من جنرال تونس إلى كنداكة السودان.. حناجر ألهمت ثورات الشعوب

الكنداكة...فتاة الثورة السودانية
الكنداكة أصبحت أيقونة للاحتجاجات السودانية التي أطاحت بالبشير (الجزيرة)

وسط الحشود الغفيرة المطالبة بإسقاط النظام في السودان، برزت الشابة السودانية آلاء صالح التي أطلق عليها "الكنداكة" وهي تعتلي أسطح إحدى السيارات وتلقي قصيدة حماسية، كان لها أثر بالغ في مشاعر الثائرين المتعطشين للحرية والحالمين بانتصار ثورتهم السلمية.

"ﻣﺎ ﺑﻨﻨﻜﺘﻢ ﻧﺴﻜﺖ.. ﻓﻲ ﻭﺵ ﻋﻤﻴﻞ ﺟﺎﻳﺮ.. ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻋﺪﻳﻢ ﺍﻟﺴﺎﺱ.. ﻭﺃﻧﺎ ﺟﺪﻱ طرهاقا".. كلمات التي جاءت على لسان كنداكة السودان تؤكد أن الشعب لن يقف صامتا في وجه نظام جائر، وأنه لا مبرر للخوف.

كانت لكلمات هذه القصيدة الثورية -التي زادها ألقا إلقاؤها وسط الحشود الغفيرة من قبل آلاء التي لقبت بالكنداكة (كلمة كانت تطلق على الملكات النوبيات قديما، واستخدمت حديثا للإشارة إلى المشاركات بالمظاهرات بالسودان بشجاعة)- أثر بالغ لم يشمل السودان فقط بل تعداه في كل أرجاء الوطن العربي.

مشهد كنداكة -الذي تصدر مواقع التواصل لأيام- أعاد إلى الأذهان أغاني أخرى رددها الشباب الثائر في كل من تونس ومصر وسوريا والجزائر واليمن، موجهين عبرها رسائل لمن يحكمهم.

الجنرال.. الرئيس
أواخر ديسمبر/كانون الأول 2010، وبينما كانت رقعة الاحتجاجات تتسع في أنحاء تونس، أصدر مغني الراب حمادة بن عمر الملقب بـ "الجنرال" أغنية بعنوان "رئيس البلاد" التي وجّه فيها رسالة إلى الرئيس زين العابدين بن علي ونظامه، يحتج فيها على ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

كانت أغنية "الجنرال" التي حظيت بانتشار واسع بمثابة المشعل الفني للثورة التي أنهت 23 سنة من حكم بن علي، فصراحتها الشديدة عرّت مساوئ النظام الدكتاتوري، وكشفت ما عجزت الأغلبية عن المجاهرة به.

في مطلعها يقول بن عمر الذي تم اختياره لاحقا من قبل مجلة تايم الأميركية من بين المئة شخصية الأكثر تأثيرا بالعالم "رئيس البلاد هاني اليوم نحكي معاك.. باسمي وباسم الشعب والكل اللي عايش في العذاب.. 2011 ما زال فمّة شكون يموت بالجوع.. يحبّ يخدم بش يعيش لكن صوته موش مسموع".

(رئيس البلاد أتوجه لك اليوم بكلمة.. باسمي وباسم الشعب الذي يعيش في العذاب.. في 2011 ما زال هناك من يموت جوعا.. يريد العمل من أجل كسب قوته لكن صوته لا يُسمع).

كانت هذه الأغنية السبب في اعتقال المغني من قبل أجهزة الأمن والتحقيق معه، ليطلق سراحه لاحقا. وبعد أسبوع من ذلك -وتحديدا في 14 يناير/كانون الثاني- سقط الرئيس.

الشيخ إمام
"يا مصر قومي وشدي الحيل.. كل اللي تتمنيه عندي.. لا القهر يطويني ولا الليل.. آمان آمان بيرم أفندي" كانت من أغاني الراحل الشيخ إمام التي ألهبت حماس شباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر وحثتهم على الصمود والتحدي.

وفي قصائد أحمد فؤاد نجم التي لحنها وأداها الشيخ إمام، وجد المشاركون بفعاليات الثورة ضالتهم، فقد عبّرت الأغاني عن واقعهم وما ينشدونه، وانتقدت الوضع السياسي والتضييق على الحريات، مثل أغنية "شيّد قصورك".

وينظر كثير من شباب الثورة في مصر إلى الراحل الشيخ إمام على أنه مطرب الثورة الأول بلا منازع. 

اليمن.. لن نركع
في اليمن أيضا، ساهمت الأغاني في إشعال حماس الشباب الذين نادوا بإسقاط منظومة حكم الرئيس علي عبد الله صالح.

وللثورة اليمنية أغاني عدة، لكن أبرزها "والله لا نركع" لعبود خواجة التي تقول كلماتها:

والله ورب العرش لا نخضع

للطاغي الفاسد وأعوانه

لو السما من فوقنا تولع

والكون يتزلزل ببركانه

أو يهدمون البيت بالمدفع

ولا علي يهجم وأركانه

المؤمن الصنديد لا يركع

إلا لرب الكون سبحانه

والله بعد اليوم ما نرجع

لو يفتحوا مليون زنزانة

ياما نصحنا إنسان ما يسمع

كلما نصحنا زاد طغيانه

ثوره قرعنا الطبل والمرفع

والشعب يتقدم بفرسانه

الشعب كله قالك برع

يا من فقد قدره وميزانه

 

أيضا أنشودة "أنا الثائر" التي وجهت رسائل عدة للداخل والخارج، وتقول كلماتها:

أنا الثائر أنا موجود..

