ليل سوريا الطويل.. كتاب يؤكد أن نظام الأسد لن يتغير

Syrian President Bashar al-Assad (C) talks to soldiers during a visit to Jobar, northeast of Damascus, in this handout photograph distributed by Syria's national news agency SANA on January 1, 2015. Al-Assad visited a district on the outskirts of Damascus and thanked soldiers fighting
النظام السوري لن يتغير ما دام يعتقد أنه كسب الحرب (رويترز)
تمكن بشار الأسد من البقاء في السلطة باستخدام العنف والإرهاب، كما فاز في حرب الدعاية بطريقة ترضي أصحاب الرأي الذين تناسوا بسهولة كل الجرائم التي ارتكبها حتى قبل الحرب الأهلية.

هكذا يبدأ السفير الفرنسي السابق في دمشق ميشيل دوكلو حديثه في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية قال فيها إن "النظام السوري لن يتغير ما دام يعتقد أنه كسب الحرب"، منبها إلى أن الحرب السورية بالنسبة للغرب تشبه الحرب الأهلية الإسبانية.

ويقدم الدبلوماسي -الذي يعمل الآن مستشارا خاصا في معهد مونتين- في كتابه "ليل سوريا الطويل" تحليلا للعجز الغربي في وجه الصراع السوري، متسائلا: هل الصراع السوري الذي لا نهاية له هو تكرار "للحرب الإسبانية" في بداية القرن الـ21؟

ويقول دوكلو إنه شعر في نهاية السنة الأولى من الصراع في صيف عام 2012 بأن سوريا تخوض "حرب إسبانيا" في العصر الحديث، موضحا "مع أن المواقف التاريخية لا تتكرر أبدا بشكل متماثل وأن عالم اليوم ليس عالم الثلاثينيات فإن أوجه التشابه لافتة للنظر بما يكفي لإلقاء الضوء على التحديات التي تفرضها الحرب السورية على ديمقراطياتنا اللاهثة كما كانت ديمقراطيات الثلاثينيات".

الحربان الإسبانية والسورية
ففي كلتا الحالتين -يقول دوكلو- نشأت المشكلة نفسها بالنسبة للغرب، فهل يجب عليه التدخل في حرب أهلية لدعم أولئك الذين يعتبرهم قريبين منه أو على الأقل من يقاتل خصومه؟

ونبه صاحب الكتاب إلى أن حكومة الجبهة الشعبية بإسبانيا واجهت انتفاضة عسكرية في عام 1936، في حين اندلعت انتفاضة شعبية في سوريا ضد قمع السلطات القائمة، مشيرا إلى أن هناك صلة ما تربط بين الجمهوريين الإسبان والمتمردين السوريين، إذ حاول كل منهما مواجهة دكتاتورية راسخة.

وفي كلتا الحالتين -يقول دوكلو- اختارت الديمقراطيات الغربية ضبط النفس، في حين لم يتردد معارضو الديمقراطية في التدخل -كألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية اللتين دعمتا فرانكو عسكريا على نطاق واسع- تماما كما تدعم إيران وروسيا اليوم (الرئيس السوري) بشار الأسد.

وقال الكاتب إن الديمقراطيات تركت جهات تتصرف، مثل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في عهد ستالين لصالح الجمهورية، وبالمثل تتمتع دول الخليج وتركيا بمجال حر لتوجيه المعارضة السورية المسلحة.

ونبه الكاتب إلى نقطة تشابه أخرى، وهي أن الدول الغربية افترضت مسبقا أن الجبهة الشعبية الإسبانية مخيفة، ونفس الشيء بالنسبة للتمرد السوري المشتبه في كونه إسلاميا منذ البداية، حتى عندما كان سلميا وتظاهر من أجل أفكار قريبة من أفكار الغرب.

وعندما سأل الصحفي مارك سيمو عن هذه "الحرب الأهلية العالمية" السورية عما إذا كانت تدشن لنوع جديد من الصراعات، أجاب دوكلو بأن الأمر ليس بالضرورة كذلك، مشيرا إلى حروب البلقان في التسعينيات التي بقيت محدودة، خلافا للصراع السوري الذي أفلت بسبب تعدد الجهات الفاعلة.

وأشار الكاتب إلى لوحة "حلبونيكا" للرسام البرتغالي فاسكو غارغالو لمدينة حلب التي دمرتها الطائرات الروسية، وقال إنها لا تختلف عن لوحة غرنيكا للرسام بيكاسو عام 1937 لقصف مدينة نايرني التي دمرتها الطائرات النازية خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) إلا في أبطالها بوتين والأسد.

