الذكرى 71 للنكبة.. هكذا أحيتها رام الله
ميرفت صادق-رام الله
مستندا إلى أكتاف رفاقه وأقاربه، كابد المسن أحمد عبد الله دغمان "أبو عاهد" مشقة السفر من مخيم الفارعة (شمال الضفة الغربية) إلى مدينة رام الله، ليشارك في إحياء الذكرى 71 للنكبة، مثقلا بذاكرة تهجير قريته "الكفرين" قضاء حيفا ومقتل شقيقه وعمه على أيدي العصابات الصهيونية حينذاك.
يقول دغمان، الذي هُجّر وعمره 13 عاما وبلغ أواسط الثمانينيات الآن، إن قريته كان تعدادها 450 نسمة طردوا جميعا وشتتوا في مخيمات شمال الضفة وفي الأردن.
يتجاوز دغمان أسئلة المحيطين به، ويقول "لا نقول كان لنا وطن، بل لنا وطن الآن وفي المستقبل، أعلم أحفادي يوميا كيف كنا وكيف يجب أن نعود إليها"، مضيفا "ذهبت إلى الكفرين عدة مرات، وفي كل مرة كانت تخونني قدماي وأرتمي على أرضها قرب منزلنا وسط البساتين".
يذكر دغمان استشهاد شقيقه محمد (18 عاما) عندما كان يرعى الغنم على مشارف القرية أثناء الهجوم عليها، كما قتلت العصابات الصهيونية عمه أسعد دغمان عندما ثبت في بقالته ورفض مغادرة القرية بعد أن هُجّرت بالكامل، وقال أبو عاهد "مددوه في أرضية الدكان وذبحوه".
المفتاح أمانة
وبينما انشغل المسؤولون السياسيون في إلقاء الخطابات، كان اللاجئ خيري أبو ناصر، في الستينيات من عمره، يحمل مفتاح منزل عائلته في قرية "زُمارين" بقضاء حيفا، الذي تركه والده عنده "أمانة حتى العودة". قال الأب "عندما تصل البلد، حط المفتاح في القفل وشرّع الدار، وستعرفك الأرض والشجر".
وعلى وقع الصافرة التي انطلقت حدادا في ذكرى النكبة وسط رام الله، كان الحاج محمود خليل (65 عاما) ينشط في تعليق أسماء القرى المهجرة، ومن بينها "القباب" و"السافرية" و"البرج" و"أبو شوشة"، وهي من بين نحو خمسمئة قرية وبلدة فلسطينية هاجمتها العصابات الصهيونية في النكبة، وهجرت أهلها ودمرت أغلبها.
يقول خليل إن عائلته هُجرت من قرية "البرية" في قضاء الرملة التي اشتهرت بإنتاج العسل، ثم لجأت إلى مخيم عين عريك (غرب رام الله)، ولا زال منزل عائلته قائما حتى اليوم لكن الاحتلال بنى على أراضي "البرية" مستوطنة أسماها "كيزر".
"تسقط المؤامرة"
ويحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة هذا العام على وقع ما تسمى "صفقة القرن" الأميركية، التي من المتوقع إعلان تفاصيلها في الصيف. وأعلنت اللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة تنظيم فعالياتها هذا العام تحت شعار "من رماد النكبة إلى تجسيد العودة، فلتسقط كل المؤامرات".
وعلقت في أنحاء المدن الفلسطينية لافتات تؤكد أن "حق العودة خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه من جيل إلى جيل"، و"لتسقط كل المؤامرات على قضية اللاجئين".
وقال رئيس تجمع القرى الفلسطينية المهجرة في النكبة عمر عساف إن المؤامرة على حقوق الشعب الفلسطيني لم تتوقف منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم، لكنها تتخذ أشكالا جديدة؛ آخرها تصعيد إسرائيلي بزعامة حكومة المستوطنين وبدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومقابل ذلك، يعتقد عساف أن الفلسطينيين لا خيار لديهم أمام هذه المؤامرة سوى الوحدة وإعادة تقييم إخفاقاتهم بعد ربع قرن من المراهنة على مفاوضات غير مجدية مع إسرائيل، بل ألحقت الضرر بحقوق الفلسطينيين، والتوجه إلى الخيار الأكثر فاعلية وهو المقاومة.
وقال عساف إنه رغم مرور 71 عاما على النكبة، فإن مأساتها تتجدد في حاضر الأجيال الجديدة، وهم باعتقاده أكثر وعيا بحقوقهم من آبائهم وأجدادهم وأكثر قدرة على العمل لتحقيق العودة.
"عُمّدت بدماء"
أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، فشدد على أن "المؤامرة المسماة صفقة القرن" لن تنجح في سلب الفلسطينيين حقوقهم أو دفعهم للتراجع عنها لأنها عُمّدت بدماء مئات الآلاف من الشهداء والجرحى.
وقال إن "صفقة القرن" تسعى لإفشال إقامة دولة فلسطينية وتهويد القدس كاملة وتصفية وكالة غوث اللاجئين (أونروا)، وبالتالي حق عودة اللاجئين.
وتحدث عن خطوات فلسطينية قادمة لمواجهة الإعلان المرتقب لتفاصيل هذه الصفقة في الشهور القادمة، ومن ذلك التوجه إلى المحافل الدولية بملفات الجرائم الإسرائيلية والمقاطعة الشاملة لكل ما ينتجه الاحتلال ومراجعة العلاقة السياسية والأمنية معه.