هل ولد "الناتو" العربي ميتا؟

blogs قمة مكة
بعد فشل إقامة ناتو عربي، عمدت الرياض إلى عقد قمم ثلاث في يومين أواخر رمضان الماضي (رويترز)

عبد الله العمادي

يرى كثير من المراقبين أن مشروع "حلف الناتو العربي" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب -وإن كان البعض يرى أنه مشروع سلفه باراك أوباما- قد وُلد أو جاء إلى الحياة ميتا.

فهو منذ التبشير به والإعلان عنه، لم يخرج منه إلى الإعلام سوى الخلافات بين بعض الأعضاء الرئيسيين فيه، وتحديدا بين السعودية ومصر.

مشروع تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي واختصاره في الترجمة الإنجليزية بكلمة "ميسا" (MESA) أو "الناتو العربي" كما اصطلح على تسميته إعلاميا، يضم دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر والأردن.

فكرته أميركية وهدفه شبه الخفي حماية المصالح الأميركية بالدرجة الأولى، ومدخل واسع لترامب ينطلق منه نحو تحقيق المزيد من الوعود الانتخابية للجماهير الأميركية، من خلال سحب مليارات الدولارات عبر تأسيس هذا الحلف، ومن خلال إعداده وتجهيزه بالمعدات والأسلحة والخبرات والتدريبات وغيرها.

أما الإعلان عن الهدف الظاهري له فهو التصدي للتوسع أو العدوان أو التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى الإرهاب المحيط بالمنطقة بشكل عام.

ترامب في كل مرة يعلن عن استعداد بلاده لحماية السعودية ولكن بثمن(الجزيرة)
ترامب في كل مرة يعلن عن استعداد بلاده لحماية السعودية ولكن بثمن(الجزيرة)

موت الناتو العربي.. أسباب وعوامل
لكن لماذا يرى المراقبون أن هذا الحلف قد ولد ميتا، وإن لم يكن كذلك فهو إلى الموت السريع أقرب؟ السبب في ذلك عدة أمور:

أولا- دول الخليج الست ليست على وئام واتفاق بخصوص العدو المشترك، فبينما ترى السعودية والإمارات والبحرين أن العدو هنا هو إيران، والتعامل معها يجب أن يكون بالحزم والبأس العسكري، ترى قطر والكويت وعمان عكس ذلك، وأن طهران قوة إقليمية يجب احترامها أولا، ومن ثم ثانيا، ترى أهمية الحوار والتفاهم معها، باعتبارهما السبيل الأوحد لمواجهتها والتعامل معها.

ثانيا- ترى مصر والأردن أن الدخول في خلق وصناعة عداوة مع إيران ليس ضمن أولوياتهما أو أجندتهما السياسية، بل أساسا ليس هناك ما يدعوهما إلى هذا المسلك مع قوة إقليمية، وتبنّي مواقف تتوافق مع أجندة الرياض أو أبو ظبي.

ثالثا- الخلاف السريع الذي بدا خفيا لكنه ظهر إلى العلن تدريجيا بين السعودية ومصر، من أسباب تأجيل أو عدم بدء الحلف في الثبات على الأرض والانطلاق للعمل. فالرياض ترى أحقيتها بقيادة الحلف، بينما تجد القاهرة صعوبة في إخضاع الثقل العسكري المصري تحت قيادة دولة ليس لها باع وخبرة في مجال الحروب كالسعودية.

يضاف إلى ذلك تحسس القاهرة من ذلك الفتور العربي لا سيما من السعودية، وسعي أطراف عربية أخرى لإجهاض المشروع الذي قدمته مصر عبر الجامعة العربية عام 2015، وتمثل في إنشاء قوة عربية لحماية المنطقة، مما دفع القاهرة للقيام بما يمكن التعبير عنه تجاه الناتو العربي بموقف "واحدة بواحدة".

