العلاقات الإيرانية الأوروبية.. هل دخلت مرحلة جديدة؟

German Foreign Minister Heiko Mass in Tehran- - TEHRAN, IRAN - JUNE 10 : (----EDITORIAL USE ONLY – MANDATORY CREDIT -
وزير الخارجية الألماني التقى الرئيس الإيراني للتباحث بشأن الاتفاق النووي (الأناضول)

عماد آبشناس

لا يخفى على أحد أن المفاوضات النووية المعروفة بين إيران ومجموعة 1+5 كانت في الواقع مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وأن الدول الخمس الأخرى كانت مشرفة على هذه المفاوضات كي تقدم الضمانات للطرفين، ورغم ذلك فإن الإيرانيين لم يطمئنوا وطلبوا من الاتحاد الأوروبي التوقيع على الاتفاقية النهائية وأن يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يتبنى الاتفاق النووي.

والسبب وراء الطلب الإيراني هو أن طهران كانت قد وقعت عام 2005 اتفاقية مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي كانت تنوب حينها عن الولايات المتحدة، ونفذت إيران تعهداتها وفقا لهذه الاتفاقية شرط ألا يحال ملفها إلى مجلس الأمن أو تُفرض عليها عقوبات، لكن ملف إيران أحيل إلى مجلس الأمن وفُرضت عليها عقوبات.

وعندما تواصل حسن روحاني (الرئيس الإيراني الحالي والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي والمفاوض الإيراني عام 2005) مع جاك سترو (وزير الخارجية البريطاني حينها) أجابه سترو قائلا "نحن وعدناكم بأن نحاول الحؤول دون انتقال ملف إيران إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات على إيران ونحن حاولنا ولكننا لم نستطع الوقوف أمام الولايات المتحدة".

وعلى هذا الأساس، فإن إيران كانت ترفض المفاوضات مع الولايات المتحدة أو حتى الدول الأوروبية منذ ذلك الحين، ولكن الأوروبيين استطاعوا إقناع الإيرانيين بأن باراك أوباما رئيس يختلف عن باقي الرؤساء الأميركيين، وأنهم مستعدون لتقديم جميع الضمانات التي تطالب بها إيران للتأكد من تنفيذ أي اتفاق ينتج عن هذه المفاوضات.

وتم الوصول إلى اتفاق عام 2013، وكان يمكن أن يفسح المجال أمام اتفاقيات مستقبلية أخرى حسب رأي الرئيس الإيراني حسن روحاني حين قال عام 2014 إن إيران والدول الأخرى تحتاج إلى اتفاق ثان وثالث، ورد عليه المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية قائلا "لا تتسرعوا، انتظروا كي نرى إن كان هذا الاتفاق سوف ينجح".

ونفذت إيران جميع تعهداتها حسب 15 تقريرا قدمته المنظمة الدولية للطاقة الذرية، في حين أن الولايات المتحدة لم تنفذ تعهداتها، أما الدول الأوروبية فنفذت تعهداتها على الورق فقط.

بعد الانسحاب الأميركي
وعندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 الخروج من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 وعدت الدول الأوروبية إيران بأنها ستنفذ جميع تعهداتها وستضع أنظمة مالية تساعد إيران على تجاوز العقوبات الأميركية عليها.

وسُمي هذا المشروع بـ"أس بي في"، وأكد الأوروبيون للإيرانيين أنهم سوف ينفذون هذا المشروع شرط بقاء إيران في الاتفاق النووي وتنفيذ تعهداتها كما في السابق وكأن شيئا لم يحصل.

ورغم أن كثيرين في إيران كانوا يعتبرون أن الوعود الأوروبية ما هي إلا فخ لطهران كي تنفذ تعهداتها وفقا للاتفاق النووي دون مقابل، وأن الأوروبيين يلعبون دور الشرطي الجيد مقابل الولايات المتحدة التي تلعب دور الشرطي السيئ، مع أن هدفهما واحد، فإن حكومة الرئيس روحاني قررت أن تعتمد على الأوروبيين، وانتظر الإيرانيون على مدى عام تنفيذ الوعود الأوروبية بخصوص الـ"أس بي في"، ولكن الأوروبيين لم يفعلوا شيئا، وزاد الأميركيون من ضغوطهم وعقوباتهم على إيران خلال هذا العام بشكل غير مسبوق.

في الواقع لم يكن اعتماد حكومة الرئيس روحاني على الأوروبيين دون سبب، إذ كانت تأمل أن تستطيع بهذه السياسة الحؤول دون اتحاد الولايات المتحدة وأوروبا ضد إيران.

ولكن ما حصل أن إيران وجدت بعد مرور عام أن الأوروبيين ينفذون جميع العقوبات الأميركية وبحذافيرها، وحتى بصرامة أشد من الأميركيين، الأمر الذي يعني أن أمل إيران بألا ينضم الأوروبيون للولايات المتحدة في فرض عقوبات على إيران لم يعد ذا أهمية.

إيران تجس نبضهم
على هذا الأساس، غيرت إيران مع بداية مايو/أيار الماضي إستراتيجيتها لجس نبض الأوروبيين إن كانوا شركاء أو منافسين، وأعلنت أنها ستعلّق قسما من تعهداتها وفقا للاتفاق النووي لمدة 60 يوما، وإذا لم يقم الشركاء الآخرون في الاتفاق النووي بتنفيذ تعهداتهم فإنها ستنفذ خطوات جديدة وتعلّق تعهدات أخرى كل 60 يوما.

