"أباطرة المال" في الجزائر.. من القصر إلى الأسر!

Media and police surround a convoy of police vehicles as businessmen suspected of corruption are driven to court in Algiers, Algeria April 23, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina
إجراءات مشددة حول سيارة شرطة تقل متهما بالفساد لدى وصولها محكمة بالعاصمة الجزائر (رويترز)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

ربراب، وحداد، وكونيناف، وطحكوت.. أسماء عائلية مدوية لأغنى المليارديرات في الجزائر، ظل الناس إلى وقت قريب لا يذكرونها إلا همسا، أما الساسة والمسؤولون فلا يألون جهدا في التزلف إليها لارتباطها القوي بمراكز القرار العليا، حتى صارت عندها من أهل الحل والعقد، يشيرون عليها فتنفذ طلباتهم، ويأمرون فلا يرد لهم قول.

وبين عشية وضحاها، تغيرت الموازين باهتزاز النظام، فصار أعزة المال أذلة، حيث صدرت أوامر عن النيابة العامة لمحاكم العاصمة الجزائرية بالمنع من السفر ضد عشرة من رجال الأعمال، بناء على بلاغات من الضبطية القضائية لجهاز الدرك الوطني (تابع لوزارة الدفاع) تفيد بتورطهم في قضايا فساد.

وكانت البداية بتوقيف علي حداد (الرجل الثالث على قائمة الأغنياء بثروة تقدر بـ1.8 مليار دولار) صباح 31 مارس/آذار الماضي على الحدود التونسية، وهو يواجه الآن تهم حيازة جوازات سفر بطريقة غير مشروعة والحصول على امتيازات غير مستحقة.

يسعد ربراب يعتبر أغنى أغنياء الجزائر بثروة تقدر بأربعة مليارات دولار (رويترز)
يسعد ربراب يعتبر أغنى أغنياء الجزائر بثروة تقدر بأربعة مليارات دولار (رويترز)

"كبير الأغنياء"
ثم يتوالى سقوط أهرامات الكارتل المالي بحبس "كبير الأغنياء" يسعد ربراب الذي تقدر ثروته بأربعة مليارات دولار يوم 22 أبريل/نيسان الماضي بتهم التزوير وتحويل الأموال مع تضخيم الفواتير.

ثم يلحق به في نفس اليوم الإخوة رضا وكريم ونوح من عائلة كونيناف التي تبلغ ثروتها 300 مليون دولار، بتهم الحصول على امتيازات وتحويل أراض عمومية، مع تبييض الأموال والتمويل السري للأحزاب.

أما رابع الموقوفين فكان محيي الدين طحكوت وأشقاؤه، وهو يعد ثاني أغنياء الجزائر بثروة بلغت ملياري دولار، بتهم تبييض الأموال والحصول على امتيازات.

وبذلك نال سجن الحراش الشهير في العاصمة الجزائرية لقب "السجن الأغنى"، وهو يؤلف بين أجسادهم من وراء القضبان.

ولا تزال التحقيقات جارية بشأن التهم المنسوبة إلى هؤلاء الموقوفين، وهي تهم خطيرة جدا وفق لوائح الاتهام القضائية، وقد تصل عقوبتها -وفق القانون الجزائري- إلى حد السجن المؤبد فيما يتعلق بمخالفات القروض البنكية، علما بأن النائب العام التمس 18 شهرا نافذة في حق علي حداد في قضية الجوازات وحدها، بينما تعتبر هيئة الدفاع التهم الموجهة لموكليها قضايا سياسية بالأساس مطالبة بإنصافهم.

ويؤكد الخبير الاقتصادي فارس مسدور أن هذه الفئة من الأغنياء تغلغلت في منظومة الحكم، خاصة خلال مرحلة مرض الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وتولي إخوته زمام السلطة، فكان لها الأثر البالغ على دواليب الاقتصاد بعدما حظيت بمشاريع وامتيازات ضخمة خارج القانون.

واعتبر مسدور أن هؤلاء تفننوا في ممارسة الجريمة الاقتصادية برعاية حكومية سامية.

ولكن محامي المتهمين خالد بورايو يرى أن الاعتقالات الأخيرة تندرج ضمن الاستغلال السياسي للقضاء، حيث يرى أن ما يحدث هو وضع لرجال أعمال رهن الحبس المؤقت عن طريق حملات تشويه، في حين كان ينبغي للعدالة أن تبقى بعيدة عن الاستعمال السياسي وتقتصر على تطبيق القانون، على حد تعبيره.

محيي الدين طحكوت متهم بالفساد وتبييض الأموال (الصحافة الجزائرية)
محيي الدين طحكوت متهم بالفساد وتبييض الأموال (الصحافة الجزائرية)

توظيف سياسي
ويوضح بورايو أنه تم وضع موكله محيي الدين طحكوت رهن الاعتقال في الساعة الرابعة إلا عشر دقائق من فجر الاثنين الماضي، وبعد دقيقة واحدة نقلت كل وسائل الإعلام الجزائرية الخبر العاجل، واصفا ذلك بأنه "توظيف سياسي" للملف.

أما وزير التخطيط السابق بشير مصيطفى فوصف محاكمة أصحاب الثروات غير الشرعية بأنها "حملة الأيادي النظيفة"، كعربون حسن نية من السلطة الفعلية للبلاد في تطهير عالم المال والأعمال، وللدلالة على أنها تمارس التغيير ولو بهدوء.

واستبعد مصيطفى أن يكون لهذه المتابعات أثر سلبي على القطاع الاقتصادي أو الاستثمار الأجنبي، بل ستسمح -حسب رأيه- بالمنافسة الشريفة وتتيح فرصا متساوية بين الشركات الخاصة والمؤسسات العمومية.

لكنه أكد أن الحرب على الفساد لا تخلو من تصفية حسابات مع المحسوبين على منظومة المال والأعمال السابقين، وهو ما يؤشر عليه استدعاء عدد من الوزراء والولاة ذوي الصلة إلى المحكمة العليا، مشددا على ضرورة احترام العدالة الكاملة وفق القانون تجنبا لأي تجاوزات.

المصدر : الجزيرة