صحف الجمعة بالسودان.. مانشيتات بطعم التغيير

The al-Intibaha newspaper is seen on display with other newspaper titles at a newsstand in Khartoum, November 10, 2012. Picture taken November 10, 2012. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah (SUDAN - Tags: MEDIA)
بائع صحف في الخرطوم (رويترز-أرشيف)

مزدلفة محمد عثمان-الخرطوم

"سقطت".. هكذا عنونت صحيفة "الانتباهة" السودانية الأكثر توزيعا صفحتها الرئيسية صبيحة الإطاحة بعمر حسن البشير، وهي التي كانت تصنف بالأمس من صحف الموالاة للنظام وكان لها دور بارز في انفصال جنوب السودان عام 2011.

وقادت هذه الصحيفة خطا تحريريا مناهضا للوحدة مع الجنوبيين وروجت بكثافة للانفصال، حينها كان يتولاها الطيب مصطفى خال البشير قبل أن يتركها ليؤسس صحيفة أخرى ثم يعود إليها قبل أشهر قليلة كاتبا لمقالات رأي.

وحتى صحيفة "الرأي العام" الحكومية صدرت صفحتها الأولى بـ "أبريل يعيد نفسه.. عزل البشير ومجلس عسكري لإدارة البلاد".

سمة التغيير التحريري في الصحف كانت بارزة للعيان، وهي تصدر الجمعة بعناوين مختلفة كليا عما كانت عليه بالأمس القريب.

وربما تماشت مع خطى التحرك الذي أطاح برؤوس النظام السابق سيما في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والذي طالما ارتبط مسؤولوه بعلاقات متميزة مع غالب قادة هذه الصحف.

مسرحية
في المقابل، يرى صحفيون مؤيدون لشبكة الصحفيين السودانيين -وهو كيان مواز لاتحاد الصحفيين الذي يحظى باعتراف الحكومة- العناوين التي تصدرت صحف الجمعة مجرد فصل من مسرحية عملية التسليم والتسلم للسلطة بين البشير ووزير دفاعه عوض بن عوف.

‪مظاهرات اليوم في الخرطوم‬ (رويترز)
‪مظاهرات اليوم في الخرطوم‬ (رويترز)

وخرجت "المجهر" المملوكة للهندي عز الدين (أحد مقربي حزب المؤتمر الوطني) بعنوان رئيسي يقول "الجيش يقتلع النظام ويعتقل البشير".

أما "الأخبار" لصاحبها رجل الأعمال المعروف صديق ودعة -الذي كان يعتبر صديقا شخصيا للبشير- فعنونت "الملايين تشيع الإنقاذ بالموسيقى العسكرية".

ونشرت الصحيفة في صدر صفحاتها ربما للمرة الأولى في إصدارة محلية صورة كبيرة للاحتجاجات، وهو ما لم يكن ممكنا قبل ذلك.

أما "الصيحة" التي يرأس تحريرها الصادق الرزيقي أحد المحسوبين على النظام الحاكم السابق ورئيس اتحاد الصحفيين، فاختارت عنوان "نهاية عهد الإنقاذ".

رقابة
وكانت "الوطن" الأكثر تحولا وهي تبرز المانشيت التالي "الشعب يزلزل الأرض تحت أقدام الطاغية وأركان فساده" كما عنونت "أخبار اليوم" بأنها "ثورة ديسمبر الشبابية تقتلع الإنقاذ وتطيح بالبشير".

ومنذ بدء الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يكن بمقدور الصحف أن تعكس هذا الحراك الشعبي الواسع الذي اعتبر الأطول في المدى الزمني والأقوى ضد حكومة البشير المهيمنة على مقاليد الحكم منذ ثلاثين عاما.

ويقول أهل المهنة إن الصحف خضعت على مدى سنوات طويلة لرقابة قبل وبعد النشر أذاقتهم مرارة المصادرة بعد الطبع كلما طال النقد رمزا قياديا أو مسؤولا بارزا، وباتت منذ تصاعد الاحتجاجات تحت رحمة رقيب من جهاز الأمن.

وعشية الانقلاب، استقبل رؤساء التحرير على هواتفهم الجوالة رسالة نصية من إعلام جهاز الأمن مفادها "صدرت توجيهات بعدم مباشرة أي نوع من أنواع الرقابة أو التضييق على الصحافة السودانية لتعمل بكامل الحرية في أداء دورها بوعي ومسؤولية ومهنية".

أضرار
واضطرت غالبية الصحف للانحناء أمام العاصفة وتجاوز تفاصيل الاحتجاجات إلا ما تجود به الجهات الرسمية من تصريحات أو أرقام، فبدت باهتة وكسد توزيعها وهي البعيدة عن نبض الشارع.

في المقابل، عجزت الصحف التي قاومت الانصياع للرغبة الأمنية عن الصدور في غالب أشهر الاحتجاجات الطويلة.

وتكبدت "الجريدة" المستقلة والميالة لعناوين مشاكسة أقرب إلى المعارضة خسائر فادحة بسبب مصادرة نسخها بعد الطباعة لأيام متوالية أو منعها من الطباعة بعد أن ترفض استبدال صفحات غطت فيها الاحتجاجات أو الامتناع عن تغيير "مانشيت" لم يرض الرقيب.

وصبيحة يوم الانقلاب اختارت "الجريدة" عنوان "ابن عوف يعزل البشير والآلاف يتمسكون بالاعتصام".

أما "السوداني" المملوكة لجمال الوالي أحد رأسماليي حزب المؤتمر الوطني، فكتبت "الجيش: عزل واعتقال البشير واقتلاع النظام".

المصدر : الجزيرة