وكانت روسيا قد ضمنت الأمن السيبراني والدفاع الجوي للنظام قبل التدخل المباشر في خريف 2015، ثم تدخل الأتراك ضد الأكراد السوريين المدعومين من قبل الأميركيين والفرنسيين في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فأصبحت هذه الحرب الأهلية إقليمية ثم تحولت إلى صراع عالمي تتواجه فيه إيران وإسرائيل وروسيا وأميركا وتركيا، فضلا عن إرهابيين متعددي الجنسيات.

وفي إشارة عابرة، نبه الكاتب إلى الوضع في السودان، حيث تشير أدلة -حسب رأيه- إلى أوجه للتشابه مع الحالة السورية، وذلك أن الضغط السعودي الإماراتي يسعى للحد من الحركة الشعبية، والصين وروسيا عرقلتا أي قرار في مجلس الأمن الدولي كما كان الحال سابقا في سوريا.

 
نظام العنف والإرهاب
وردا على السؤال: لماذا لم يتزعزع النظام السوري، في حين جرفت موجة "الربيع العربي" ابن علي من تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا؟ قال دوكلو إن السبب الأول هو طبيعة النظام السوري الذي أسسه حافظ الأسد عام 1970 والذي يقوم هيكليا على أقلية، لأنه يعتمد على الطائفة العلوية ويضمن الاستمرار عن طريق العنف والإرهاب.

وضرب الكاتب مثالا على ذلك بمذابح حماة في عام 1982 حين لجأ حافظ الأسد إلى أقصى حدود العنف، مما تسبب في قتل ما بين 15 ألفا و20 ألفا حسب الكاتب، واعتبر النظام أنه أباد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، مما منحه -حسب تعبيره- ثلاثين عاما من الهدوء.

والسبب الثاني أن بشار الأسد في مواجهة التحدي اختار التوجه إلى أقصى حدود العنف ضد المظاهرات الأولى في درعا عام 2011، مما أدى إلى حمام دم لوقف الثورة التي تم الإعلان عنها، وكانت فرصته الكبيرة هي اندلاع التمرد في وقت سئم فيه الرأي العام الغربي وصناع القرار -خاصة في الولايات المتحدة- من التدخل الخارجي، وترك المجال مفتوحا لروسيا بوتين.

وهكذا سمح الصراع السوري لروسيا بأن تصبح قوة عظمى بعد أن استغل سيد الكرملين هذا الفضاء ليظهر للغربيين أنه لم يعد يقبل تغييرات النظام التي يفرضها الغرب على حلفائه وأتباعه.

 
ومن خلال التدخل العسكري في سوريا في خريف عام 2015 أراد بوتين استعادة مرتبة روسيا على الساحة الدولية بعدد قليل جدا من الوسائل العسكرية وحقق نجاحا يفوق توقعاته، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تحدث أزمة في الشرق الأوسط دون أن تلعب الولايات المتحدة دورا مركزيا فيها.

وقال دوكلو إن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط اتضح في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2013، وذلك عندما استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه، واستسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما ولم ينفذ الضربة التي كان من المتوقع أن تترتب على تجاوز "الخط الأحمر" الذي رسمه هو نفسه.

وعند سؤال الصحفي للكاتب عن الصراع السوري عما إذا كان يمثل نهاية التدخلات الغربية، قال إن عملية عسكرية واسعة في سوريا لم تكن ممكنة ولا مرغوبة، بل كان الغربيون يقومون بالضربات الانتقائية المحدودة والمحددة لإقناع الأسد بأنهم كانوا جادين.

وقال الكاتب إن النظام السوري فاز بحرب الدعاية في الوقت الراهن، خاصة أنها كانت دعاية فعالة قائمة على عناصر حقيقية ولها صدى قوي لأن صعود الإسلاميين كان حقيقة واقعة، وقد استطاع النظام -الذي كان مسؤولا إلى حد كبير عن ذلك- أن يظهر في ثوب السلطة العلمانية الحامية للمسيحيين.

ورأى الكاتب أن هذه القصة التي روجها النظام استمدت قوتها من تقديم ما يريد الرأي العام أن يصدقه، خاصة في فرنسا، حيث نسي الناس كل ما كان قبل الحرب الأهلية من جرائم.

المصدر : لوموند