قرار إعادة النقابات السابقة بالسودان.. ضرورة أم مكيدة؟

بنك السودان ـ الرئاسة.
وقفة احتجاجية للعاملين في بنك السودان بالخرطوم رفضا لقرار إعادة النقابة (الجزيرة نت)

أحمد فضل-الخرطوم

ما إن صعّد تجمع المهنيين السودانيين مواقفه ضد المجلس العسكري بالدعوة للإضراب العام والعصيان المدني، حتى سارع العسكر إلى إلغاء حظر النقابات والاتحادات المهنية التي يسيطر عليها موالون للنظام السابق.

ورغم المؤشرات التي تؤكد أن ثمة ضرورات إقليمية أجبرت المجلس العسكري على مراجعة قراره بتجميد النقابات، فإن تزامنه مع حملات الإضراب ربما لا يجعله قرارا بريئا.

ومع انضمام عشرات المؤسسات لوقفات احتجاجية تمهد للإضراب العام والعصيان المدني استجابة لدعوة تجمع المهنيين، استغل الفريق محمد حمدان (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري مخاطبته لقادة الخدمة المدنية يوم الأربعاء، وأعلن عن عودة النقابات المحظورة.

وما هي إلا ساعات حتى صدر قرار من المجلس العسكري في اليوم ذاته بإلغاء قراره الخاص بتجميد النقابات والاتحادات المهنية.

‪وقفة احتجاجية للعاملين ببنك السودان فرع كسلا‬ (الجزيرة نت)
‪وقفة احتجاجية للعاملين ببنك السودان فرع كسلا‬ (الجزيرة نت)

مراجعة القرار
وينفي رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي أن يكون قرار المجلس العسكري جاء مكيدة أو رد فعل لدعوات الإضراب والعصيان.

ويقول الرزيقي للجزيرة نت إنه منذ صدور قرار حل النقابات قبل أكثر من أسبوعين التقى رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي وكبار قادة المجلس، وأبلغهم أن القرار غير ملائم وسيفقد السودان مواقع دولية.

ويتابع "طلبت ومعي رؤساء اتحادات آخرون من المجلس مراجعة القرار وكان هذا قبل التصعيد الأخير بالعصيان وحتى قبل المفاوضات بين المجلس وقوى الحرية والتغيير".

ويشير الرزيقي إلى أن قرار التجميد ابتداء شابه الكثير من القصور ولم يكن سليما لأنه بلا سند قانوني، كما أنه لم يراع ارتباطات إقليمية ودولية ومواقع فيها يشغلها أغلب قادة الاتحادات المهنية بالسودان واتحاد نقابات عمال السودان.

ويؤكد أن القرار السابق كان من شأنه أن يعطل العمل النقابي الإقليمي والعالمي، مما يفقد السودان مواقع لم يحصل عليها بسهولة، قائلا إن النقابات جزء من اتحادات إقليمية ودولية ترفض التدخل الحكومي.

ضغط خارجي
ويبدو أن عناصر النقابات والاتحادات المحلولة استغلت مواقعها في منظمات إقليمية ودولية ونجحت في حمل المجلس العسكري على مراجعة قرار حظر النقابات.

واطلعت الجزيرة نت على خطاب من المكتب التنفيذي والمجلس العام لمنظمة الوحدة النقابية الأفريقية، وصف فيه قرار المجلس العسكري في السودان بتجميد نشاط الاتحادات المهنية بأنه انتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية الخاصة بالحريات النقابية.

وبحسب الخطاب، فإن منظمة الوحدة النقابية الأفريقية طلبت مراجعة القرار، وهددت برفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية وكل الجهات الإقليمية والدولية المعنية.

ورفضت المنظمة القرار وأدانته وعدته إجراء تعسفيا وقمعيا وخرقا للتشريعات الإقليمية والدولية في مجال حرية العمل النقابي، ووصفته بأنه تدخل سافر في شؤون النقابات، "الأمر الذي ترفضه أحكام الاتفاقيات الدولية للعمل".

انحياز للثورة
في مقابل ذلك أبدت نقابات لمؤسسات حكومية رفضها لقرار المجلس العسكري الخاص بفك تجميدها، كان أبرزها نقابة بنك السودان المركزي.

وتقدمت نقابة بنك السودان "دورة 2016-2020" يوم الخميس باستقالتها، وأحالت مهامها للجنة تسيير احتراما لجمع الصف ومنعا لأي خلافات بين العاملين.

وأظهرت مقاطع فيديو لعضو نقابة البنك المركزي حامد محمد حامد وهو يخاطب العاملين قائلا إن "لعبة المجلس العسكري بفك تجميد النقابات لن تنطلي علينا.. الثورة غيّرت رئيس البلد ومن غير الممكن أن نقبل بكيانات صنعها الرئيس المخلوع".

ولم يتوان محمد عصمت يحيى، وهو موظف مرموق في بنك السودان وقيادي في قوى الحرية والتغيير، في وصف قرار المجلس العسكري بأنه سيئ النوايا، والقصد منه إفشال العصيان المدني، لكن قراره ارتد عليه باستقالة عدد من النقابات.

ويقول عصمت للجزيرة نت "قرار نقابة بنك السودان لطمة كبيرة للمؤامرات التي تحاك لتعطيل الثورة وتجريدها من مدنيتها".

ويضيف أنه منذ انتصار الثورة جرت مشاورات داخل البنك المركزي بشأن كيفية الحفاظ على وحدة العاملين، وأثمرت قيام لجنة تسييرية بعد تفهم النقابة السابقة باعتبارهم غير تابعين للنظام السابق.

ونظم العاملون في بنك السودان المركزي وقفات احتجاجية أمام المقر الرئيسي في الخرطوم وأمام مقار الولايات في دنقلا بالولاية الشمالية وكسلا بشرق السودان وود مدني عاصمة ولاية الجزيرة والجنينة في غرب دارفور.

دعوات الإضراب
وأيا كانت دوافع قرار المجلس العسكري بفك حظر النقابات، فإنه يشكل كابحا للشرعية الثورية التي بات يحظى بها تجمع المهنيين السودانيين الذي تبنى مع حلفائه في قوى المعارضة احتجاجات منذ ديسمبر/كانون الأول الفائت نجحت في الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وفق التجمع.

ويحظى التجمع -كما يقول- بالتفاف المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش والذين يضغطون في اتجاه حمل العسكر على تسليم السلطة للمدنيين.

ونجح تجمع المهنيين في حصد تأييد دعوته للإضراب والعصيان في عشرات المؤسسات بالعاصمة الخرطوم والولايات ضمن خططه لكسب المزيد من الأوراق ضد العسكر، وفق ما أعلنه على صفحته الرسمية على فيسبوك. 

ومنذ يومين يبث التجمع عبر الصفحة صورا ومقاطع فيديو لوقفات احتجاجية في مؤسسات عامة وخاصة تؤيد الإضراب والعصيان في سبيل انتقال السلطة من العسكر للمدنيين.

وانتقد التجمع في بيان يوم الخميس قرار المجلس العسكري بفك تجميد نقابات واتحادات النظام السابق، واعتبر الخطوة "ردَّة تخدم أجندة الثورة المضادة وتعمل لتبديد مكاسب الثورة والعودة بالبلاد إلى مربع التمكين والطغيان".

ودعا البيان لشحذ الهمم في كافة المؤسسات وأماكن العمل لاستكمال تكوين لجان التسيير واللجان التمهيدية، واستنهاض القواعد لاستعادة النشاط النقابي الديمقراطي المستقل باعتباره ضامناً لاكتمال الثورة.

المصدر : الجزيرة