ولا يخفى على أحد أن التصعيد في المنطقة خلال مايو/أيار الماضي أدى إلى نوع من التخوف لدى الاتحاد الأوروبي بأن إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط في خطر كبير، إضافة إلى أن هناك ملايين اللاجئين الذين قد يتحركون تجاه أوروبا إذا اندلعت حرب جديدة في المنطقة.

وعلى الفور أعلنت ألمانيا أن وزير خارجيتها سوف يزور طهران ضمن جولة إقليمية في محاولة لتخفيف الاحتقان في المنطقة.

تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في بغداد والتي أكد فيها أن "المشكلة ليست في المفاوضات بل ضمان تنفيذ نتائج أي مفاوضات"، أعطت صورة إيجابية بأن ألمانيا تتفهم الموقف الإيراني. ولكن بعد زيارته إلى أبو ظبي وإعلانه أنه سوف يبلغ الجانب الإيراني أن المجتمع الدولي لديه مخاوف كبيرة بشأن برنامج إيران الصاروخي والنفوذ الإيراني في المنطقة، تغيرت الصورة، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل عنيفة في إيران تجاه أهداف هايكو ماس من سفره إلى إيران.

فبالتأكيد يعلم الألمان مدى حساسية مثل هذه التصريحات بالنسبة للإيرانيين، وإذا كانت لديهم أهداف للتوسط فلا يجب أن يثيروا احتجاجا ضدهم، إلا إذا كانوا يريدون أن يجسوا النبض ويدرسوا مدى تأثير الضغوط على الإيرانيين.

ولكن ظل لدى الحكومة الإيرانية أمل في أن يحمل ماس رسالة أوروبية مهمة في جعبته يمكن أن تحل العديد من المشاكل والخلافات.

وحسب ما أكده لي أحد المطلعين على المفاوضات، فإن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تفاجأ في الاجتماع مع ماس بأن الوزير الألماني أتى إلى طهران مكررا المكررات ومعطيا وعودا خاوية لإيران.

فقد عرض الوزير الألماني تفعيل نظام الإنستكس (INSTEX) للتبادل المالي بين إيران وأوروبا خلال الأسبوع المقبل وبشكل تجريبي، بينما ترفض إيران مشروع الإنستكس أصلا، حسب تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس الموسوي، لأنها تعتبره ترتيبا على غرار مشروع الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء الذي استخدم مع عراق صدام حسين.

وطلب ظريف من الوزير الألماني أن تنفذ أوروبا جميع تعهداتها الاقتصادية حسب الاتفاق النووي، لكن الوزير الألماني رد بأن أوروبا تحاول جهدها ولكن قدرتها محدودة (جواب مشابه لما سمعه روحاني من جاك سترو قبل 14 عاما).

غضب بوجه الضيف الألماني
وأغضب ذلك ظريف حسب ما أكدته المصادر وانفجر أمام الضيف الألماني قائلا "هل تريد أن تقنعني بأنه إذا كانت لديكم الإرادة والتزمتم أنتم وباقي الدول الأربع التي وقعت على الاتفاق النووي ولحقت الهند واليابان بكم، فإنكم لا تستطيعون فعل شيء، وأن الولايات المتحدة ستستطيع معاقبة الجميع معا؟ إذا فعلت ذلك فإن كل الاقتصاد العالمي سينهار".

وأصر ظريف على عدم اقتناعه بالموقف الأوروبي هذا، وحسب ما جاء في مؤتمره الصحفي المتشنج مع الوزير الألماني، فقد رفض طلب الأوروبيين بأن تتراجع إيران عن قرارها بتعليق تنفيذ تعهداتها في الاتفاق النووي كل 60 يوما.

وواجه الوزير الألماني النبرة نفسها من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، وغادر إيران برسالة فحواها أنه يجب أن ينسى روحاني وظريف السابقَين والمعتدلَين، وإذا أرادت أوروبا الاستمرار بتصرفاتها الحالية وأصرت على أن تكون طرفا إلى جانب الولايات المتحدة بدل أن تكون ضامنا للاتفاق النووي ووسيطا نزيها، فسوف ترى الوجه الآخر لروحاني وظريف.

وانهالت وسائل الإعلام الإيرانية بالهجوم العنيف على ألمانيا التي تعتبر من الشركاء الأوروبيين الكبار لإيران.

وفي الأثناء، طالب نواب في مجلس الشورى الإيراني الحكومة الإيرانية بالاعتراض على إقامة حفل يوم ميلاد ملكة بريطانيا في السفارة البريطانية في طهران وإقامة الأوروبيين حفلات مختلطة يُشرب فيها الخمر.

وتجدر الإشارة إلى أن بيانات هؤلاء النواب ركزت على الأوروبيين فقط، في حين أن هناك دولا أخرى تقيم حفلات يشرب فيها الخمر في طهران لم تتم الإشارة إليها.

ويعكس هذا نوعا من الغضب الداخلي تجاه الأوروبيين بشكل خاص، ويرسم صورة ضبابية عن مستقبل العلاقات الإيرانية الأوروبية.

المصدر : الجزيرة