانة واسعة
وحظي حادث الأبيّض بإدانة واسعة، وأوضح بجلاء حالة تنامي القطيعة بين قوات حميدتي والسودانيين الذين لا يكاد النسيان يسعفهم حتى تتجدد أحزانهم على يد الدعم السريع.

ودعا الحزب الشيوعي في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء إلى حل "جهاز الأمن والمخابرات وكل المليشيات، بما فيها قوات الدعم السريع".

وشدد الحزب على رفضه استيعاب قوات هيئة العمليات (قوة قتالية) التابعة لجهاز الأمن في قوات الدعم السريع ضمن إعادة هيكلة للجهاز الذي غير اسمه إلى "جهاز المخابرات العامة".

وأدان حزبا الأمة القومي والمؤتمر السوداني الأحداث، وحملا المجلس العسكري مسؤولية الأحداث.

كما حمل كل من حزبي المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا) والمؤتمر الشعبي المجلس العسكري مسؤولية أحداث مدينة الأبيّض، وطالباه بإجراء تحقيق سريع يقدم الجناة للعدالة والمحاسبة.

وندد المبعوث الأفريقي إلى السودان محمد الحسن لبات بقتل الطلاب في الأبيّض، وطالب الاتحاد الأفريقي بتقديم الجناة للعدالة،‎ وأعرب ممثل منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة (يونيسيف) في السودان عبد الله فاضل عن صدمته الشديدة إزاء إطلاق النار على الطلاب.

ويفتح تكرر التجاوزات التي تتورط فيها قوات الدعم المصير أسئلة عن مدى تأهيل وتدريب عناصرها، ومصير هذه القوات في مستقبل القوات النظامية بالسودان.

المصدر : الجزيرة