من السر إلى العلن.. تحالف الاحتجاجات بالسودان في مأزق الزعامة

Sudan opposition rejects deadline for handover of power- - KHARTOUM, SUDAN - APRIL 24 : Members of the Freedom and Change Charter Fatih Huseyin (R), Siddiq Farouk Al-Sheikh (2nd R), Omar el-Degeir (C), Muawia Shaddad (2nd L) and Ayman Khalid (L) give press conference in Khartoum, Sudan, April 24, 2019. Opposition leaders rejected the proposal at the joint press conference held in Khartoum by representatives of the Sudanese Professionals Association (SPA), the opposition
خلال الأسابيع الأخيرة برزت إلى العلن الخلافات بين قوى الثورة بشكل واضح (الأناضول)

أحمد فضل-الخرطوم

تضع قوى إعلان الحرية والتغيير نفسها أمام مرحلة جديدة حال اتفقت على تسمية مجلس قيادي بدلا عن تنسيقية أدارت من تحت الأرض الاحتجاجات والاعتصامات بالسودان منذ نحو خمسة أشهر.
 

وظلت التنسيقية تمثل أكثر من 70 واجهة منتظمة تحت راية أربعة تحالفات رئيسية: تجمع المهنيين السودانيين، وقوى الإجماع الوطني، ونداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض. وقد التزمت التنسيقية العمل السري لمواجهة الاعتقالات إبان الاحتجاجات.

لكن بعد عزل الرئيس عمر البشير يوم 11 أبريل/نيسان الماضي وخلفه عوض بن عوف بعد يومين جراء ضغط المعتصمين أمام قيادة الجيش، تبدت الخلافات بين قوى الثورة.

وترتبط الخلافات بمواقف الكيانات المشكلة لإعلان الحرية والتغيير حيال النظام السابق قبل سقوطه، فنداء السودان بقيادة الصادق المهدي كان يتبنى نوعا من المواجهة الناعمة، بينما تبنى تحالف قوى الإجماع الوطني إسقاط النظام.

بين خيارين
وبحسب قيادي في حزب البعث للجزيرة نت فإن نداء السودان الذي يضم حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني، إلى جانب الحركات المسلحة في المنطقتين ودارفور، ظل يفاوض النظام في عدة منابر، لذا كان من خياراته التوصل إلى تسوية مع نظام البشير.

ويشير القيادي إلى أن قوى الإجماع الوطني -ومن أبرز مكوناتها الحزب الشيوعي وأحزاب عروبية- ظلت تتمسك برفض الحوار مع النظام وتعمل على إسقاطه.

وبحسب معلومات تلقتها الجزيرة نت فإن بقية كيانات إعلان الحرية والتغيير (تجمع المهنيين والتجمع الاتحادي المعارض) تبدو أقرب في رؤيتها إلى قوى الإجماع الوطني.

وثمة محددات أخرى تعمق خلافا محتملا حول تشكيل المجلس القيادي المقترح لقوى الحرية والتغيير تتمثل في الموقف من المجلس العسكري والبعد الخارجي المتمثل في أدوار السعودية والإمارات.

وحظي المجلس العسكري بدعم اقتصادي من الرياض وأبو ظبي، كما أثارت زيارات لقيادات من نداء السودان للإمارات ردود فعل متباينة.

وزار أبو ظبي بعد سقوط البشير عددٌ من قادة الحركات المسلحة، على رأسهم ياسر عرمان، فضلا عن تقارير تحدثت عن زيارات مماثلة لمريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي وخالد عمر يوسف نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني.

‪تنسيقية الثورة تمثل أكثر من 70 واجهة منتظمة تحت أربعة تحالفات رئيسية‬ (الأناضول)
‪تنسيقية الثورة تمثل أكثر من 70 واجهة منتظمة تحت أربعة تحالفات رئيسية‬ (الأناضول)

أصل الفكرة
ويقول القيادي في تحالف قوى الإجماع الوطني محمد عصمت إن المجلس القيادي المقترح لقوى الحرية والتغيير كان فكرة حزب الأمة، وبررها بضرورة تشكيل مرجعية للتحالف لأن التنسيقية كانت جسما تنفيذيا يعمل تحت ظروف معقدة تتمثل في الاحتجاجات واعتقال أغلب القادة وتقييد حركتهم.

