لماذا لا يصدق المصريون روايات النظام؟

ياسر سليم - لم تفلح عربات الأغذية ذات الأسعار المخفضة بتهدئة غضب المصريين ضد ارتفاعات الأسعار ـ القاهرة ـ تصويرخاص 2019 - هل تخفض زيادات الأجور غضب المصريين من الأوضاع الاقتصادية والسياسية؟
واقع المصريين المتدهور اقتصاديا وسياسيا يناقض البيانات والتصريحات الوردية المتكررة (الجزيرة)

 عبد الكريم سليم-القاهرة

لا تنفك الفضائيات المحسوبة على النظام المصري تكرر كل عدة ساعات بيانات رسمية ومقاطع صوتية ومصورة ترد على ما تصفها بشائعات مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات المعارضة بالخارج.

فعند وقوع حوادث مفزعة للرأي العام تسارع الحكومة إلى إصدار بيانات حولها، لكنها لا تحظى باقتناع الجمهور كما يبدو من ردود الفعل على مواقع التواصل لتظل الرواية الشعبية أو رواية المعارضة الأكثر تأثيرا في كثير من الحالات.

"تٌنسي المصائب بعضها بعضا، لكنها تظل عالقة بلا إجابة حاسمة" هكذا عبرت إيمان الطالبة بجامعة أسيوط، حيث تقول إن زملاءها ما زالوا يصدقون أن زميلتهم اختطفت واغتصبت وقتلت في المزارع المجاورة للسكن الجامعي، رغم النفي الرسمي المتكرر للواقعة.

وكشفت هذه الواقعة وما سبقها انعدام الثقة بين النظام ووسائله الإعلامية من جهة والشعب من جهة أخرى.

باكورة هذه الوقائع كان الإعلان الرسمي عن اكتشاف علاج محلي لفيروس سي عام 2014، وبكى الرئيس عبد الفتاح السيسي فرحا أثناء حضوره إعلان رجل يدعى عبد العاطي (مُنح رتبة لواء بشكل استثنائي) لاكتشاف جهاز قال إنه يعالج المريض من الفيروس ويقدمه له غذاء مثل "الكفتة" وحينها فنّد علماء وجهات صحية هذا الاكتشاف مؤكدين عدم جدواه.

ومع تبخر دعوى الاكتشاف اعتاد المصريون السخرية من الأمر بنسبته إلى الكفتة، وسُمي الجهاز المخصص لهذا العلاج بجهاز الكفتة.

لاحقا ظهر السيسي ببزته العسكرية معلنا ترشحه لرئاسة الجمهورية، مخلفا وعده السابق بـ "عدم السماح لأحد أن يقول إن الجيش تحرك لمصالح شخصية" عندما انقلب على الرئيس المنتخب محمد مرسي.

كما جمع السيسي من المصريين أكثر من ستين مليار جنيه "نحو 3.46 مليارات دولار" عام 2015، بدعوى حفر "قناة سويس جديدة ستضاعف عوائد القناة" ثم أكدت الأرقام انخفاض عوائد القناة بسبب انخفاض حركة التجارة العالمية واكتشاف طرق بديلة، وهو ما حذر منه الخبراء وقتها.

ليعود السيسي لاحقا بالتأكيد على أن المشروع استهدف به فقط "رفع معنويات المصريين" خلافا لما صرح به من قبل من أنه سينقل مصر لمصاف الدول الكبرى.

وحينما تداول نشطاء مواقع التواصل ما بثته فضائيات المعارضة بالخارج عن قرب تحرير صرف الجنيه نهايات العام 2016، انفجر بركان من التصريحات الرسمية بنفي هذا الاتجاه، لدرجة تصريح رئيس البنك المركزي طارق عامر بأن سعر صرف الدولار سيصل إلى أربعة جنيهات.

ولم تمض أسابيع حتى قفز الدولار إلى أكثر من ضعفي سعره وقتها (من سبعة جنيهات للدولار إلى 18.5 جنيها) ليعود عامر موضحا أن تصريحه السابق كان مجرد "نكتة".

وتتعدد النماذج التي خذل فيها المسؤولون المواطنين بالتصريحات والوعود الوردية، وهو ما أدى في النهاية إلى أن تفقد التصريحات والوعود الحالية تأثيرها على المصريين.

ومؤخرا نفى مسؤولون جملة من الأنباء مثل تغيير سعر الدولار بالموازنة الجديدة، وحذف ١٧٢ ألف مواطن من معاش تكافل وكرامة، وتأجيل امتحانات الجامعات، لكن الجدل ما زال مستمرا حول مثل هذه الأنباء وغيرها.

