الجمعيات في تونس.. أنشطة خيرية ومآرب أخرى

A man casts his vote for the municipal election in Tunis, Tunisia, May 6, 2018. REUTERS/Zoubeir Souissi
تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات البلدية العام الماضي (رويترز)

بدر الدين الوهيبي-تونس

اتهم سياسيون ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تونس بالارتباط بأجندات سياسية عبر توظيف أنشطتها في معارك وحملات انتخابية مشبوهة.

وأذكت الاتهامات التي وجهت لأحزاب سياسية وجهات أجنبية الجدل حول جديّة تعاطي الحكومة مع ملفّ الجمعيات التي أظهرت حسب مراقبين مواقف سياسية معلنة لاستقطاب الأصوات استعدادا للانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة آخر العام الحالي.

وطرحت هذه التطورات قضية مراقبة تطبيق قانون الجمعيات في ظل ما يوصف باستفحال المال السياسي، وارتباط بعض الجمعيات بأجندات ذات مصالح ونفوذ حفاظا على مصالحها الاقتصادية.

وفي السياق، يقول النائب مبروك الحريزي إن الأهداف والمطامع السياسية الخفية للجمعيات تدور أساسا حول استمالة الناخبين، مشيرا إلى أنها تنتهك خصوصياتهم وجمع معطيات خاصة بالمواطنين من قبل شركات سبر الآراء أو مؤسسات بعثت للغرض.

‪الحريزي: المطامع السياسية الخفية للجمعيات هدفها استمالة الناخبين‬ (الجزيرة)
‪الحريزي: المطامع السياسية الخفية للجمعيات هدفها استمالة الناخبين‬ (الجزيرة)

ويضيف الحريزي للجزيرة نت أن هذه الجمعيات تستغل معطيات شخصية للمواطنين -هي بمثابة معلومات أمن قوم-، بهدف استثمارها للتدخل في خيارات الناخبين والتأثير عليهم.

من جهته، يقول النائب والقيادي بحركة النهضة نوفل الجمّالي إن التداخل الذي تعيشه تونس حاليا بين عمل الجمعيات والعمل السياسي غير صحي ولا يساهم في بناء مجتمع مدني قوي ومحايد وبنّاء.

واعتبر بحديثه للجزيرة نت أن الحل يكمن في الإسراع بتفعيل مشاريع القوانين المتعلقة بالجمعيات والأحزاب السياسية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مواطن الخلل الحالية.

غايات سياسية
وتمثّل الجمعيات الناشطة في المجالين الاجتماعي والثقافي نسبة تفوق 30% من جملة أكثر من 21 ألف جمعية تتركز جلها في العاصمة حسب إحصائيات مركز "إفادة" للجمعيات أصدرها الشهر الماضي.

ومن بين هذه الجمعيات "عيش تونسي" التي يربط شق من التونسيين قياداتها الشبابية بنداء تونس، وتتهم بنشاطات ميدانية أثارت شكوكا حول مصادر تمويلاتها.

في المقابل، يرى رئيسها سليم بن حسن أن هذه الاتهامات جاءت ردا على إعلان جمعيّته الحرب على الفساد، مؤكدا أن الهدف الأساسي من نشاطهم هو القضاء على الفوضى ووضع البلاد على "السكّة".

وتتهم هذه الجمعية أيضا بالارتباط الوثيق بإحدى عضواتها بمؤسسة "رامبورغ" الفرنسية التي تتهم بدورها بالعمل على حماية المصالح الفرنسية في تونس وخاصّة استغلال الثروات الباطنية.

اتهامات لقناة "نسمة"
كما يتّهم صاحب قناة نسمة الخاصة نبيل القروي بتوجيه المشاهدين والقيام بحملات انتخابية مبطنة، مستغلا المساعدات التي يقدمها البرنامج الخيري "خليل تونس" للتأثير على اختيارات الناخبين للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها.

يُذكر أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هايكا) سلّطت عقوبة مالية على القروي بسبب الظهور المتواتر له في البرنامج الخيري والذي اعتبر بمثابة حملة ترويجية لشخصه وصورته أمام التونسيين خاصة المعدومين منهم.

ومن جانبه، أعلن القروي منذ أيام في مؤتمر صحفي -تزامن مع قرار "الهايكا" قطع بث "نسمة"- "اتخاذه القرار بالتدخّل في الشأن العام" وهو إعلان رأى مراقبون أنه يحمل الكثير من المعاني والتأويلات.

تمويلات مشبوهة
ونشرت هيئة مكافحة الفساد في تقاريرها تجاوزات وصعوبات في عملية رصدها للانتهاكات والمخالفات، من خلال عدم تفاعل بعض الجمعيات وأعضائها مع قانون التصريح بالمكاسب.

كما كشفت دائرة المحاسبات في تقريرها الأخير تجاوزات عدّة في مراقبة الحملات الانتخابية أغلبها على علاقة بالمال السياسي وتمويل الحملات الانتخابية، مشيرة إلى أن نشاط الجمعيات قد يكون إحدى واجهات التمويل المشبوهة لاستقطاب أصوات الناخبين وشراء الذمم.

من جهتها، وجّهت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان أكثر من سبعمئة تنبيه لعدد من الجمعيات، وتم الأمر بتعليق نشاط 77 منها، وصدور أحكام قضائية بحلّ عدد آخر.

وبهذا الخصوص، يقول الجمالي إنه بالنظر للتطورات الحالية في ملف الجمعيات فإن هذه الوزارة تعكف حاليا في جزء هام من أشغالها على ما أسماه الملف الشائك لتمويل الجمعيات.

من جانبه، يضيف المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي أن الجمعيات التي مولت جماعات متطرفة وإرهابية خير دليل على دقة وحساسية الموضوع، إذ يجد بعض الأشخاص الواجهة القانونية الملائمة للتستّر على أجندات مريبة، حسب قوله.

المصدر : الجزيرة