حزب الشعب التركي والعلمانية.. تقرب من الشعب أم أزمة هوية؟

Turkey's main opposition Republican People's Party (CHP) leader Kemal Kilicdaroglu attends a news conference in Ankara, Turkey June 26, 2018. REUTERS/Umit Bektas
زعيم حزب الشعب كمال كليجدار أوغلو أطلق تصريحات عدة للتصالح مع المتدينين (رويترز)

أحمد دعدوش-الجزيرة نت

ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا بمواقف وتصريحات عديدة لمسؤولي حزب الشعب الجمهوري التركي تصنف في خانة التدين، ورأى البعض أن الحزب المعروف بعلمانيته الشديدة منذ عصر مصطفى كمال أتاتورك قد بدل هويته لمنافسة خصمه الأقوى حزب العدالة والتنمية بخلفيته المحافظة.

وتوجهت الأنظار إلى رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش الذي انتخب مؤخرا عن حزب الشعب عندما افتتح أول أيامه في منصبه الجديد بأداء صلاة الفجر في مسجد "حجي بيرم" التاريخي قبل التوجه إلى مكتبه.

وقبل ذلك، تداول رواد مواقع التواصل صورا لرئيس بلدية "بولو" تانجو أوزجان المنتخب عن حزب الشعب وهو يقبل المصحف إلى جانب العلم التركي أثناء أدائه القسم في بداية عمله.

وقبل بدء الانتخابات البلدية الأخيرة حرص مرشح حزب الشعب لبلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على الظهور أمام كاميرات الصحفيين داخل مسجد أيوب سلطان التاريخي وتلاوة سورة يس، ثم الدعاء بالرحمة لضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا.

وأظهر إمام أوغلو خلال حملته الانتخابية خطابا محافظا فاجأ الكثيرين -بمن فيهم أنصار حزبه- حين التقطت له صور وهو يصلي في المساجد أو يشارك في مناسبات عامة بصحبة والدته المحجبة، كما نشر بنفسه صورا لمصاحف تتصدر منزله ومكتبه.

ورأى محللون أن إمام أوغلو كان يتعمد طمأنة الناخبين المحافظين، فلم يكن يكتف بمصافحة كبار السن أثناء جولاته في أزقة إسطنبول أمام الكاميرات بل يطلب منهم الدعاء أيضا له بالتوفيق.

كما صرح مرات عدة بأن حزب العدالة والتنمية يحاول اللعب على وتر العواطف الدينية عندما يتهم حزبه بأنه سيضيق على الحريات الدينية، وهو ما اعتبره اتهاما عاريا عن الصحة.

أما رواد مواقع التواصل الاجتماعي فانقسموا بين مؤيد ومعارض لهذا التغير الكبير في خطاب الحزب العلماني، فقال البعض ساخرا إن الوقت قد حان لدمج حزب الشعب مع حزب العدالة والتنمية، في حين رأى آخرون أن الحزب يسعى فقط لاستمالة قسم من ناخبيه الذين يجمعون بين المحافظة الدينية والنزعة القومية. 

مواقف سابقة
وقد لا تبدو هذه التصرفات التي لفتت الأنظار في الانتخابات الأخيرة صادمة، قياسا لمواقف أخرى من قادة حزب الشعب في السنوات الأخيرة، فقد حرص مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية محرم إنجه على أداء صلاة الجمعة أمام الكاميرات أثناء حملته لمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان في يونيو/حزيران 2018، كما سخر منه رواد مواقع التواصل عندما حاول إثبات تدينه بالقول إنه يصلي الجمعة كل يوم.

أما زعيم حزب الشعب كمال كليجدار أوغلو -الذي يفترض أن يكون زعيما لقلعة العلمانية الأتاتوركية- فقد أبدى مواقف عدة للتصالح مع المحافظين، فظهر في يناير/كانون الثاني الماضي في إعلان تلفزيوني للحزب مرددا أحاديث نبوية وحكما صوفية، وشدد على أهمية القيم الدينية في المجتمع.

وبعدها بأيام صرح بأن "الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام"، وذلك بعدما طرد نائبه يلماز أوزتورك من الحزب لتهدئة الغضب الشعبي الذي تسبب به عندما طالب بإعادة الأذان باللغة التركية.

ولعل أول مظاهر تخفف حزب الشعب من تطرفه العلماني كان في اختياره الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو في 2014 لمنافسة أردوغان على الرئاسة، فمع أن إحسان أوغلو ظهر آنذاك برفقة زوجته غير المحجبة فإن منصبه السابق كان يحمل بعد رمزيا لمغازلة المتدينين. 

‪مرشح حزب الشعب لبلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو‬  (الأناضول)
‪مرشح حزب الشعب لبلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو‬  (الأناضول)

هوية الحزب
يعد حزب الشعب الجمهوري أقدم الأحزاب السياسية التركية، ولم يكن يسمح بوجود أي منافس منذ تأسيسه على يد أتاتورك عام 1923، وحتى نجح عدنان مندريس بالانشقاق عام 1945 لتأسيس الحزب الديمقراطي والنجاح بأول انتخابات ديمقراطية لرئاسة الحكومة عام 1950 الذي أطيح به في انقلاب بعد عشر سنوات ولقي مصيره على المشنقة.

واصل العلمانيون انفرادهم بالسلطة ومقاومتهم لمظاهر التدين، وكان الجيش بمثابة بيضة القبان التي تميل نحو العلمانية المتشددة كلما حاول المحافظون المنافسة إلى أن نجح أردوغان بالوصول إلى الحكم عام 2003 عبر حزبه الناشئ (العدالة والتنمية)، ليبدأ المحافظون بالمناورة لتعديل مزاج السلطة نحو التوافق مع التراث الديني للبلاد التي كانت قائدة للعالم الإسلامي ومعقلا للخلافة.

وبينما يرى بعض المحللين أن حزب الشعب يتخلص بمواقفه الجديدة من تشدده العلماني فقط يرى آخرون أن الحزب يعاني من أزمة هوية مزدوجة.

ويضم الحزب العريق أطيافا واسعة يصعب تصنيفها بين قطبي اليمين واليسار، فإلى جانب الكماليين التقليديين الذين يقدسون العلمانية، هناك فئة ممن يرفعون القومية التركية إلى صدارة اهتماماتهم، وقد يجد بعضهم في الإسلام نفسه أحد مكونات هذه القومية، الأمر الذي يدفع ببعض المثقفين لمطالبة الحزب بمراجعة هويته التي باتت بنفسها موضع جدل.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي