أشواك على الطريق.. الجزائريون ومتاعب الوصول لميدان الحرية

منير وكمال والطفل عبد الرحمن القادمين من من ولاية بجاية برفقة مضيفهم في العاصمة حسين في شارع ديشدوش مراد وسط العاصمة.
منير وكمال والطفل عبد الرحمن القادمين من بجاية رفقة مضيفهم في العاصمة (الجزيرة)

سلمى حراز-الجزائر

راية وطنية تعانق أخرى أمازيغية، وسيمفونية تخترق سكون ساعات الصباح الأولى وهي تصدح بصوت حكيم الغناء الأمازيغي لونيس آيت منقلات "إن أمرتم بالتراجع إلى الأمام نسير، إن أمرتم بالوقوف حطّمنا الحواجز، مهما كان إصراركم فلن تصدّونا عن شق الطريق".

كان هذا زاد طريق كل من منير وكمال وعيمر وآخرين في رحلتهم الأسبوعية من مدنهم تجاه الجزائر العاصمة، منذ أن دقت ساعة نهاية نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، فهم ماضون في دربهم رغم عشرات الحواجز الأمنية التي تعترض سعيهم لبلوغ ميدان الحراك.

منبهات السيارات تصم الآذان، مركبات تحمل أرقام عدة ولايات، عشرات من عناصر الدرك تصطف على جانبي الطريق، ذلك هو المشهد في مداخل العاصمة صباح الجمعة التاسعة لحراك الجزائر الذي توهجت شعلته في 22 فبراير/شباط الماضي.

وقفت الجزيرة نت على معاناة الراغبين في بلوغ العاصمة، فهم يقضون رحلة ساعتين في أربع أو خمس ساعات، لكنها متاعب لم تأت على عزيمة الحالمين بالانعتاق، فدرب الحرية بالنسبة إليهم يعني "الرضا بالمشي على الأشواك".

وعبر المدخل الشرقي للعاصمة، اختار الكثير من المسافرين والشباب تحديدا الترجل من السيارات ومواصلة الرحلة نحو وسط العاصمة سيرا على الأقدام، خاصة أن كل وسائل النقل العامة -كالقطار والمترو- تتوقف عن الخدمة أيام الجمعة منذ أن انطلق الحراك، مما صعب من مهمة التنقل للمتظاهرين.

طابور طويل من السيارات في المدخل الشرقي للعاصمة الجزائرية (الجزيرة)
طابور طويل من السيارات في المدخل الشرقي للعاصمة الجزائرية (الجزيرة)

"رحلة العذاب" إلى العاصمة عاشها حسين سي حاج محند الذي قدم من مدينة تيزي وزو ( 120 كلم شرق العاصمة الجزائر). التقينا الشاب في المسيرة "المليونية" التاسعة أمس الجمعة في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، وهو في طريقه إلى ساحة البريد المركزي محجّ المتظاهرين.

بدا حسين متعبا رغم حماسه، فالشاب أمضى ليلة بيضاء بالقرب من مقر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في العاصمة. يقول للجزيرة نت وهو متوشح العلم الأمازيغي "لم يغمض لي جفن منذ ليلة الأربعاء، فرحلتي إلى العاصمة بدأت ليلة الخميس، رغم أن السفر من مدينتي لا يستغرق عادة أكثر من ساعة ونصف إلى ساعتين، لكني كنت أعلم أن الحواجز الأمنية وإجراءات التفتيش ستعرقل وصولي".

وأكد حسين أنه تعرض للمسائلة في أكثر من حاجز أمني بسبب مظهره الذي كان يوحي بأنه في طريقه للمشاركة في المسيرة، وقال "تم توقيفي أكثر من مرة في كل الحواجز الأمنية التي مررت بها، والسبب الراية الأمازيغية التي أحملها وأعتبرها جزءا من هويتي وليست رمزا انفصاليا كما يُروّج له، كما حاولت عناصر الأمن إقناعي بالعودة أدراجي والتظاهر في مسقط رأسي".

لهانة عيمر يمينا وحسين سي حاج محند يسارا (الجزيرة)
لهانة عيمر يمينا وحسين سي حاج محند يسارا (الجزيرة)

ورغم التعب والإرهاق، لم يفقد حسين رباطة جأشه ولا حماسه، بل إن المضايقات والعراقيل زادته عزما من أجل المضي قُدما، مردفا "لن نترك من سلبوا الوطن يجهضون ثورتنا لنعود من حيث أتينا بسبب حواجز أمنية اعترضت طريقنا".

وهو نفس ما ذهب إليه رفيق سفره عيمر، الذي تولى القيادة وكان صاحب فكرة السفر ليلا لخبرته الطويلة خلف مقود السيارة، فهو يشتغل سائقا.

يقول عيمر متحدثا للجزيرة نت "العاصمة ملك للجميع، والتظاهر هنا له رمزيته، ولا أحد مهما كان يمكنه منعي أنا أو غيري من أبناء هذا الوطن من بلوغها، سأعود كل جمعة إلى هنا ولو وضعوا في طريقي ألف حاجز وحاجز".

إيجاد مكان للمبيت لمن فضل السفر ليلا أو وصل قبل بزوغ الفجر إشكالية أخرى، فإذا كان حسين وعيمر قد أمضيا ليلة بيضاء في الشارع، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى منير طاهير وعبد اللي كمال والطفل عبد الرحمن، فهؤلاء الذين ألفوا مشقة السفر من ولاية بجاية إلى العاصمة (242 كلم) وجدوا من يفتح لهم بيته في انتظار أن يبزغ فجر يوم الجمعة.

يقول عبد اللي كمال ( 46 سنة) للجزيرة نت "المشاركة في المسيرة هنا في الجزائر العاصمة أصبح التزاما وطنيا لا يمكن أن أفوته، رغم محاولات التضييق والحصار على العاصمة الذي بدأ في الأسابيع الأخيرة".

ويشاركه هذا الرأي صديقه طاهير منير، فحضور المسيرة في العاصمة مهم لأنها واجهة البلاد والأضواء مسلطة عليها في الإعلام العالمي أكثر من غيرها من المدن، "ولا بد أن أقدم الدعم للمتظاهرين هنا، ومن أجل هذا أنطلق في وقت مبكرا قبل أن يبدأ الازدحام، فالتجربة منذ بدأ الحراك علمتني أن الخروج باكرا سيجنبني الكثير من متاعب السفر".

متظاهر في ساحة موريس أودان وسط الجزائر العاصمة (الجزيرة)
متظاهر في ساحة موريس أودان وسط الجزائر العاصمة (الجزيرة)

لكن السفر مبكرا لا يخلو من الصعاب، فالرحلة من مدينة بجاية إلى العاصمة لا تقل عن ثلاث إلى أربع ساعات، ولا بد من أخذ قسط من الراحة قبل المضي إلى المسيرة، "وبيتي مفتوح لهذا الغرض"، هذا ما يقوله حسين عيبش ابن العاصمة الذي يستقبل منذ هبوب رياح التغير على الجزائر رفيقيه كمال ومنير والطفل الصغير عبد الرحمن، ويرافقهما أيضا في المسيرة، ويضيف "مثلما تسع الجزائر جميع أبنائها يسع بيتي ضيوفي".

ولم يعد الطفل عبد الرحمن (13 عاما) يرضى إلا بالمسير في "مليونية" العاصمة، ومن يدري، فقد يواصل المهمة ويكون من جيل تنبأ له الشاعر نزار قباني بأنه من "سيهزمُ الهزيمة".

المصدر : الجزيرة