شهر على هجوم طرابلس.. حفتر لا ينتصر و"الوفاق" لا تنكسر

A member of the Libyan internationally recognised government forces fires during a fight with Eastern forces in Ain Zara, Tripoli, Libya April 25, 2019. REUTERS/Hani Amara
هجوم قوات حفتر على العاصمة طرابلس قوبل بمقاومة شرسة من قبل قوات حكومة الوفاق (رويترز)

رغم مرور شهر على إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، ما زالت قواته عاجزة عن اختراق الطوق العسكري الذي فرضته قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، رغم تقدمها السريع في بداية الهجوم.

في 4 أبريل/نيسان الماضي، هاجمت قوات حفتر مدن غلاف العاصمة من محورين رئيسيين، الأول انطلق من قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب شرق طرابلس) وبلدة العجيلات (80 كلم غرب طرابلس)، ومنهما دخلت إلى مدينتي صبراتة وصرمان دون قتال بعد اختراقات سابقة للمدينتين.

لكن قوات حفتر تعرضت لانتكاسة كبيرة عندما اصطدمت بكتائب مدينة الزاوية (45 كلم غرب طرابلس) والتي ألحقت بها هزيمة قاسية، أوقفت بعدها قوات حفتر الهجوم عبر الطريق الساحلي، خاصة وأن هذا المحور تلقى هزيمة أقسى عندما سقط 128 عنصرا مواليا لحفتر أسرى لدى قوات الوفاق، بعد ساعات فقط من سيطرتهم على حاجز أمني يسمى "كوبري 27" على بعد 27 كيلومترا من طرابلس.

المحور الثاني يمثل القوات الرئيسية لحفتر القادمة من الشرق عبر مسار طويل من بنغازي جوا إلى قاعدة الجفرة الجوية (وسط) ثم الانتقال برا إلى تخوم العاصمة والاحتشاد بمنطقة الأصابعة، قبل دخول مدينة غريان (مركز بلدات جبل نفوسة) دون قتال بعد تفاهمات مع مسلحين من المدينة.

طعنة ترهونة
وتقدمت قوات حفتر عبر هذا المحور نحو مدن منطقة ورشفانة، المعروفة بولائها لنظام القذافي السابق، ورغم المقاومة الضارية لقوات المنطقة الغربية التابعة للوفاق بقيادة أسامة الجويلي (أغلب قواته من مدينة الزنتان)، فإن مدن العزيزية والساعدية والزهراء سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد حفتر.

في الوقت الذي كانت فيه قوات الوفاق تحاول صد التقدم السريع لقوات حفتر من الغرب والجنوب، عاجلها اللواء التاسع (المشكل من دمج اللواءين السابع و22 ترهونة) بهجوم قاتل على جناحها الجنوبي الشرقي، رغم أن اللواء السابع الذي هاجم العاصمة في صيف 2018 أعلن أكثر من مرة تبعيته لحكومة الوفاق التي أقرّت حله في العام نفسه.

سيطر اللواء التاسع بشكل سريع على بلدتي سوق الخميس واسبيعة الإستراتيجيتين (45 كلم جنوب طرابلس)، ودون سابق إنذار توغل في غفلة من الجميع وسيطر على ضاحية قصر بن غشير (25 كلم جنوبي طرابلس)، بل واصل اختراقه منطقة عين زارة، الواقعة على تخوم وسط العاصمة، وسيطر على أجزاء واسعة من منطقة وادي الربيع جنوب تاجوراء (الضحية الشرقية لطرابلس).

وقبل أن تلتقط قوات حكومة الوفاق أنفاسها، اقتحمت إحدى الخلايا النائمة بمنطقة السواني (30 كلم جنوب شرق العاصمة) مطار طرابلس الدولي الذي خرج من الخدمة في 2014.

كما التحمت قوات حفتر، في محوري غريان وترهونة، في قصر بن غشير التي أصبحت مركز احتشاد متقدما في خاصرة طرابلس، وتم فتح محور جديد في خلة الفرجان، وسيطرت هذه القوات على معسكر اليرموك، أكبر ثكنة في العاصمة.

