مواليد الألفية الثالثة بتركيا.. هل يهددون مستقبل الحزب الحاكم؟

المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية
المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية (الجزيرة نت)

زاهر البيك-أنقرة

لا تتذكر روشلان دويقوجو -التي أدلت بصوتها في الانتخابات المحلية التركية للمرة الأولى- شيئا عن الحياة قبل تولى الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة لكنها تتمنى بلدا أكثر حداثة وعلمانية.

وفي فناء كلية الحقوق بجامعة أنقرة حيث يتحلّق الطلبة في حلقات خلال ساعات الفراغ الأكاديمي ويتبادلون أطراف الحديث، قالت روشلان للجزيرة نت "حزب العدالة والتنمية الحاكم يستثمر في الحرب أكثر من التعليم ولديه نعرة قومية، وهذا ما جعلنا نقول في الانتخابات كفى لأردوغان".

ويختلف معها في الرأي زميلها في كلية الإعلام محمد دانش الذي يقول "كان عمري سنتين عندما تولى أردوغان السلطة، ووالدي حدثني عن سنوات ما قبل عام 2002 كيف عاشوا الانقلابات والتلوث ونقص المياه وانهيار البنية التحتية والفقر، ولا أتمنى أن أعيش تلك السنوات".

لكن روشلان لم تتمالك نفسها، وبعد أن طلبت التدخل للتعقيب على كلام محمد، قالت وهي تخاطبه "تقولون الحكومة شيدت لنا جسورا وطرقا لكن ما فائدة ذلك للناس الذين لا يملكون بيوتا وغذاء" مضيفة "كل شيء له تاريخ صلاحية، يجب أن يأتي غيرهم لإدارة هذا البلد".

أما دوندار أيماك الكردي -الذي ولد في مدينة هكاري شرقي البلاد- فبدا ممتعضا من الظروف الاقتصادية وغلاء الأسعار وقال "شقيقي الأكبر لم يجد وظيفة، والدولار في ارتفاع والذهب باهظ الثمن، في هذا الوضع لن يتمكن أبدًا من الزواج". كما عبّر دوندار عن خشيته على اللغة الكردية ومن نقص الإمكانيات، وأضاف "لم نتلق في المدرسة تعليما بلغتنا الأصلية، ومستوى التعليم سيئ على أي حال".

ويأمل إيفيه كارا أوغلو في غد أفضل رغم أنه لا يستطيع أن يتذكر تركيا قبل أردوغان، وأضاف المواطن وهو طالب في السنة الأولى بكلية الحقوق "أريد أن أكون محاميا في مجال حقوق الإنسان لعلاج انهيار النظام القانوني".

وعاد دانش للتعليق على حديث زملائه "من المؤكد أن عندنا مشاكل لكنها ليست بالشيء الذي لا يمكن حله" مضيفا "اسم أردوغان بالنسبة لنا هو اسم الحب، فهو أب في غاية الطيبة وقد ناصر العالم الإسلامي كله، ونحن نؤمن بفكرته المثالية عن تركيا العظمى".

‪داخل حرم جامعة أنقرة التي جرت بها حلقة النقاش مع الشباب التركي‬ (الجزيرة نت)
‪داخل حرم جامعة أنقرة التي جرت بها حلقة النقاش مع الشباب التركي‬ (الجزيرة نت)

البطالة والأزمة الاقتصادية
وحسب بيانات خاصة حصلت عليها الجزيرة نت من لجنة الانتخابات في حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن إجمالي عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 وثلاثين عامًا يبلغ 1459245 شابا.

وبما أن نسبة المشاركة في التصويت بالانتخابات المحلية -التي جرت في 31 مارس/آذار 2019- بلغت 84.67%، فإن 12.355.000 شابا شاركوا بالتصويت، وهي أرقام توضح حجم كتلة الشباب الانتخابية التي تسابقت الأحزاب على كسب تأييدها.

وشهد النمو الاقتصادي تراجعًا واضحًا خلال السنة الماضية، وهو ما أثر على اهتمام أصوات الشباب التي كانت حاسمة في الانتخابات المحلية بحسب الصحافة التركية، إذ دخلت البلاد منذ الأزمة الاقتصادية التي عصفت بها العام الماضي ركودًا دفع بمعدلات البطالة لتتجاوز نسبة 10%، ووصل إلى 30% بين الشباب.