الرياض وحيدة أمام طهران
أمام هذا الخلاف العربي المعقد والمعتاد، تتأزم الأمور وتتوتر الأجواء في المنطقة بعد تكرار حوادث تخريب الناقلات وضرب مصافي النفط التابعة لأرامكو، فتدعو الرياض إثر ذلك إلى عقد قمم ثلاث خلال يومين في مكة المكرمة أواخر رمضان الفائت؛ قمة خليجية وأخرى عربية ثم قمة إسلامية.

الهدف المعلن هو التصدي لكافة أشكال الإرهاب، وفي الواقع كانت دعوة سعودية ومحاولة منها لحشد أكبر عدد ممكن من التأييد العربي والإسلامي لمواجهة إيران، لكن انتهت القمم الثلاث دون نتيجة تذكر.

وربما لا يخفى على المراقب سبب الإخفاق السعودي في استثمار ذاك التجمع العربي الإسلامي في القمم الثلاث، فقد تعقدت وتأزمت علاقاتها بكثير من عواصم القرار العربي: القاهرة وعمّان والدوحة والرباط، فضلا عن عدة عواصم إسلامية أيضا، وهي عوامل أضعفت أي جهود تُبذل لإنشاء الناتو العربي.

وبدت السعودية وحيدة في مواجهة إيران، ما عدا الرئيس ترامب الذي لم يعد يتردد في كل مرة عن الإعلان جهراً عن استعداد بلاده لحماية السعودية ولكن بثمن، مما وضع الرياض في خانة من الابتزاز ليس له قاع أو نهاية.

مصر تقدمت بمقترح إنشاء قوة عربية قوبل بفتور من أطراف عربية عدة(رويترز)
مصر تقدمت بمقترح إنشاء قوة عربية قوبل بفتور من أطراف عربية عدة(رويترز)

مواجهة إيران بالحوار
لكن الجدير بالذكر في هذا السياق، وبعد أن تلاشى مشروع الناتو العربي تقريبا، هو التحول النوعي الذي ظهر على الصوت الإماراتي -أقوى حلفاء السعودية- قبل أيام حين كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش أنه لا يمكن معالجة التوتر في الخليج إلا سياسيا.

هكذا كتب، وطلب دورا للقوى الإقليمية في التهدئة، وهو ما اعتبره مراقبون كُثر كلاما عاقلا حكيما يحتاج إلى ترجمة واقعية على الأرض، بل ربما يدعو الدول الخليجية -ومنها الإمارات نفسها المحاصرة لقطر بسبب إيران- إلى إعادة قراءة الواقع الخليجي بعمق أكبر، وبعيدا بعض الشيء عن الرؤية الأميركية لهذا الواقع.

جملة ما يمكن القول في هذا الواقع الخليجي المتوتر أن تضارب مصالح دول الخليج الست مع بعضها البعض، واختلاف وجهات نظرها وتباينها تجاه إيران، ومحاولة السعودية والإمارات الزج بقوى عربية من خارج المنطقة مثل مصر والأردن في التوتر القائم مع طهران، كلها عوامل لا تساعد على توحيد رؤية معينة للتعامل مع قوة إقليمية كإيران التي لا يمكن تجاوزها أو الدخول معها في صراع طويل الأمد، مهما بدا الإعلام الأميركي وغيره يصور للعالم هشاشة هذه القوة.

ولقد حان الوقت للسياسة والدبلوماسية أن تضع أقدامها في هذا الجو المتوتر الخانق بالخليج، فحرب اليمن وبعض الحوادث الأخيرة في المنطقة أثبتت أن لغة الرصاص والنار لن تحلحل الأمور، مع ظهور أهمية سد المنافذ على مسعري الحروب أو صقورها في الجانب الأميركي والخليجي.

وإن الموقف الأخير للرئيس ترامب -وهو زعيم أقوى إمبراطورية عسكرية بشرية في العالم الحديث- وميله نحو التهدئة والتفاهم، إنما هو مؤشر مهم على أن تحكيم العقل في مثل هذه الأجواء المتوترة القابلة للاشتعال في أي لحظة، خير من آلاف العقول والجهود التي تجتمع لإطفاء ما تم إشعاله.

المصدر : الجزيرة