كانت حكومة الوفاق تخوض معركة البقاء، بعد أن اجتاحت قوات حفتر خلال أسبوعها الأول مناطق واسعة من مدن غلاف طرابلس، ومناطقها الرخوة في ورشفانة وضواحيها الجنوبية في قصر بن غشير وعين زارة ووادي الربيع، حتى لم يعد يفصلها عن وسط العاصمة سوى نحو 17 كيلومترا أو أقل من ذلك.

قوات الوفاق استغلت نقطة ضعف قوات حفتر المتمثلة في طول خطوط الإمداد (الجزيرة)
قوات الوفاق استغلت نقطة ضعف قوات حفتر المتمثلة في طول خطوط الإمداد (الجزيرة)

قلب المعادلة
بعد وصول التعزيزات من مدينة مصراتة والزنتان، وعلى رأسها الكتيبة 166 (من أقوى كتائب مصراتة)، وحتى من قوات حكومة الإنقاذ السابقة (طردت من طرابلس في معارك 2017)، تمكنت هذه القوات في البداية من وقف تقدم رأس حربة قوات حفتر في عين زارة وفي خلة الفرجان، وخاضت معارك كر وفر لاستعادة المطار القديم ومعسكر اليرموك.

واستغلت قوات الوفاق نقطة ضعف قوات حفتر المتمثلة في طول خطوط الإمداد على امتداد أكثر من ألف كيلومتر، وأغارت جويا على نقاط الإمداد في قاعدة الجفرة الجوية (نحو 600 كلم جنوب شرق طرابلس)، وفي الشويرف (نحو 450 كلم جنوب شرق طرابلس)، وفي مزدة (نحو 200 كلم جنوب طرابلس)، وفي غريان والعزيزية وسوق الخميس.

كانت قوات حفتر في الأسبوع الثاني من الهجوم أقل فاعلية من الأسبوع الأول، وانكسرت أغلب هجماتها أمام الطوق العسكري الذي فرضته قوات الوفاق من تاجوراء شرقا إلى جنزورا غربا مرورا بمحور صلاح الدين جنوبا، مع دفع القوات المهاجمة جنوب عين زارة ووادي الربيع ومعسكر اليرموك.

لكن أكبر انتصار حققته قوات الوفاق تمثل في تمكّنها من السيطرة على حي السواني، بعد أن قطعت عليه خط الإمداد من مدينة الزهراء، التي سقطت بسرعة في يد كتائب مصراتة وجنزور والزاوية، والتي اتجهت جنوبا والتحمت مع قوات الجويلي في العزيزية (مركز ورشفانة) بعد أن سيطرت على الساعدية.

بعد مرور شهر ما زالت قوات خليفة حفتر عاجزة عن اختراق الطوق العسكري على طرابلس (رويترز)
بعد مرور شهر ما زالت قوات خليفة حفتر عاجزة عن اختراق الطوق العسكري على طرابلس (رويترز)

تخوم غريان
ولم يحل الأسبوع الثالث حتى كانت قوات الوفاق على تخوم غريان، مركز القيادة والإمداد المتقدم لعناصر حفتر، بعد أن تقدموا لأكثر من 60 كيلومترا جنوبا، بل إن مسلحين من داخل المدينة ثاروا عليهم، قبل أن تخمد انتفاضتهم سريعا.

وفي محوري عين زارة ووادي الربيع، القريبين من قلب العاصمة، تمكنت قوات الوفاق من وضع قوات حفتر بين كفي كماشة، قبل أن يلتحم المحوران وتضطر قوات حفتر للتراجع جنوبا نحو قصر بن غشير، بينما بقيت مجموعتان من قواته شبه محاصرتين في وادي الربيع.

كما سيطرت قوات الوفاق على معسكر اليرموك في محور خلة الفرجان ودفعت قوات حفتر جنوبا، وبعد أن كان لا يفصلها عن وسط العاصمة سوى نحو 11 كيلومترا أصبحت قوات حتفر أبعد بنحو 20 كيلومترا جنوبا، كما سيطرت على معظم أجزاء المطار القديم.

أصبح واضحا أن قوات الوفاق امتصت الموجة الأولى من هجوم قوات حفتر، وقامت بتثبيت تمركزاتها كطوق متين حول قلب طرابلس، كما سيطرت على مدن ورشفانة، وإن لم تتمكن من تثبيتها لعدم امتلاكها حاضنة شعبية قوية في المنطقة.

المصدر : وكالة الأناضول