الفن في خدمة الجنرال.. ملامح السودان في زمن حميدتي

الخرطوم-الجزيرة نت

بالتوازي مع توجه المجلس العسكري لإنشاء كيان سياسي يعتمد على القطاع التقليدي، بدأ المؤيدون له رسم صورة جديدة لتمجيد الجنرالات، خاصة محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس.

ويعرض التلفزيون الرسمي أعمالاً فنية تشيد بدور قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي في حفظ الأمن.

وبعض هذه الأعمال أنتجت في السنوات الأخيرة لصالح قوات الدعم السريع، لكنها اكتسبت زخما جديدا مع طغيان اللواء حميدتي على المشهد السياسي بعد سقوط الرئيس عمر البشير.

وبدت الأغاني ملفتة بعد مخاطبة الفريق حميدتي لرجال الإدارة الأهلية الذين يتوقع أن يشكل جمعهم كياناً سياسياً يستند إليه المجلس العسكري لحكم السودان في المستقبل.

ويؤدي الأعمال الفنية شباب من الجنسين على إيقاعات محلية وعلى أنغام أوركسترا.

وتبدأ الأهازيج في الغالب بذكر قوات الدعم السريع، مشيدةً بقدراتها العسكرية وسرعة وصولها لأهدافها.

وتشارك فرقة سلاح الموسيقى في بعض تلك الأعمال، وهو ما يعتبره مراقبون تمددا تدريجيا لقوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة، بالنظر للرتبة الرفيعة التي يتقلدها قائدها.

ويعتبر الفريق حميدتي الشخصية الأكبر تأثيراً على مجريات الأحداث بعد سقوط البشير، ويقترن حضوره في أنحاء متفرقة من السودان بعزف الموسيقى والمشاهد المهيبة، على نحو ما كان يُستقبَل به قادة الأنظمة التي حكمت بلداناً كثيرة بالمنطقة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

أساليب سطحية
ويقول المصور والتشكيلي عصام عبد الحفيظ إن ذلك "التطبيل" هدفه تكثيف الحشد للمجلس العسكري الذي قرر "الاحتفاظ بالسلطة، معتمدا على أساليب سطحية للتعبئة الجماهيرية".

ويقول إن هذه الأعمال لا تحظى بالصفة الفنية، بل هي "دليل على ارتداد الدولة عن درب الحداثة، بعد أن قطعت شوطاً في ذلك الطريق".

ويرى عبد الحفيظ أن التطبيل للعسكر "يعد دليلاً على جرأة الجهل الذي سُخرت له وسائل الإعلام التي كانت تلهج بالحمد والثناء للبشير".

أما المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين صلاح شعيب فيقول إن ذلك النوع من الأداء الدعائي يتصل بفترة محددة سرعان ما تتلاشى لتبقى جزءاً من التاريخ.

ومن خلال قراءته للتجربة التاريخية يلاحظ شعيب أن الغناء المؤيد لأنظمة الاستبداد طمره النسيان مباشرة بعد زوال تلك الأنظمة، وهي العهود العسكرية الثلاثة: عبود، والنميري، والبشير.

لكنه يرى أن ذلك النوع من الأغاني لعب دوراً كبيراً في تزييف الوعي، وفي التأسيس لزعامة الحاكم الفرد.

ويختم شعيب بالقول "إن محاولة تدعيم سلطة البرهان وحميدتي بالمعازف لن يغنيهما عن التحديات العملية التي تواجههما، ولو كان التمجيد بالغناء يدعم الاستبداد لما سقطت الإنقاذ".

طبائع المستبدين
ويقول الكاتب الصحفي عبد الفتاح عرمان إن هذه طبائع المستبدين مثل بالرئيس المخلوع البشير وقبله النميري وهتلر في ألمانيا، وستالين في الاتحاد السوفياتي سابقا، وغيرهم كثر استخدموا الفن بكل أدواته لتمجيد شخصياتهم لخلق قبول لوجودهم على سدة الحكم.

ويتوقع عرمان "ظهور المزيد من تلك الأعمال التي تسعى لتشكيل صورة ذهنية لدى المتلقي لقبول تلك القوات وقيادتها"، وتصويرها على أساس أنها تعمل على استقرار المواطن وحمايته من كل المهددات الأمنية".

أما الناشط بالمجتمع المدني محمد سائح فيذكر أن نظام جعفر نميري حظي بأناشيد متماسكة، مثل نشيد "أمة الأمجاد"، وأناشيد ذات معانٍ لسيد خليفة وغيره.

ويقارن سائح بين أغاني عهد نميري وما ظهر مؤخراً من تمجيد لقوات الدعم السريع. ويقول إن الألحان الأخيرة طابعها العجلة، ونصوصها تكاد تخلو من المضامين والمعاني.

ويقول الملحن عمر الشاعر إن تجربة أناشيد حقبة نميري يصعب استلافها من الماضي؛ نظراً للتغيرات الفكرية والمزاجية التي حدثت في أوساط المجتمع.

وبحسب الشاعر، فإن الغناء لحدثٍ أو لشخص بعينه أصبح صعباً جداً في هذا العصر الرقمي، لكن التنغيم والألحان يظلان من السهل الممتع الذي يحرك مشاعر الجماهير.

المصدر : الجزيرة