ورأى حزب الأمة -حسبما قال عصمت للجزيرة نت- أن أهمية تكوين مجلس قيادي يكون بمثابة مرجعية لأجسام التحالف في التفاوض وخلال المرحلة الانتقالية عبر صوت موحد يجنب الربكة والانفراد بالمواقف.

ويصف محمد عصمت الفكرة في جوهرها بالسليمة، ويعزو التأخير في الإعلان عن المجلس القيادي إلى وجود تباينات حول طريقة تشكيل المجلس والمهام التي يضطلع بها.

وكان ينتظر أن تقدم لجنة شكلتها قوى الحرية والتغيير مقترحا بتشكيل المجلس السبت الماضي، لكن يبدو أن مهمتها لم تكلل بالنجاح حتى الآن وضربت موعدا جديدا يوم الاثنين، وعليه تأجل استئناف التفاوض بين التحالف والمجلس العسكري.

رئاسة المجلس
لكن مصادر قريبة من المشاورات بين قوى الحرية والتغيير تقول إن ثمة خلافات تؤخر تسمية المجلس القيادي، تنحصر في رغبة كل من حزب الأمة والمؤتمر السوداني في أن يترأس الصادق المهدي رئاسة هذا المجلس.

وتتخوف فصائل في إعلان الحرية والتغيير من تولي المهدي رئاسة المجلس القيادي نسبة لمواقف الرجل التي ربما يرونها مهادنة تجاه السلطة السيادية التي يعمل العسكر على أن تكون في أياديهم بدلا من المدنيين.

وتقول ذات المصادر إن حزبي الأمة والمؤتمر السوداني أقرب إلى تشكيل مجلس سيادي مختلط بين العسكر والمدنيين وفقا لصيغة تبناها رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان بأن يكون رئيس المجلس السيادي ونائبه من العسكريين.

وترهن المصادر تماسك قوى إعلان الحرية والتغيير في ظل هذه التجاذبات بأن يتمتع المجلس التشريعي بصلاحيات واسعة على حساب المجلس السيادي، وفق ما نصت عليه وثيقة الإعلان الدستوري التي اقترحها التحالف.

‪عصمت حذر من أي محاولة لتقديم التنازلات من أي طرف ستؤدي إلى صدامه مع الشارع‬ (مواقع التواصل)
‪عصمت حذر من أي محاولة لتقديم التنازلات من أي طرف ستؤدي إلى صدامه مع الشارع‬ (مواقع التواصل)

خلافات أخرى
ولقطع الطريق -على ما يبدو- أمام أي محاولات "هبوط ناعم" مع العسكر، يقول محمد عصمت إن قوى إعلان الحرية والتغيير جددت في اجتماعها الخميس الماضي الالتزام بالخط السياسي للتحالف، وهو تصفية النظام وعدم تقديم تنازلات بالنص عليه في تصور المجلس القيادي.

وحذر من أن أي محاولة لتقديم التنازلات من أي طرف ستؤدي إلى صدامه مع الشارع، وهو ما يبدو ظاهرا من خلال حالة التصعيد في ميدان الاعتصام صباح الأحد بإغلاق المعتصمين شارع النيل القريب من محيط الاعتصام أمام قيادة الجيش.

واللافت أن الخلافات القديمة بين مكونات قوى التغيير ليست وحدها التي تسيطر على المشهد، فثمة رؤى متباينة أيضا حيال الفترة الانتقالية.

ويقول رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم للجزيرة نت "ربما يكون من الأفضل تقسيم الفترة الانتقالية إلى فترتين: فترة ما قبل الانتقالية وتكون قصيرة وتدار بحكومة مؤقتة تنحصر مهمتها الأساسية في حفظ الأمن وتوفير الخدمات للمواطن، والوصول إلى اتفاق سلام شامل مع المعارضة المسلحة. ثم فترة انتقالية أطول تشارك المعارضة المسلحة بمؤسسات الحكم الانتقالية فيها وفق اتفاق سلام مبرم".

ويؤكد إبراهيم أنه ليس من المناسب اشتراك الحركات المسلحة في مؤسسات الحكم الانتقالي قبل الوصول إلى اتفاق سلام شامل يخاطب جذور المشكل السوداني ويعالج آثار الحرب في الأقاليم المتضررة بها.

المصدر : الجزيرة