قسم متكرر
يتابع المصريون خطابات السيسي وهو يكرر القسم على صحة ما يقول، والتأكيد على أنه لا يكذب وأنه "صادق وأمين" وهو ما يراه سياسيون إحساسا متعاظما بفقدان المواطنين للثقة في كلام المسؤولين بكافة المستويات.

"كثرة تكرار القول والقسم المستمر خلال لقاءات وخطابات المسؤولين مع انعدام أي ظل للحقيقة حول تلك الأقاويل على أرض الواقع، نتاج طبيعي لسياسة المبالغات في التصريحات" بحسب مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة.

وأوضح حمدان المؤيد السابق للسيسي والمعارض حاليا أن تصريحات المسؤولين تٌصادم واقع الحال الملموس، الذين يتحدثون عن مراعاة محدودي الدخل، وتوفير السلع بأسعار مناسبة، في وقت "يكتوي المصريون في الشوارع بلهيب الأسعار التي ترتفع كل يومين".

وأكد للجزيرة نت أنه لن يعيد الثقة المفتقدة بالمسؤولين إلا "سياسة جدية صادقة في مساعيها لمصالح الناس".

ناقل الأكاذيب
إذا كان الإعلام متهما بالمساهمة في هدم الثقة بين المصريين والمسؤولين، فالأزمة لا تقع على عاتق وسائل الإعلام فقط باعتبارها مجرد ناقل "للأكاذيب" برأي الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام سابقا قطب العربي، فالمسؤولون الرسميون "يفتقدون للمصداقية" في أقوالهم التي يراها الناس "مجافية للواقع".

ويؤكد العربي أن هؤلاء المسؤولين يعملون ضمن منظومة قامت بالأساس على "الكذب والخديعة" ويرى أن استمرارها مرهون بالطريقة ذاتها فـ "هم بكذبهم ينالون رضا رؤسائهم ولا يهمهم غضب الشعب الذي لا يستطيع ترجمة غضبه في فعل إيجابي".

وذلك "لا يبرئ" الإعلام بطبيعة الحال -يقول العربي- فقد سبق له تقديم العديد من "الأكاذيب الفجة" أو التي اكتشف الناس حقيقتها لاحقا، وبالتالي "فقد مصداقيته" وأصبح الناس ينظرون إليه باعتباره مجرد "بوق دعاية لتجميل وجه النظام".

ويعتقد العربي أن المصريين باتوا مدركين أن الإعلام "عاجز" في ظل الظروف القمعية الحالية عن نقل الحقيقة التي تكلف ناقليها أثمانا كبيرة، سجنا أو فصلا أو ملاحقة، ولذلك "يستسهل" الإعلام "اللعب في المناطق الآمنة" أو التي ترضي النظام وليس الشعب.

حروب الجيل الرابع
في المقابل طالبت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس سامية خضر الحكومة بالعمل على رفع الروح المعنوية للشعب وعدم تركهم "فريسة سهلة لحروب الجيل الرابع" التي تشنها وسائل التواصل، على حد قولها.

في وقت تتعمد مواقع التواصل لغة بسيطة وسهلة يفهمها الجميع -كما تقول الأستاذة الأكاديمية- خلاف البيانات الرسمية الحكومية التي تصدر بالفصحي ولا يفهمها ما يقرب من ربع الشعب لانتشار الأمية.

وشددت على ضرورة أن ترد الحكومة سريعا على "الشائعات" محذرة من أن التأخر في الرد يسبب تصديق الشعب للشائعة، في ظل الجاذبية والسهولة والبساطة التي تتمتع بها وسائل التواصل في النقل والتوصيل.

وفي تصريحات صحفية، أرجعت الأستاذة الجامعية عدم تصديق بعض المواطنين للبيانات الرسمية الحكومية بسبب اعتمادها على الرد بأسلوب يصعب فهمه على البسطاء الذين ينبغي أن تتوجه إليهم باعتبارهم أساس ومحور اهتمام الحكومة وليس الطبقة المثقفة التي تفهم اللغة الرسمية.

وعادة ما يكرر السيسي وأذرعه الإعلامية الحديث حول ما يصفه بحروب الجيل الرابع التي تستهدف "تحطيم الدول" عبر بث الشائعات وهز الثقة بين الشعب والحكومة، في حين يرى خبراء علوم سياسية أن هذا الوصف تستخدمه الدول الاستبدادية تجاه حرية الرأي والتعبير لتشويه المنتقدين والمعارضين.

المصدر : الجزيرة