في شعب الكرم والجود

بفضل الواحد المعبود

أنا حاضر أنا موجود

أنا الثائر أنا موجود

أنا موجود في شعبي

وشعبي حل في قلبي

أنا حاضر وملئ العين

وفاهم بالسياسة زين

لمن يلعب على الحبلين

أنا حاضر ومتواجد

ذبحت اليأس بإصراري

وساري للعلا ساري

وبتوكل على الباري

ونجمي للعلا صاعد

القاشوش.. حنجرة سوريا
رغم أن الثورة السورية لم تنجح في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، فإن نشيدها الأول "يلا ارحل يا بشار" الذي ألهب حماس الجموع الغفيرة في حماة منتصف 2011 لا يزال عالقا بالأذهان حتى وإن لم تحقق مطالبه.

"يسقط يسقط هالنظام ويسقط حزب البعثية.. الشعب السوري ما بيرتاح حتى ينال الحرية".. هكذا صدح الناشط الثائر إبراهيم القاشوش، ومن تجمع حوله من مئات الآلاف من المحتجين في إحدى أكبر مظاهرات الثورة.

في تلك المظاهرة التي نظمت في "جمعة ارحل" أنشد القاشوش "يلا ارحل يا بشار" ملهبا حماس تلك الجموع الغفيرة، ومؤسسا لنمط تنظيمي ودعائي أصبح جزءا أساسيا من المظاهرات.

وعقب تلك المظاهرات -التي سقط فيها عدد من القتلى- قامت أجهزة الأمن بحملة اعتقالات شملت حسب ناشطين القاشوش نفسه الذي وجدت جثته اليوم التالي ملقاة في نهر العاصي وقد اقتلعت حنجرته.

الجزائر.. صوت التغيير
قبل يوم واحد من إغلاق باب الترشح لانتخابات الرئاسة (3 مارس/آذار الماضي) قدمت مجموعة من الفنانين أغنية تعبّر عن الإرادة الشعبية الرافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة.

ونظمت مجموعة من الفنانين الأغنية المؤثرة تعبيراً عن رفضهم ترشح بوتفليقة ورغبتهم في "الحرية والتغيير".

وخلال الأغنية المصورة ظهر بعضهم ملتفاً بعلم البلاد، وقد تجسدت جميع فئات المجتمع (النساء والرجال والأطفال، الشباب وكبار السن) تأكيداً على التفاف الشعب كله حول هذه الدعوة.

تبدأ الأغنية بظهور الفنانين تباعاً، كلٌ منهم يحمل لافتة كُتب عليها "الحرية للجزائر، لا للعهدة الخامسة، سنواجه النظام، جزائر حرة ديمقراطية، من أجل صحة صحيحة، الصحافة صوت الشعب، لا للعنف لا للفساد".

يقول مطلعها "يما كثر الدعاوي (الدعاء).. ولادك راهم خارجين.. يمشيوا عالحرية، يما ولادك متحضرين".

ثم يردد الفنانون "طالبين ديمقراطية، حاملين الورد والياسمين.. في مسيرة سلمية، على التغيير معولين اليوم الشعب". ويكررون "الحرية للجزائر" عدة مرات، والشعب يريد حرية.

كنداكة.. أيقونة السودان
بثوبها الأبيض السوداني التقليدي، اعتلت الشابة آلاء صالح سطح إحدى السيارات، ووسط الحشود، رددت دون خوف أبياتا ثورية، ليرد المحتجون بعد كل بيت بكلمة ثورة، وسط هتاف وتصفيق وحماس غير منقطع.

تحولت الشابة إلى أيقونة الاحتجاجات حيث تداول الآلاف المقطع المصور الذي يظهرها وهي تطلق الهتافات وسط حشود المحتجين، كما اعتبرت صورتها بمثابة رسالة تعكس صمود وقوة السودانيات، فضلا عن كونها ألهمت أيضا العديد من الفنانين التشكيليين لاسيما في العالم العربي بعدما أصبحت صورتها على العديد من الجدران في الشوارع العربية.

وقالت آلاء -التي أطلق عليها البعض "تمثال الحرية" في تغريدة لها على تويتر- إن الكفاح لتكون السودان ديمقراطية ومزدهرة متواصل، وأوضحت "أردت التحدث نيابة عن الشباب وأن أخرج إلى العلن للقول إن السودان للجميع".

"ﻟﻄﻠﻘﺔ ﻳﻤﺔ ﺣﻴﺎﺓ.. ﻟﻲ ﺯﻭﻝ ﺟﺮﻳﺢ ﻣﻘﺘﻮﻝ

ﺯﻱ ﻭﺧﺰﺓ ﺍﻟﺸﻮﻛﺔ.. ﺃﻗﺼﺮ ﻛﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻮﻝ

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻞ ﻳﻮﻡ.. ﺍﻟﻄﻠﻘﺔ ﻣﺎ ﺑﺘﺤﺮﻕ

ﺑﻴﺤﺮﻕ ﺳﻜﺎﺕ ﺍﻟﺰﻭﻝ.. والموتة ما بتفرق

بيفرق صحيح القول

أحسن تموت راجل.. من موتة المجهول

والمقصود أن الرصاصة حياة بالنسبة لمن اختاروا التضحية بأرواحهم في وجه الظلم، وهي أقل ألما من وخز الشوك إذا كانت في سبيل الحرية، كما أن هذه الطلقة لا تؤلم إلا أن ما يؤلم أكثر هو الصمت.

كلمات تلخص ما طالبت به الشعوب العربية، لتبقى الحرية هي المكسب الأغلى للمحتجين والثائرين.

المصدر : الجزيرة