تسطيح وتكرار وفراغ.. الحراك يكشف أزمة التحليل السياسي بالجزائر

Abdelghani Zaalane, campaign manager of President Abdelaziz Bouteflika speaks after he submitted BouteflikaÕs official election papers at the Constitutional Council in Algiers, Algeria March 3, 2019.REUTERS/Ramzi Boudina
تعدد القنوات لم يسهم في إشباع حاجة المشاهد الجزائري من المعلومات والتحاليل (رويترز)

الخير شوار-الجزائر

مع تسارع تداعيات الحراك الشعبي في الجزائر، وبعد اعتقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الجنرال محمد مدين (توفيق)، مع خلفه اللواء بشير طرطاق، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ومستشاره، بتهم تتعلق "بالخيانة العظمى"؛ كان الجزائريون في حاجة إلى تحليلات سياسية، من شأنها أن تقدم المزيد من المعلومات، وتنير بعض الغموض الذي يكتنف تلك الأحداث المتسارعة.
 
ومن أجل ذلك، استضافت قناة "النهار" الجزائرية محللا و"خبيرا أمنيا"، غير أن ما صرّح به تحوّل إلى مادة للسخرية والتهكم عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، عندما قال إن الجنرال توفيق كان يمتلك سيارة مصفّحة من نوع "أودي" تقدّر قيمتها المالية بأربعة مليارات دولار أميركي.

وقبل ذلك، ظهر محلل عبر قناة "الشروق" يؤكد أن المستثمر الهندي الذي كان يشغّل مصنع الحديد بمنطقة الحجّار (أقصى الشرق الجزائري) كان يهرّب عن طريق بنك يوميا ما قيمته عشرون مليار دولار.

ورافقت تلك التصريحات حملة كبيرة من السخرية، حيث قال أحد المعلقين إنه أكل قطعة حلوى بقيمة 17 مليون دولار، وبعضهم قال إنه ترك "فكة" لدى النادل عندما تناول قهوة الصباح بقيمة عشرة مليارات دولار.

وما زاد من استغراب المتابعين أن صاحب رقم عشرين مليار دولار يحمل شهادة دكتوراه ويدرّس الاقتصاد في الجامعة. واضطر بعد ذلك للاعتذار، مؤكدا أن الأمر يتعلق "بزلة لسان" ليس إلا.

الكثير من القنوات والقليل من التحليل (الجزيرة)
الكثير من القنوات والقليل من التحليل (الجزيرة)

وتحيلنا تلك المشاهد إلى مشكلة كبيرة تتعلق بضعف التحليل السياسي في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية، وهو ما برز أكثر منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، عندما وجدت القنوات التلفزية نفسها مضطرة لتقديم حلقات نقاش متواصلة لمواكبة الحدث.

ومع مرور الوقت لم تعد القنوات تستضيف إلا بعض الوجوه المكررة التي تمر عبر مختلف القنوات في وقت قليل ، إلى درجة أنك تجد هذه الوجوه في قناتين مختلفتين في الوقت نفسه، بحكم أن بعض القنوات تعمد إلى بث برامجها مسجلة وتتجنب المباشر لأسباب فنية وأخرى قانونية.

وعن هذه الظاهرة يقول الكاتب الصحفي محمد بن زيان إن الأمر في أحد جوانبه متعلق "باشتغال دوائر على تلميع وصناعة نماذج معينة يتم التسويق لها إعلاميا، لأن الظهور التلفزيوني يرسخ الحضور".

وهو ما يذهب إليه الدكتور إسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة قسنطينة، عندما قال للجزيرة نت إن "سطحية الخطاب السياسي المصدّر إعلاميا ليس عفويا، ولا يعود إلى غياب الخبراء والمحللين الجادين، بقدر ما يكشف إرادة وسياسة إعلامية مدروسة، حيث تعمد كل القنوات الخاصة إلى الدفع للواجهة بالمهرجين والدجالين، هكذا حتى تقتل أي بديل للسلطة القائمة وتوهم الجمهور بانعدامها".

وكانت القنوات التلفزية الجزائرية في عمومها تتجاهل كل ما هو سياسي، وتشهد في المقابل "تخمة" في البرامج الحوارية الرياضية، ليتحوّل الأمر إلى النقيض مع تزايد رقعة "الحراك الشعبي"، حيث أصبحت تبحث عن "محللين سياسيين" جاهزين للحديث عن مختلف التطورات المتسارعة ولم تجد أمامها إلا بعض "الوجوه الجاهزة"، وسقطت بالتالي في النمطية والتكرار مثلما يذهب إلى ذلك كثير من المتابعين.

ويعود محمد بن زيان إلى جذور المشكلة عندما يقول إنه ومنذ نحو ثلاثين سنة "عرفت الجزائر إرهاصات تحول إعلامي واعد، لكن تم وأده، وبعد سنين من غلق السمعي البصري فُتح المجال لكن بكيفية غير منسجمة مع مقتضيات وخصوصيات المهنة، بقنوات تنشط وفق رخص أجنبية وأطراف لا صلة لها بالإعلام تشرف وتوجه وتخطط".

وفي المقابل، فإن الدكتور إسماعيل مهنانة لم يبرئ الإعلام من المشكلة عندما يقول إن تلك القنوات الخاصة "هي نفسها التي كانت تطبل لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وتهيئ الناس لقبول العهدة الخامسة بوصفها قدرا، وهي نفسها التي رفضت تغطية الحراك الشعبي في جمعته الأولى، وهي نفسها التي تتعمد التركيز على الظواهر الشاذة والعابرة التي رافقت الحراك للتقليل من حجمه وشأنه".

ومثلما نجح الحراك الشعبي في إسقاط مشروع العهدة الخامسة، وأدى إلى فتح ملفات الفساد التي سقط من خلالها كثير من رجال السياسة والمال، فقد نجح أيضا في كشف عيوب بعض وسائل الإعلام الجزائري، خاصة بعض القنوات التلفزيونية الخاصة التي ما زالت تنشط خارج الأطر القانونية وتعاملها السلطات كقنوات أجنبية لها مكاتب في الجزائر، وأصبح كثير من الناشطين السياسيين يدعون إلى تطهير الإعلام قبل الحديث عن أي إصلاح سياسي أو اقتصادي.

المصدر : الجزيرة