الذباب الإلكتروني وحراك الجزائر.. فئة مؤثرة أم ظاهرة عابرة؟

صورة عامة لحملات الذباب الإلكتروني
الذباب الإلكتروني ينفذ حملات ترويج أو استهداف على منصات التواصل الاجتماعي (غيتي-أرشيف)

حمزة عتبي-الجزائر

لم يكن في الحسبان أن تحدث فئة مجهولة الهوية شرخا وسط الجزائريين إزاء التطورات المصاحبة للحِراك الشعبي الذي اتقدت شعلته في 22 فبراير/شباط من العام الجاري.

واصطلح على تسمية هذه الفئة "الذباب الإلكتروني"، الذي يختبئ وراء الحواسيب عبر حسابات مزيفة، باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وكثف "الذباب" عمله على الشبكة الاجتماعية عقب تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، وتعاظم تأثيرها على الرأي العام منذ أمسك الجيش بزمام المبادرة، وبات يقود دفة الحكم من وراء الستار.

ولحد الساعة، تتباين الآراء تجاه هوية هؤلاء المختبئين وراء حسابات مزيفة، غير أنها تتطابق في نقطة تتعلق بالجهة التي تحركها، ويرجح مراقبون أن تكون جهة رسمية.

وتذهب معالجات إعلامية إلى أن "الذباب الإلكتروني" لاحت بوادره في الأفق إبان إعلان بوتفليقة عزمه على خوض عهدة خامسة، فتشكلت خلايا افتراضية لتمرير مشروع العهدة الجديدة.

وإثر تعثر مسعى بوتفليقة، خلد الذباب الإلكتروني إلى سبات مؤقت، ثم استيقظ على تكليف جديد يسعى إلى ترغيب الجزائريين في الحلول التي يطرحها الجيش، مواءمة مع الدستور.

الأزمات والاستقطاب
وفي منظور الباحث في العلوم السياسية سامي كعباش، فإن الذباب الإلكتروني فئة تظهر عادة خلال الأزمات أو المراحل التي تشهد استقطابا في وجهات النظر للدفاع وبشكل منظم عن وجهات نظر سياسية وأيديولوجية معينة.

وقال في اتصال مع الجزيرة نت إن هذا الذباب يعتمد على سلبية تقديم المعلومة وعلى الأخبار المغلوطة، للتشويش على المبادرات التي تكون محل نقاشات جادة خدمة لأطراف يجهل مصدرها.

وبيّن أن الذباب يرصد الأخبار ويبني آراء مضادة عبر آلية بث الخوف في الطرف المتردد والتشويش على الطرف المنخرط في الفعل السياسي بشكل يوحي بأنهم يدافعون عن كيان الدولة مقابل من يهدد ذلك.

ويقدر كعباش أن هذه الفئة تعمل بشكل أفقي وعمودي على قضايا تثير حساسية لدى الجزائريين، من قبيل الدين والهوية والانتماء والعمالة للخارج.

وترتب على هذه الحملات الافتراضية التي قادتها الكتائب الإلكترونية تضارب مواقف الجزائريين وتموقعهم، وهو ما ترجمته الشعارات المرفوعة في الحِراك.

لا تزال هوية الناشطين في حملات الذباب الإلكتروني بالجزائر مجهولة (الجزيرة)
لا تزال هوية الناشطين في حملات الذباب الإلكتروني بالجزائر مجهولة (الجزيرة)

تشويه المعارضين
ولم يتوقف نشاط الذباب الإلكتروني عند هذا الحد، بل شن -حسب مراقبين- هجمات لتشويه المعارضين والسياسيين، لا سيما أصحاب المشاريع السياسية التي تتعارض مع ما تطرحه المؤسسة العسكرية من بدائل.

وخلفت هذه الغارات الافتراضية ردود أفعال عند مستخدمي الشبكة الاجتماعية من الجزائريين، بسبب ما أصاب سياسيين معارضين من اعتداءات جسدية نتيجة حملات التحريض.

وحسب أستاذ علم الاجتماع رشيد بن يامين، فيبدو أن هذه النوعية من المؤثرات الافتراضية جعل الفاعلين في صنع قرار الجزائر يدركون أهميتها، بعدما لاحظوا أن جميع المؤسسات لم تصمد أمام هذه الحملات.

ونتج عن ذلك، وفق تقدير رشيد بن يامين، محاولة كل طرف التأثير في مجريات الصراع القائم، مستشهدا بما حدث قبل الحراك في "فيلا الإخوة كونيناف"، حيث كان يشرف هؤلاء على خلية "ذباب إلكتروني" لغرض سياسي.

وعلى هذا الأساس، دخل الجيش على الخط في توظيف الذباب الإلكتروني لإدارة الصراع والدفاع عن توجهاته، على خلفية تزعزع الثقة بينه وبين الجزائريين، وفق تصور الباحث.

وقال في حديثه للجزيرة نت إن ميل الجيش لهذا الخيار يرجع إلى فعاليته من حيث التأثير، فضلا عن أنه مستتر وغير رسمي، ولا يعبر مباشرة عن مواقف المؤسسة الرسمية.

وساعد هذا الخيار -حسب يامين- في رصد توجهات الرأي العام بشكل يومي من خلال التفاعل المستمر وابتعاده عن الالتزام القانوني مما يجنبه الإفلات من سوط العدالة.

وفي المحصلة، أكد المتحدث أن الذباب الإلكتروني خلق هوة بين مؤيدي الجيش والمتوجسين من قراراته، ممن يرون أن المشروع الأساسي للدولة المدنية لا يمكن أن يكون إلا بتحييد سلطة العسكر وإخضاعهم للدستور المدني.

حالة هوس
وخلافا لما سبق، لا يؤمن الناشط السياسي والباحث الأكاديمي جمال ضو بوجود ذباب إلكتروني بالشكل الكبير المؤثر، كما يزعم كثير من المتتبعين للشأن السياسي.

وفسر ذلك بوجود حالة من الهوس من طرف بعض السياسيين من أن هناك من يختلف معهم، من هذا الاتجاه أو الاتجاه الآخر، مشيرا إلى أن المجتمع الجزائري في حالة استقطاب كبيرة، وهم بالملايين على فيسبوك.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال ضو إن كل سياسي أصبح ينتقد أو يسفه رأيه من طرف أفراد الشعب العاديين يصف كل مخالفيه بالذباب، في الوقت ذاته لم يستبعد وجود حسابات وهمية لكنها ليست بالحجم الذي يصوره البعض.

ويعتقد الناشط السياسي أن الذباب الإلكتروني حالة معزولة، ذلك أن بعض التعليقات التي كانت دائما تدافع عن بعض رجال الأعمال أو الوزراء اختفت رغم محدودية عددها.

وخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك تضخيما كبيرا لحجم الذباب الالكتروني، إذ بات -حسب رأيه- جدارا يعلق عليه كل شخص ما توجه إليه من انتقادات لاذعة، كأن مجتمعنا الحقيقي مجتمع مثالي مهذب، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة