وفاة الطفلة عائشة تلخص مأساة مرضى غزة

علا موسى-غزة

تلخص قصة وفاة الطفلة الفلسطينية عائشة اللولو مأساة مئات المرضى الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يدفعون ضريبة الحصار مضاعفة من صحتهم وأرواحهم.

فبعد تسويف وتأجيل من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خرجت عائشة من قطاع غزة في أبريل/نيسان الماضي لتلقي العلاج في مستشفى بالقدس، لكن سلطات الاحتلال رفضت أن يرافقها أحد من أهلها خلال فترة العلاج.

لكن عائشة ابنة الخمس سنوات توفيت على سرير الشفاء بأحد مستشفيات غزة بعد أربعة أيام فقط من عودتها إلى حضن والديها اللذين حرما منها وحرمت منهما طيلة فترة علاجها في القدس. 

‪عائشة في عمر عامين‬ (الجزيرة)
‪عائشة في عمر عامين‬ (الجزيرة)

إلى مثواها الأخير
ومن مسكن الأسرة في مخيم البريج وسط قطاع غزة، أخرج والد عائشة جثة ابنته بين يديه يوم الجمعة الماضي إلى مقبرة البريج، وسط بكاء المشيعين وحزن الأسرة على الصغيرة التي حملوا سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن تدهور حالتها الصحية، وحرمانها من صحبة أي من والديها في رحلة علاجها الأخيرة.

وفي منزل الأسرة بالمخيم جلست منى والدة عائشة على سرير طفلتها وتحدثت للجزيرة نت عن رحلة علاج ابنتها، فتقول إن الصغيرة أصيبت بآلام حادة في الرأس ودوار وتقيؤ شديد، وعجزت مستشفيات غزة عن تشخيص حالتها نتيجة قلة الإمكانيات وأجهزة الفحوصات، لكن في 7 أبريل/نيسان اكتشف أنها مصابة بسرطان المخ.
 
وتمضي الأم قائلة إن السلطات الإسرائيلية رفضت السماح لها أو لأبيها بمرافقة عائشة لدى سفرها للعلاج بالقدس مضيفة "المسؤول عن وفاة ابنتي هو الاحتلال الإسرائيلي، حرمني منها وحرمها من عاطفة الأمومة في أشد الأوقات حاجة لها، بيننا وبين القدس ساعة في الطريق، لكن للأسف ولا أستطيع الذهاب القدس، والجريمة لأني من غزة، نحن لا ننتمي لأي فصيل سياسي فلماذا هذا العقاب الجماعي لنا؟".

‪أم عائشة وابناها حسن وعبد الرحمن‬ (الجزيرة)
‪أم عائشة وابناها حسن وعبد الرحمن‬ (الجزيرة)

حرمان من الأم والأب والجدة
وحسب الأم كانت عائشة تبكي بشدة قبل السفر للقدس، فهي لا تريد أحدا أن يرافقها سوى أمها، لكن الاحتلال رفض التصريح لأي من أفراد أسرتها حتى جدتها التي تبلغ من العمر 75 عاما.

باءت بالفشل محاولات الأسرة لدى عدة جهات سيادية في السلطة الفلسطينية للضغط على الجانب الإسرائيلي بالسماح لوالدها أو أحد أفراد عائلة عائشة بمرافقتها، وفي النهاية وافقت سلطات الاحتلال على منح تصريح للمواطنة حليمة الأدعس من سكان المخيم لترافق عائشة للقدس.

ويقول والد عائشة الذي حمل ابنته المريضة إلى العربة التي تقلها إلى داخل معبر إيريز في 17 أبريل/نيسان الماضي "كنت أنظر لها وأبكي، فالطفلة مسكينة لا أحد من عائلتها معها، ما هذا الظلم الإسرائيلي".

‪بين ألعاب الفقيدة ودفاترها‬ (الجزيرة)
‪بين ألعاب الفقيدة ودفاترها‬ (الجزيرة)

الطفلة الحزينة
أما حليمة التي تطوعت لمرافقة عائشة خلال علاجها في القدس فتقول إنها لاحظت أنها بدت طبيعية بعد إجراء العملية وكانت تتحدث، لكن حالتها ما لبثت أن تغيرت فكانت حزينة وتريد أسرتها "وفي مستشفى المطلع أخبروني بأن الطفلة شبه ميتة لذا توجهت إلى غزة لأنهم لا يريدون تحمل مضاعفاتها أكثر".

وحول تلك الحالة يقول والدها -حسب ما أخبره الأطباء- إن حالة ابنته "ازدادت سوءا بعد إجراء العملية الجراحية في المخ لأنها بعيدة عن أسرتها وعاشت حالة نفسية صعبة حيث امتنعت عن الحديث والأكل وحولت لمستشفى المُطلِع لاعتقادهم أنها ستتلقى علاجا كيميائيا، لكن المستشفى رفض استقبالها ونقلها إلى غزة لأن حالتها كانت سيئة جدا".

نقلت عائشة إلى غزة في 13 مايو/أيار الحالي واستقبلها والدها عند معبر إيريز ونقلها لمستشفى الرنتيسي لكنه كاد لا يعرفها لأن ملامحها تغيرت فبدت هزيلة جدا، حيث أخبره الأطباء أن وجود عائشة بالمستشفى على الأجهزة الطبية لا فائدة منه، كونها تنتظر قدرها، وفي مساء 17 من نفس الشهر فارقت الحياة.

‪الأسرة عند قبر عائشة‬ (الجزيرة)
‪الأسرة عند قبر عائشة‬ (الجزيرة)

تعقيدات
وحول ملف علاج الفلسطينيين بالخارج، يقول حسين حماد الباحث في "مركز الميزان لحقوق الإنسان" إن هذا الملف مليء بالانتهاكات الإسرائيلية حيث يضع الاحتلال شروطا صعبة أمام المريض، منها أن يكون مرافقه من الدرجة الأولى، وأن يكون عمره 45 عاما للذكر، وأربعين عاما للأنثى، ويرد على طلباتهم بالموافقة أو الرفض أو تحت الفحص لوقت غير معلوم.

وحول حالة وفاة عائشة يقول حماد إنها كانت من بين الأطفال "الذين صمدوا وكافحوا أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي انتهك حقها في الحياة والعلاج السليم، وانتهك أعظم حق إلهي لها، وهو حق الأمومة، ولم يسمح لوالدتها بمرافقتها".

وتشير بيانات المركز الحقوقي إلى أن عدد طلبات الحصول على تصاريح للعلاج بالخارج للمرضى في غزة 25658 منها طلبات الحصول على تصريح للمرافقين، لكن الاحتلال رفض منها 1971 طلبا، وتمت المماطلة في 7861 طلبا خلال عام 2018.

وحسب معلومات المركز فإن الاحتلال قام باعتقال مريض واحد وأربعة مرافقين من نفس العام، مما يشكل انتهاكا للمواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني، كما أن عدد المرضى الذين توفوا نتيجة عرقلة تلقيهم للعلاج من الجانب الإسرائيلي بلغ تسعة منهم ثلاث سيدات وستة ذكور بالغين.

المصدر : الجزيرة