وفقدت الليرة نحو 30% من قيمتها، كما وصلت نسبة التضخم 20% خلال الأشهر الأخيرة، فضلًا عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 30% تقريبًا خلال العام الماضي مع عاطل واحد من بين كل خمسة شباب.

وفي الانتخابات المحلية الأخيرة كان لافتا تركيز وسائل الإعلام المقربة من الحزب الحاكم على بث أفلام وثائقية تعتمد على المقارنة وتبث صورا لتركيا في العقود الماضية لإظهار حجم التطور الذي شهدته البلاد في حكم العدالة والتنمية.

‪غومش: بلغت نسبة التصويت بين الشباب في الفئة العمرية 18 والثلاثين لحزبنا 45.5%‬ (الجزيرة نت)
‪غومش: بلغت نسبة التصويت بين الشباب في الفئة العمرية 18 والثلاثين لحزبنا 45.5%‬ (الجزيرة نت)

استدراك ومعالجة
وفي هذا السياق، قال أحمد بيوك غومش الرئيس العام لقطاع الشباب بالحزب الحاكم في حديث خاص للجزيرة نت "لا يمكن معرفة لأي حزب سياسي أعطى الشباب أصواتهم، لكننا أجرينا استطلاعا مهنيا، ووفقا لنتائجه، فقد بلغت نسبة التصويت بين الشباب في الفئة العمرية 18 والثلاثين لحزبنا 45.5%".

وأكد غومش -وهو أحد نواب الرئيس أردوغان في حزب العدالة والتنمية- أن حزبه لم يهمل الشباب بل كان حريصا على أن يكون لهم دور فعال في الدولة. ولقد أجرى الحزب ضمن الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية تعديلاً قانونياً ينص على خفض سن الترشح للانتخابات البرلمانية من 25 إلى 18 عاماً، وفعلياً دفع الحزب بـ 57 مرشحاً تقل أعمارهم عن 25 عاماً في قائمته للانتخابات البرلمانية.

وأضاف "حزبنا لم يخسر الانتخابات المحلية، وبينما زادت أصواتنا في بعض المناطق، انخفضت في مناطق أخرى، وسنجري دراسات حول الأماكن التي حدث فيها تراجع التصويت لنا للاستدراك، كما سنواصل تطوير إستراتيجياتنا من أجل تعزيز قوتنا في المناطق التي زادت فيها الأصوات لمصلحتنا".

وتابع "لدينا أربع سنوات ونصف السنة على أول انتخابات مقبلة، لذلك معنا الوقت الكافي كذراع شبابي لإجراء تحسينات على عملنا من حيث الأسلوب والخدمات والإجراءات المستخدمة وتفعيل دور الشباب الوطني".

وأقر غومش بأنهم يعانون من صعوبة إقناع الجيل الجديد بإنجازات الحزب وأعماله طوال السنوات الماضية بسبب صغر سنهم وعدم معايشتهم لتجارب الأحزاب الأخرى بالحكم، لافتا إلى أن "سياسة مقارنة الماضي والحاضر بطبيعة الحال وسيلة مهمة لتوضيح حال بلدنا للأجيال الجديدة، ومع ذلك لا يمكن أن نعتمد على هذه السياسة فقط".

وأضاف "سنستدرك من خلال إعادة تنشيط النمو الاقتصادي، وستركز حكومتنا على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستُنظم عام 2023" مستشهدا بتصريح رئيس الجمهورية رئيس الحزب الذي قال فيه "أمامنا مدة طويلة يمكننا فيها تنفيذ إصلاحات اقتصادية من دون التهاون في قواعد السوق الحرة".

وختم حديثه بالقول إن إستراتيجية حزبه وخريطة عمله الفترة المقبلة ستعتمد على الوصول لكل الشباب في كل أنحاء الجمهورية بغض النظر عن أعراقهم، وللاستماع إلى مشاكلهم ومساعدتهم على حلها.

ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه أردوغان والعدالة والتنمية هو إقناع فئة الشباب الذي ولد مع انطلاق الألفية الثالثة وترعرع في حقبة حكمهم، حيث لم يعش الفترة التي تميزت بالانقلابات والفوضى وانعدام الحرية والتدهور الاقتصادي والسياسي، ولا سيما أن هذه الفئة دائما تطمح لخدمات أفضل وفرص عمل أوسع ورفاهية أكبر.

المصدر : الجزيرة